الحدث - إبراهيم مطر
بعد انقطاع دام أكثر من 46 عاماً، اجتمع أخيراً رؤساء أركان الدول العربية في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة لمناقشة تنفيذ قرار القمة العربية الأخيرة بشأن تشكيل قوة دفاع عربية مشتركة قادرة على حماية الدول الأعضاء في مجلس الجامعة العربية، وكان التفكير في هذا المشروع القومي عقب ما شهدته البلاد العربية من تحولات وعمليات إرهابية زعزعت الأمن والاستقرار وأصبح مستقبل المنطقة العربية في مهب الريح.
اجتماع رؤساء أركان الجيوش العربية هو الثالث منذ إنشاء الجامعة العربية فى مارس ١٩٤٥، وإن تشكيل القوة العربية المشتركة التي نادى بها الرئيس عبد الفتاح السيسي لن تكون بأي حال من الأحوال حلفاً عسكرياً جديداً أو جيشاً موجهاً ضد دولة بعينها، بل إنها قوة تهدف إلى مواجهة الإرهاب وصيانة الأمن القومي العربي وحفظ السلام والاستقرار في المنطقة لتكون إحدى الآليات الهامة لتفعيل العمل العربي المشترك في المجالات العسكرية والأمنية في إطار الجامعة العربية وفقاً لما نص عليه ميثاق الجامعة وميثاق الأمم المتحدة من التزامات في هذا الشأن .
مع العلم أن البعد العسكري لمنظومة العمل العربي المشترك أساسه الإسهام بفاعلية جادة في حماية الأمن القومي العربي إزاء التحديات الراهنة بالمنطقة العربية، ويجب إحياء حق الدفاع الشرعي الجماعي عن النفس وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، فضلاً عن أن الأخطار والتهديدات التي تواجهها الدول العربية تتخطاها وتتجاوزها لتشمل السلم والأمن الدولي بالمفهوم الواسع، وهذا على وجه التحديد ما يمنح الشرعية السياسية والقانونية للدول العربية في تأسيس منظومتها للأمن القومي العربي وتشكيل قوات عربية مشتركة تصون كرامة شعوبها واستقلال مجتمعاتها وتضمن سلامتها الإقليمية من سرطان جديد يدعى الأرهاب المتمثل بالميليشيات المسلحة وجماعه داعش التي أصبحت تؤرق كافة أبناء المنطقة العربية، وتأثيرها المستقبلي على فلسطين لأن انهيار العرب هو أنهيار لكافة الأشقاء بلا استثناء، وننتقل الي رأي الخبراء ليشرح لنا أهمية القوى العربية المشتركة ومواقف الدول الإقليمية منها ومحل إعراب القضية الفلسطينية من هذة القوى.
أكد اللواء أركان حرب فؤاد فيود أن القوى العربية المشتركة هي خطة التواجد العربي المستقبلي على الساحة ضد أي مخرب أو من يفكر الاستقصاء بأي دولة عربية، فالجامعة العربية بها اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولكنها لم تفعل بالشكل الذي يليق بها، أما المستحدث منها، القوى العربية المشتركة وكافة الدول العربية التي وقعت على بروتوكول الاتفاقية، فهي من وافقت أن يكون لها تواجد، ثانياً هذه القوات لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية، وإنما بطلب رسمي من الجهات الشرعية والرسمية لهذة الدولة، وستكون قوة دفاع رادعة لأي عدوان.
وأضاف في تصريحات صحفية لـ"الحدث الفلسطيني" بخصوص موقع القضية الفلسطينية من القوى العربية المشتركة حيث أكد، إذا طلبت السلطة الشرعية في فلسطين التدخل من قبل القوى العربية المشتركة يتم ذلك بناء على تخطيط مسبق ودراسات، قائلاً لا أعرف إذا كانت السلطة الفلسطينية مشاركة بها أم لا، ولكنها غير معترف بها كدولة، معترف بها فقط كسلطة شرعية للشعب الفلسطيني، وكيف ستكون فلسطين دولة وحماس تقطع في أرضها وتدمرها وتختلق المشاكل لتنال السلطة فقط؟
وقال فؤاد فيود، إنه لا بد أن يتوحد الشارع الفلسطيني ويكون كتلة واحدة، ومن ثم الانضمام لجبهة جيش عربي موحد بقيادة واحدة تضرب العدو بيد من حديد، وسيساند العرب الفلسطينيين إذا توحدوا بالفعل، مثلاً، إذا ناصرت فتح ستجد نفسك محارباً من حماس، وإذا تعاملت مع حماس، سترتكب الخطيئة الكبري، ومن هنا يجب أن يتوحد الشعب الفلسطيني على قلب رجل واحد، والعجيب أن ترى الحركات الإرهابية مثل أنصار بيت المقدس الذين يهاجمون القوات المسلحة المصرية التي تساندهم منذ عام 1948، لا بد أن يتخلى هؤلاء عن الفكر التخريبي، وما نجده هذه الأيام أن الشعب الفلسطيني أصبح يهرب من حركة حماس إلى إسرائيل لأنها أرحم لهم من حماس، وأعمالها المشينة التي لا تمت بصلة للاسلام.
أكد اللواء الدكتور محمد مجاهد الزيات الخبير العسكري أن القوى العربية المشتركة لا تزال تحتاج إلى مزيد من الحوار المكثف وتفهم وجهات النظر للأطراف المستهدف مشاركتها في إطار استراتيجي يسمح بتحديد واضح للعدو الذي ينبغي مواجهته وآلية المشاركة والتنفيذ حتى لا تبقى في مجال التمنيات، فبعض الدول العربية ربطت مبادرة القوى العربية المشتركة التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي بما تواجهه مصر من عمليات إرهابية في سيناء ومخاطر الإرهاب في ليبيا، مشيراً إلى أننا لا بد أن نتناول التجارب التاريخية التي أشارت إلى تشكيل وحدات عسكرية للتدخل العسكري في مواجهة تهديدات مرتبطة بتوافر عناصر متعددة أهمها اتفاق الدول المشاركة على الهدف الاستراتيجي لتشكيل تلك القوات، الاتفاق على تحديد العدو المزمع مواجهته، فإذا كان المقصود هو مواجهة الإرهاب فيجب بداية الاتفاق على تحديد العدو الذي يمارس الإرهاب وأن يكون تقدير كل طرف لهذا العدو على نفس المستوى واستشعار حجم المخاطر بصورة متوازنة من جانب الأطراف العربية المشتركة في هذه القوة.
وأضاف اللواء محمد الزيات في تصريحات صحفية لـ"الحدث الفلسطيني" أن الأطراف المشارِكة في القوى العربية المشتركة يجب أن يكون لها القدرة على المشاركة النوعية حيث لم يعد مطلوباً في مثل تلك المواجهات للقيام بعمليات رص الجيوش، ولكن خوض القتال بتشكيلات محددة تتنوع فيها الأسلحة المشاركة خاصة إذا كانت المواجهة تتم مع تنظيمات ومجموعات لا مع جيوش، وتوظيف القوات لهذه المواجهات الشرسة، وبالتالي تكون المشاركة متكاملة والاستفادة من تنوع القدرات والخبرات القتالية، رصيد الأسلحة المتطورة المتناسبة لدى تلك الأطراف.
وشدد الزيات على أنه يجب إيجاد المناخ والبيئة اللازمة لتشكيل هذه القوات ولا تعارضها وهو ما يقتضي ألا تمس عمليات وأهداف تلك القوات العربية المشتركة مصالح القوى الإقليمية المتنافسة في المنطقة أو أن تكون الأطراف المشاركة لديها نفس الرؤية والتقييم لمصالح القوى الإقليمية ومشروعاتها السياسية، ويجب أخذ الحذر في نقطة هامة جداً قد تقف عائقاً في مشروعات عربية قومية كثيرة، ألا وهي عدم وقوف الدول الكبرى ذات النفوذ في المنطقة حجر عثرة أمام تشكيل القوى العربية المشتركة، وذلك إذا خالفت هذة القوى أهداف الدول العظمي بالمنطقة.
وفي السياق ذاتة أكد السفير محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق فيما يتعلق بمواقف القوى الإقليمية في المنطقة وما إذا كانت معوقة أو داعمة لتشكيل هذه القوى بالنسبة للموقف الإسرائيلي أري أن إسرائيل لم تتخذ أي موقف رسمي بخصوص هذه القوة العربية المشتركة وهذا ما يعني أن هذه القوة لا تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي الإسرائيلي ولن تعارضها لأنها لا تعمل على منع تكوينها، فهي تنظر وتراقب التطورات الخاصة بها وأن مواجهة إسرائيل ليست من أهداف تلك القوى.
وأضاف محمد العرابي في تصريحات صحفية لـ"الحدث الفلسطيني" بخصوص الموقف الإيراني من القوى العربية المشتركة أن طبيعة الموقف الإيراني يرفض أي صيغة جماعية عربية، وبالتالي ترى طهران أن هذه الصيغة في النهاية تمس مصالحها، وعلى الرغم من ذلك لم تتخذ موقفاً رسميّاً حتى الآن، ولا تزال تراقب كما يلاحظ أيضاً أن الدول التي تحفظت على القوة العربية المشتركة هي الدول التي لإيران نفوذ قوي ومؤثر فيها، وبالتالي فإن إيران تُعتبر من المعارضين لتشكيل القوة العربية المشتركة أو أية صيغة للعمل الجماعي العربي لن تشارك فيه.
وقال العرابي، بخصوص الموقف التركي من تشكيل القوى العربية المشتركة، لم يعبر أي من المسؤولين الأتراك عن الموقف الرسمي التركي من الدعوة لتشكيل قوة عربية مشتركة، في حين تدرك تركيا أن أية صيغة للعمل الجماعي العربي يمكن أن تسمح بتكتل عربي مؤثر في المنطقة، ويقف عائقاً أمام تركيا لتنفيذ مشروعها القومي الذي لا يتفق مع المصالح العربية ومتطلبات الأمن القومي العربي، ويمكن في هذا المجال تفهم المبادرة التركية لتوقيع اتفاقية عسكرية مع قطر والسعي لتوقيع اتفاقيات ثنائية مماثلة مع بعض دول الخليج لإجهاض مبادرة تشكيل القوة العربية المشتركة، ولتأكيد رفض تركيا لهذه المبادرة العربية الموحدة الخاصة بالقوى العربية المشتركة.
أكد السفير عبد الرؤوف الريدي سفير مصر الأسبق في واشنطن والأمم المتحدة أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من معارضة الضربة الجوية التي قامت بها مصر ضد تنظيم داعش في ليبيا، والتي ارتبطت في جانب منها بعدم استئذانها، يؤكد بوضوح أنها لن ترحب بحركة إقليمية لمواجهة الإرهاب تتصدرها مصر وذلك لاختلاف الرؤية المصرية فيما يتعلق بالحملة الدولية على الإرهاب ما بين واشنطن والقاهرة، حيث لا تزال الولايات المتحدة تصر على أن تكون هذه الحملة موجهة ضد تنظيم داعش مع استمرار نزيف الدم في سوريا ودون الالتفات بجدية لما يحدث في سيناء وليبيا رغم تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين بخصوصهما.
وأضاف عبد الرؤوف الريدي في تصريحات صحفية لـ"الحدث الفلسطيني" أن ما يُثار حالياً حول توجه الولايات المتحدة الأمريكية لعقد اتفاقية أمنية مع دول الخليج خلال قمة كامب ديفيد يُمثل محاولة أمريكية لإقناع دول الخليج بتوفير غطاء دفاعي في مواجهة تهديدات إيرانية لها وذلك في إطار السعي الأمريكي لاستيعاب قلق هذه الدول من تطور علاقات الولايات المتحدة مع إيران، وفي الوقت ذاته محاولة أمريكية لتوفير بديل للقوة العربية المشتركة التي طرحتها مصر، مشيراً إلى أن المبادرة يجب أن تحتوي على الجانب القانوني، والهدف السياسي للقوة المشكلة والعلاقة مع الأمم المتحدة ومشروعية التدخل العسكري للقوة ارتباطاً بميثاق الأمم المتحدة، ويمكن على هذا المستوى النظر في الاستفادة من التجارب الدولية السابقة بهذا الخصوص، خاصة تجربة حلف الناتو.
وقال سفير مصر الأسبق في واشنطن إن ممارسة الكثير من الجهد لدعم التحالف المصري الأردني الخليجي كمقدمة يمكن تطويرها والبناء عليها لتوفير منظومة إقليمية للأمن القومي العربي، تتجاوز اعتبارات وإطار اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وتتحدد خلالها المصالح الاستراتيجية للمشاركين بوضوح ودور كل منها في الاتفاق على الخطوط العريضة لمصادر التهديد والمخاطر وآليات التنفيذ بما يتوافق مع مصالح تلك الدول، وأن يكون الحوار الهادئ لتطوير هذا التحالف العربي على قاعدة أنه ليس استقطاباً في مواجهة أطراف أخرى، ولكن يتسع لمشاركة من يقتنع بجدوي هذة المشاركة العربية القومية.