في العام 1945م، اعتقلت سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين، عددًا من الفلسطينيين، وحولتهم للاعتقال الإداري، لعدم وجود أدلة كافية تثبت التهم الموجه إليهم، حتى بات قانون الاعتقال الإداري سيفًا مسلطًا على رقاب الفلسطينين منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، حتى اليوم الحاضر.
وبحسب دراسات وبيانات اطلعت عليها الأناضول، أعدتها جمعية نادي الأسير الفلسطيني (غير حكومي)، ومركز أحرار لدراسات الأسرى (خاص)، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين (تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية)، فإن السلطات الإسرائيلية، تعتقل الفلسطينيين وتحولهم للاعتقال الإداري، بناء على توصيات جهاز المخابرات استنادًا إلى ملف سري لا يعرض على المعتقل أو محاميه.
وتعتقل إسرائيل في سجونها 370 أسيرًا فلسطينيًا، حتى اليوم، بحسب نادي الأسير الفلسطيني، إذ تلجأ إسرائيل للاعتقال الإداري كإجراءٍ "عقابي" ضد من لا تستطيع توجيه لوائح اتهام ضدهم، مستندة بذلك إلى قانون الطوارئ الذي ورثته عن الانتداب البريطاني، بعد أن أضافت مزيداً من الأوامر لتوسيع دائرة الاعتقال.
والاعتقال الإداري، هو اعتقال الجيش الإسرائيلي لفلسطيني بأمر من القادة العسكريين للمناطق المحتلة، وبتوصية من المخابرات، بحيث تكون مدة الأمر أقصاها ستة أشهر قابلة للتجديد عدة مرات، ودون الكشف للمتهم ولمحاميه عن التهمة وفحوى مواد الأدلة.
ويُجدَّد الاعتقال حال إقرار قائد المنطقة (القائد العسكري في الجيش الإسرائيلي) بأن وجود المعتقل ما زال يشكل خطرًا على أمن إسرائيل، ويُعرض التمديد الإداري للمعتقل على قاضٍ عسكري، لتثبيت قرار القائد، وإعطائه "صبغة قانونية".
وتستهدف إسرائيل من خلال هذا القانون اعتقال شخصيات مؤثرة في المجتمع الفلسطيني، كنواب المجلس التشريعي (البرلمان)، وأكاديميين، وأساتذة جامعات، وشخصيات اجتماعية بارزة وسياسية أيضًا.
وبحسب المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية والحقوقية فإن سجن أي شخص دون توجيه تهمة له أو تقديمه للمحاكمة خلال فترة زمنية محددة، يعدّ خرقاً خطيراً لحق الفرد في الحماية من الاعتقال التعسفي، كما ويحقّ لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني الحصول على تعويض.
ومنذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس عام 1967، ارتفعت معدّلات المعتقلين إدارياً، ليسجل بعد ذلك الحين انخفاضاً ملموساً بعد عام 1977، وفي الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة) عام 1987، أعادت إسرائيل سياسة الاعتقال الإداري، حتى وصل عدد المعتقلين الإداريين في ذلك العام عشرات الآلاف.
وفي عام 1997 خاض الأسرى حملة مكثفة ضد الاعتقال الإداري، مما أدى إلى انخفاض عدد المعتقلين الإداريين بشكل ملموس، إلا أن السلطات الإسرائيلية عادت مجدداً إلى الزجّ بآلاف الفلسطينيين في السجون، وإصدار أوامر اعتقال إدارية بحق الكثير منهم، عقب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.
وبحسب إحصائيات نادي الأسير الفلسطيني، صدر خلال سنوات الانتفاضة الأولى (1987- 1994)، 18973 أمراً إدارياً. وصدر خلال سنوات الانتفاضة الثانية (2000- 2007)، قرابة 18000 قرار إداري. وأعلى عدد للأوامر الإدارية: صدرت في أعوام 1988، 2003، 2006، 2007. وتراوح عدد الأوامر الإدارية الصادرة خلالها ما بين (2000-4000) أمراً إدارياً بين جديد ومجدد.
وتعرض 37 نائبا فلسطينيا للاعتقال الإداري، منذ فوز عام 2006، إضافة إلى 3 وزراء من الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية في حينه، فيما تواصل إسرائيل اعتقال نائبين في الاعتقال الإداري حتى اليوم، وهما: محمد النتشة ومحمد بدر.
وكانت محكمة إسرائيلية في نيسان/أبريل الماضي، أصدرت حكما بالاعتقال الإداري ستة أشهر على النائب عن الجبهة الشعبية خالدة جرار، ثم عادت وأحالتها للمحاكمة بتهم واضحة.
ومن أبرز الأكاديميين الذين تم اعتقالهم إداريا لسنوات، أحمد قطامش، قضى ما مجموعه ثمانية أعوام ونصف، كان آخرها مدة عامين متتاليين، وأمضى الأسير غسان ذوقان، نحو 8 أعوام وما يزال حتى اليوم رهن الاعتقال الإداري، فيما أمضى وليد حرب ما مجموعه 72 شهرا، خلال 16 عملية اعتقال.
القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان، يعد مفجر معركة الأمعاء الخاوية (الإضراب عن الطعام)، حيث أضرب 66 يوما رفضا للاعتقال الإداري عام 2012، تبعه نحو 30 أسير في ذات العام كان أبرزهم، الأسيرة المحررة هناء الشلبي، وثائر حلاحلة، وبلال ذياب، وجعفر عز الدين، وطارق قعدان.
وفي العام 2014 أعلن 130 معتقلا إدارياَ إضرابا عن الطعام، استمر 63 يوما، مما دفع إسرائيل في الحالتين إلى التعهد بإعادة النظر في الاعتقال الإداري، وهو ما لم يحدث حتى اليوم.
وعاد الأسير عدنان مرة أخرى عام 2015، وخاض إضرابا استمر 55 يوما، رفضا للاعتقال الإداري، وأفرج عنه في تموز/يوليو الماضي.
وكان الأسير محمد علان، آخر أسير فلسطيني، يحقق نصرا على الاعتقال الإداري، بعد إضراب دام أكثر من شهرين، أدّى إلى تدهور وضعه الصحي، ودخل في غيبوبة عدة مرات، في النهاية اضطرت المحكمة العليا الإسرائيلية "تعليق" اعتقاله.
*الأناضول