بين عشية وضحاها غرد عشرات الآلاف من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعية تحت هاشتاق "_روتس الغلابة"، في إشارة إلى تضامنهم مع الشاب محمد أبو عاصي، صاحب أشهر أزمة في قطاع غزة، بدأت بتحطيم بسطة، وانتهت بحملات ضغط غير مسبوقة.
أصل الحكاية
محمد أبو عاصي بطل القصة، مجرد شاب فقير، أقام عربة متنقلة يبيع خلالها ذرة وبعض المسليات، فلاحقه موظفوا بلدية غزة في كل شارع وزقاق، وصادروا وحطموا بسطته مرة واثنتين وثلاثة، حتى ضاقت به الدنيا، ولم يستطع توفير لقمة العيش لأبنائه، ما دفعه لمحاولة الانتحار بتناول مادة سامة.
الحكاية في بدايتها لم تحرك ساكناً لأي مسئول في البلدية أو حتى في غزة، حتى علم نشطاء بحقيقة ما حدث، فراحوا يتناقلون منشور يحكي قصة أبو عاصي، أو كما يحلو للبعض تسميته " بو عزيزي فلسطين"، وبدأت حكاية أبو عاصي تنتشر، حتى تحولت إلى حديث للشارع الغزي، وأضحت بمثابة قضية رأي عام، ما دفع قيادات بغزة لزيارته في المستشفى، وتقديم وعود بمعالجة مشكلته، وأجبر البلدية التي حطمت بسطته مراراً، على تشكيل لجنة تحقيق في القضية.
قضية رأي عام
الصحافي والناشط محمد عثمان، أكد أن القضية لم تكن معروفة للعامة، وربما حاول البعض خاصة في بلدية غزة إخفاء تفاصيلها، لكن بعض النشطاء تابعوا التفاصيل وعرفوا الحكاية، وفي غضون أقل من 48 ساعة، تحولت قضية أبو عاصي إلى قضية رأي عام، وانتشرت صوره وهو في المستشفى على مواقع التواصل الاجتماعي، وباتت قصته تتناقل بين كافة فئات الشعب.
وأشار إلى ضرورة استمرار الحملة، وعدم الاكتفاء بها لهذا الحد، ومواصلة الضغط من أجل معاقبة من تسبب في معاناة أبو عاصي أولاً، ومن ثم إيجاد حل جذري ينهي معاناة هذا الرجل، بتوفير حياة كريمة له ولأبنائه.
وشدد عثمان على أن المشكلة لا تكمن في أبو عاصي وحده، فهناك جيش من العاطلين والمسحوقين، ممن يحاولون إيجاد فرصة عمل والبحث عن قوت أبنائهم هنا وهناك، لكن البلدية والجهات المعنية تلاحقهم، وتزيل وتصادر مصادر أرزاقهم، بدعوى تشويش حركة السير، أو عرقلة حركة المواطنين على الأرصفة.
وطالب عثمان بحراك جماهيري على الأرض، وان لا يقتصر الأمر على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، فالأوضاع بلغت حد لا يحتمل، والفقر والظلم في كلا شطري الوطن زاد على حدود المعقول.
خروج عن الصمت
أما الناشطة سهر دهليز، فأكدت أن ما حدث هو خروج عن الصمت، فكثير من القضايا بل الكوارث ارتكبتها البلديات بحق أناس بسطاء، ولم يلق لها أحد بالاً، لكن قضية أبو عاصي حركت الجميع، فقصته مؤلمة، وتظهر الوجه البشع للبلديات.
وقالت دهليز إن بلديات القطاع تحولت إلى مؤسسات استثمارية، عمدت إلى تأجير الشاطئ لمستثمرين بمبالغ طائلة، وأجرت كذلك الأرصفة، وباتت تفكر كيف تجلب الأموال، دون أن تراعي حقوق البسطاء، والباعة المتجولين، ممن يكابدون ويعافرون لتوفير لقمة العيش لأبنائهم.
ودعت دهليز لتنظيم عمل البلديات، ووقف ظاهرة تحولها إلى مؤسسات استثمارية، ومعاقبة كل من يحاول إيذاء البسطاء أو التسبب في فقدانهم ارزقاهم.
حقيقة مرة
أما الإعلامي والناشط أسامة الكحلوت، فقد كتب على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، حقيقة مرة (لقد برعنا في محاربة الفقراء، بدلاً من مكافحة الفقر)...يعنى لازم كل واحد يفكر ينتحر أو يولع بحاله عشان يتحرك له المسئولون واللجان، ونوجد الحلول لأشخاص بدل ما نوجد حلول للشعب المسحوق في حياته؟.
وأكد الكحلوت أن قضية أبو عاصي تظهر مدى انعزال المسؤولين عن الشارع ومعاناته، بل ومحاربة كل من يحاول البحث عن رزقه تحت ذريعة تطبيق القوانين.. "أية قوانين يمكن الحديث عنها في ظل أوضاع كارثية، وحالة فقر مدقع".
وانتقد الكحلوت وبشدة المسؤولين، اللذين يتحركون ضمن حالات فردية، بعد وقوع الكوارث، ولا توجد مبادرات خلاقة لمساعدة أمثال أبو عاصي قبل محاولاتهم الانتحار.
مطالبة بالاستقالة
وطالب الإعلامي أيمن سلامة، رؤساء بلديات قطاع غزة، بتقديم استقالات جماعية فورية، نظراً للفشل الكبير الذي حققوه، في إدارة كثير من الملفات، أهمها توفير أسواق شعبية آمنة ومجانية للباحثين عن قوت أبنائهم.
وفند سلامة ادعاءات البلديات بتطبيق القانون والحضارة وعدم الفوضى، قائلاً الفوضى العظمى المخالفة للقانون الدولي والإنساني، تتمثل في تفريغ مياه المجاري في البحر وتلويثه، وتأجير مئات الدونمات من الشاطئ، وحرمان المصطافين من أماكن خصصت لهم، لصالح مستثمرين يسعون للربح.
وكان عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" محمود الزهار، زار صاحب بسطة "روتس الغلابة" محمد أبو عاصي الذي حاول الانتحار، ووعد بحل قضيته، بينما تعهد أحد كبار المستثمرين في غزة، بتوفير فرصة عمل له في مطعم يمتلكه، براتب مميز.