أمير داود
قضيت الأسبوع الفائت كله أتسكع في مواقع داعش على الانترنت. صفحات ومواقع اخبارية ومنتديات. كلها موشومة بأعلام سوداء وصور لرجال بوضعيات بطولية والكثير من المواد المصورة. كل مادة في هذه المواقع مقسمة الى قسمين. قسم يستطيع الكبار والصغار مشاهدته، وهي مواد دعائية واستعراضية في مجملها، وقسم آخر قالوا ان مادته "ثقيلة" يعني يمنع أصحاب القلوب الضعيفة، وانا منهم، من المرور عليه. التزمت بالأمر حرصاً على سلامتي الذهنية والقلبية، قلت: كبرت كثيراً على هذه الأشياء وقلبك لا يحتمل.
آخر مرة شاهدت فيها تصويراً لقطع الرؤوس كانت قبل أكثر من عشر سنوات، كنا نهم بمغادرة مكان العمل، طلب مني واحد من موظفي الأمن أن اشاهد مقطعاً مصوراً، كان بطل قطع الرؤوس حينها جندي روسي، ألقى مقاتلاً شيشانياً أرضاً، وفكَّ رأسه بمهارة عالية. كانت الصورة بجودة عالية، صادمة ومثيرة للتقزز. كان ذلك أول وآخر مقطع أشاهده في حياتي. أجزم أن كلاماً كثيراً قد قيل عما يمكن أن يتركه مشاهدة مثل هذه المشاهد من خدوش في العقل والقلب والروح. أيامها كانت فكرة قطع الرؤوس فكرة سينمائية، بعيدة ويصعب تجليسها على طاولة الواقع، اليوم، صارت الفكرة قريبة، ويمكن ادراجها في قائمة مسببات الموت المحتملة الى جوانب حوادث السير والسكري والضغط. وضع تنظيم القاعدة سابقاً، وداعش لاحقاً لفكرة القطع هذه اجنحة سوداء وصارت تحلق بيننا بخفة شديدة. عندما تكرر فعلاً معيناً الى درجة الالحاح، ويكتفي المشاهدون بالصراخ على الطريقة الاوبرالية التي تعلو وتخفت، تكون قد أنجزت ما تريد، وهذا ما يحدث بيننا اليوم.
قال لنا استاذ العلاقات الدولية في الجامعة، وبطريقة تشبه نبوءة الحكماء القدامى، أنه وليصل العالم الى حتمية الصراع، صراح الحضارات، على وحوش كثيرة ان تخرج من جحورها، الفكرة لا تكفي، الأهم أن يخرج المجانين، ظهر أول مجانين القرن ووحوشه، هنا، وبقي أن يخرج وحوش الحضارات الأخرى لتكتمل الحفلة. مواقع داعش على الانترنت، حفلة صاخبة بالصراخ والتوعد بالقتل، يكفي أن يتملكك الشعور بالتهديد الشخصي لتدرك أن حفلة صاخبة وقريبة بدأ صوتها يصل اليك من الشباك، وهذا أسوأ ما في الأمر !