اتفقت حماس مع إسرائيل أو لم تتفق... أكدت الأخيرة توصلها لاتفاق أو نفت، واقع الحال لم يعد يقبل الجمع والطرح، وإنما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك ما يُطبخ بالسُم على نار هادئة لتصفية القضية الفلسطينية لصالح جماعة تدّعي التحدث باسم الدين، هي جماعة "الإخوان المسلمين" وذراعها العسكري حركة حماس، في سياق ما يحاك من مؤامرة كبرى تستهدف إعادة تأهيل المنطقة، وما يتوافق والتمدد الاقتصادي والعسكري الصهيوني للهيمنة على مقدّارت المنطقة وشعوبها.
وبعيداً عن حالة الهرج والمرج التي انتابت، وما تزال، وسائل ووسائط الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، حول حقيقة هذا الاتفاق من عدمه، نجد زعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني تتساءل في حديث لها عبر إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي: "ما هي رسالة دولة إسرائيل من هذه التهدئة؟"
الإجابة الأقرب للفهم تذهب بنا إلى ما هو أبعد من حكاية اتفاق بين كيان محتل وشعب محاصر في جنوبه وشماله، من فوقه وتحته، لتأخذ أبعاداً ذات صبغة إقليمية ودولية، أكثر من كونها صبغة سياسية أو عسكرية تتكئ على خلافات فلسطينية داخلية قائمة منذ واقعة الانقسام البغيض عام 2007. فالبعد الأقرب لتحليل المشهد، يؤكد أن المخطط الحقيقي لتوقيع مثل هكذا اتفاق، إنما يخدم محاور ثلاثة أساسية تتركز في التالي:
أولاً: ترويض ما تفرغه حركات التطرف الديني "الإسلامي" من فكر يصعب السيطرة عليه إلا في سياق حركة أو جماعة دينية يرونها معتدلة، ويراها الكثير من المحللين والمتابعين للحركات الدينية، مدّعية كاذبة، وأكثر هذه الحركات تنظيماً وانتشاراً في الشارع العربي هي حركة "الإخوان المسلمين" وأذرعها.
ثانياً: محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مكانة حركة أنشئت منذ أكثر من 80 سنة كي تصل للحظة اعتلاء السلطة، بشكل يبدو في مظهره سلمي ديمقراطي، وفي جوهره عنفي ديكتاتوري، حاولت بمساعدة استخبارية ولوجستية أمريكية صهيونية، فوصلت أو كادت في مصر وتونس وليبيا وفلسطين، ولكنها فشلت مع أول اختبار لها في الدولة الأهم في المنطقة ألا وهي "مصر" ما أدى إلى سقوطها في الأقطار المجاورة، قُطراً وراء آخر.
ثالثا: توظيف واستغلال الانقسام الفلسطيني الداخلي لإنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها وشطب ما يسمى بالمشروع الوطني الذي قامت على أساسه الأدبيات الفلسطينية منذ انطلاق الثورة في ستينيات القرن الماضي، وذلك عبر ضرب القاعدة الأساسية لهذا المشروع، وهي قاعدة وحدة المصير لكافة أبناء الشعب الفلسطيني أينما وجد.
السؤال هنا، بعيداً عن الحزبية المقيتة، برسم الكل الوطني وليس فقط لحركتي فتح وحماس، سواء اتفقت أو لم تتفق حركة حماس مع المحتل الصهيوني.. نحن اليوم في سياق هكذا طرح، أمام خيار واضح وصريح، إما التوقيع على فصل قطاع غزة بشكل كلي ونهائي، وإما التمسك بالفعل الوطني واشتراطاته الوحدوية، وهذا يعني إننا أمام خيار إما الجماعة وإما القضية، فمنْ سيكون على حساب منْ؟.