وضّاح بسيسو: نسعى لإيجاد حالة من الشراكة الوطنية في لدعم صمود إنتاج الصناعات الخشبية!
غزة- محاسن أُصرف
تعد الصناعات الخشبية من أعرق الصناعات التي اشتهر بها قطاع غزة منذ القدم، إلا أن أهميتها تنامت بشكل ملحوظ خلال العقود الماضية، لتصبح واحدة من أهم القطاعات الإنتاجية الفلسطينية الواعدة، مما عزى الاحتلال الإسرائيلي إلى محاربتها بفرض قيود على الإنتاج والتصدير أدت إلى إصابتها بكوارث متلاحقة حتى الآن لم تستطع أن تَبرأ منها.
ويساهم قطاع الصناعات الخشبية بقيمة 12% من إجمال الإنتاج الصناعي الفلسطيني، ويقول تُجار ورجال أعمال لـ"الحدث": "إن القدرة الإنتاجية لمصانع الأخشاب والأثاث المنزلي كانت في سنوات ما قبل الحصار تصل إلى 120% نتيجة توفر المواد الأساسية وعدم وجود قيود على التصدير للأسواق في الأراضي المحتلة، لكنها تراجعت بعد الحصار لتصل صفراً".
"الحدث" في سياق السطور التالية يقف على الكوارث التي تُعانيها الصناعات الخشبية في فلسطين ويفتح آفاقاً للنهوض بها عبر الشراكة الوطنية بين الضفة الغربية وقطاع غزة للخروج بالإنتاج إلى الأسواق العالمية.
عقبات لا انتهاء لها
على مدار سنوات الحصار تفنن الاحتلال الإسرائيلي في وضع العقبات أمام حركة الإنتاج في الصناعات الخشبية بغية إنهائها إلى زوال، والقضاء على منافذ القوة في الاقتصاد الفلسطيني، ولعل آخرها وفق ما أخبر به وضاح بسيسو أمين سر اتحاد الصناعات الخشبية في قطاع غزة، منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الألواح الخشبية التي يزيد سمكها عن 5 سم وعرضها عن 16-20سم، وتابع أن الاحتلال وضع استثناءً لحالات التنسيق وحصول التُجار على تصريح خاص ومفصل، معقباً أنه في كثير من الأحيان لا يُنفذ ذلك الاستثناء مما يُعرض التُجار لخسائر فادحة على إثر إرجاع البضائع التي يستوردونها.
ومن جهة أخرى أشار بسيسو إلى عدم سماح الاحتلال الإسرائيلي إدخال المواد الأولية الخاصة بالتصنيع إلى قطاع غزة، تحت الذرائع الأمنية مؤكداً أن ذلك أدى إلى تراجع إنتاج المنشآت ويُهدد بتوقفها إذا استمرت ممارسات المنع سواء للأخشاب أو للمواد الأولية والمواد الفنية الخاصة بعمليات الدهان والتشطيب، وفيما يتعلق بالتسهيلات التي يتحدث عنها الإعلام الإسرائيلي على المعابر أكد أنها في ظل منع إدخال المواد الخاصة بالإنتاج لا قيمة لها ولن تُحدث نمواً ولا تطوراً في الإنتاج، ناهيك عن مشكلة الكهرباء وما تُسببه من خسائر باهظة.
أخشاب ممنوعة
من جانبه استنكر التاجر محمد العشي، مدير شركة العشي للأخشاب بغزة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بتشديد القيوم على استيراد الأخشاب، مؤكداً أن ذلك يُعطل عمل الشركات ومصانع الأثاث في القطاع ويُفاقم من معاناة العمال الذين يرزحون تحت نير الفقر بسبب الحصار وعدم وجود فرص عمل في القطاع المحاصر، وقال لـ"الحدث": "منذ بداية العام فوجئنا بقرار منع استيراد الأخشاب دون مبررات واضحة" وأضاف أن الاحتلال في كل حالات المنع يتذرع بالحجج الأمنية".
ويُشارك العشي في هذا الهم قرابة 15 شركة أخرى تعمل في مجال استيراد الأخشاب جميعهم تلقوا رفضاً إسرائيلياً قاطعاً لإدخال شحنات الأخشاب إلى القطاع منذ مطلع العام الجاري، وأوضح العشي لـ"الحدث" أنه وجميع التُجار يُسيرون أعمالهم بشكل رسمي ولم يسبق لأحدهم أن تسبب في إشكالية كتهريب أو مخالفة قوانين الاستيراد، قائلاً: "فقط يُريد الاحتلال ضرب أنشطتنا وإنهاء أعمالنا في القطاع بما يشل حركة إنتاج الصناعات الخشبية المعروفة بجودتها ومنافستها للصناعات العالمية".
وفي هذا السياق يوضح العشي أن شركته وقرابة (70) موظفاً باتوا مهددين بفقدان وظائفهم نتيجة منعه من الاستيراد، موضحاً: " كنا نستقبل يومياً قرابة 12 شاحنة، اليوم لا نستقبل شيئاً".
تدمير متلاحق
والحالة لدى مجاهد السوسي (50 عاماً)، صاحب شركة السوسي لتصنيع الأثاث، تبدو أكثر ألماً، الرجل الذي يُعيل ستة أفراد، لم يُواجه مشكلة منع استيراد الأخشاب فحسب، بل إن ما فاقم معاناته تدمير مصنعه بغزة في الحروب الثلاثة التي تعرض لها القطاع خلال السنوات العشر الأخيرة، يقول لـ"الحدث" بكثير من المرارة: "منتجاتنا من الأثاث كانت تُصدر إلى إسرائيل وأوروبا، اليوم لا نملك مواد للإنتاج ونواجه سخط وزارة الاقتصاد الوطني بالمطالبة بضرائب لا قُدرة لنا على إيفائها في ظل حالة الركود الحالية".
وعلى مدار سنوات الحصار وتراجع العمل داخل مصنعه بسبب التدمير الجزئي لمصنعه في الحروب الثلاثة الماضية، اضطر السوسي إلى تسريح قرابة 120 عاملاً من أصل 150، يقول: "لم يتبقَّ لدينا سوى ثلاثين عاملاً يعملون بنظام جزئي وفقاً لساعات وصل التيار الكهربائي"، ويؤكد أن تلك الحالة انعكست على القدرة الإنتاجية لمصنعه فبعد أن كانت قدرته 100% وأحياناً 120% أصبحت صفراً مع نهاية عام 2014، وأشار أنه مع بداية العام 2015 ونتيجة بعض التسهيلات الإسرائيلية على المعابر بعد الحرب الأخيرة تحسنت قدرة المصنع الإنتاجية إلى 20% لسوق الضفة الغربية فقط.
ويبلغ إجمالي الشاحنات التي كان يُصدرها السوسي لأسواق إسرائيل والضفة الغربية 25 شاحنة سنوياً، جميعها توقفت باستثناء عدد يسير جداً في أعقاب الحرب الأخيرة على غزة، وانتقد السوسي الهالة الإعلامية التي تُمارسها إسرائيل بادعاءاتها المتكررة برفع الحصار والسماح بدخول بعض المواد الخام وتصدير المنتجات إلى الخارج، مؤكداً أنها تسهيلات إعلامية فقط لا يُمارس منها على أرض الواقع شيئ، وألمح إلى بعض العقبات التي تضعها في منع وصول المواد الخام الخاصة بالتصنيع والتشطيب للأثاث سواء الأخشاب أو حتى الدهانات ومواد التجفيف الخاصة بها، ناهيك عن قيود الفحص الأمني على معبر كرم أبو سالم مما يجعل التصدير عبره مضيعة للوقت خاصة في ظل تجاهل الوزارات المعنية لعمليات التنسيق فيما بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي.
ويتهم السوسي وزارة الشئون المدنية ووزارة الاقتصاد الوطني بالتقصير في دعم الصناعات الخشبية، وتساءل: "لماذا لا تستخدم الشئون المدنية التنسيق الأمني في الوصول إلى حلول مع الاحتلال الإسرائيلي لإدخال المواد الخام الممنوعة والتي تُساهم في إنعاش الصناعات الخشبية؟! ولماذا تسعى وزارة الاقتصاد الوطني خلف جباية الضرائب دونما تقديم أي من المسؤوليات المترتبة عليها في حماية المنتج الوطني وتشجيعه؟!"
تدمير ممنهج
وعلى مدار الحروب الثلاثة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، عمد إلى تدمير البنية التحتية للصناعات الفلسطينية بشكل عام، ومنها الصناعات الخشبية، وبحسب بسيسو فقد شهد العام 2008 تدمير لأكثر من (79) ورشة ومصنع في قطاع الصناعات الخشبية، وفي العام 2012 تم استهداف (15) منشأة، وأشار أنه بين العدوانين تم استهداف قرابة (30) منشأة ومصنع، وأضاف أن الدمار الأكبر بالصناعات الخشبية كان خلال العدوان الأخير 2014 على القطاع والذي استمر 51 يوماً، لافتاً إلى تعرض (124) ورشة ومصنع للدمار بينها (40) دمرت تدميراً كلياً مما أحدث عجزاً كبيراً في الطاقة الإنتاجية.
ويُعقب بسيسو أن الاستهداف المباشر في كل عدوان للبنية التحتية الصناعية يهدف إلى تضييق الخناق على القطاع وحرمانه من سبل الإنعاش الاقتصادي، خاصة في ظل الحديث عن خسارة قطاع الصناعات الخشبية وحدة (10) مليون دولار بشكل مباشر، و(4) مليون دولار بشكل غير مباشر، بالإضافة إلى تسريح قرابة الألف ومئة عامل وضمهم لقوائم البطالة بعد إغلاق الورش والمصانع التي يعملون بها.
شراكة وطنية
وفي إطار البحث عن حلول يُمكن من خلالها استنهاض الصناعات الخشبية اقترح المسئول في الاتحاد العام للصناعات الخشبية، بضرورة تحقيق مبدأ الشراكة الوطنية في الإنتاج من أجل خروج الصناعات الخشبية إلى الأسواق العالمية باسم فلسطين وبإنتاج مشترك بين الضفة الغربية وقطاع غزة، موضحاً أن ذلك تحايلاً وكسراً للعوائق التي تضعها إسرائيل أمام وصول المواد الخام اللازمة في هذه الصناعات إلى غزة، وقال :"هناك توافق بين المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص بين الضفة وغزة على إنتاج الصناعات الخشبية في القطاع وفقاً للمواد والإمكانيات المتاحة لهم ومن ثم إخراجها إلى الضفة الغربية لاستكمال عملية الإنتاج والخروج إلى الأسواق باسم فلسطين".
ويرى بسيسو أن ذلك يُحقق إحلالاً للصناعات الفلسطينية من قطاع غزة في الأسواق في الضفة الغربية لدعم المنتج الوطني ويسهم في تشغيل الأيدي العاملة في غزة.