الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سرطان الثدي رحله أمل... وحلم يؤرق آلاف الفلسطينيات

الخلايا الشرسة تصيب 30% من النساء في فلسطين

2015-08-25 12:29:24 AM
سرطان الثدي رحله أمل... وحلم يؤرق آلاف الفلسطينيات
صورة ارشيفية
تقرير - آية أبو عيسى
 
بين ممرات مستشفى جامعة النجاح ومداخلها تجلس ابتهال 54 عاماً تنتظر بألم دورها لأخذ الجرعة الكيماوية, وتترقب مصيرها بحذر بعد أن اكتشفت أنها مصابة بسرطان الثدي قبل سنتين, فهي تعاني بصمت مع المرض الذي أنهك جسدها الأنثوي وأدخلها في حالة صحية صعبة، جراء معاناتها من انتفاخ متسارع في الثدي أدى إلى استئصال ثديها الأيسر، وما زاد من معاناتها أن المرض لم يترك لها الفرصة لهزيمتة وإيقافة ليكمل دوره ويتوجه لثديها الأيمن أملاً في القضاء عليه واستئصاله.
رغم مرور سنتين من اكتشافها المتأخر لمرض سرطان الثدي، لا تزال ابتهال قيد العلاج، كما لا تزال رهينة للخوف والألم، كلما تحسست خصلة من شعرها تساقطت بفعل العلاج الكيميائي، فهي أم لخمسه أبناء, تقول أنها اكتشفت المرض بمحض الصدفة إثر إصابتها بوعكة خفيفة رافقها الشعور بآلام في الصدر، وعند إجراء صورة طبقية لصدرها اتضح وجود خلايا خبيثة تقطن وتستوطن داخل ثديها الأيسر, ونتيجة لاكتشافها المتأخر للمرض كلفها ذلك إجراء عملية جراحية لاستئصال ثديها الأيسر.
لم تدعها الخلايا الخبيثة تكمل مسيرة حياتها بشكل طبيعي, فبعد مرور سنة على إجراء عملية الاستئصال, وأخذ العلاج الكيماوي والإشعاعي فاجأتها الخلايا الشرسة لتنتشر مرة أخرى بجسدها بشكل أسرع, وتعلن خوض مأساة أخرى في ثديها الأيمن, ما حتم على ابتهال إعادة العلاج بتكاليف مادية ونفسية باهظة.
وقال الدكتور حسام سلامة، أخصائي أورام سرطانية في مستشفى جامعة النجاح الوطنية: "سرطان الثدي (Breast Cancer) هو مرض خبيث ينتج عن النمو غير الطبيعي لخلايا الثدي، ويعد شكلاً من أشكال الأمراض السرطانية التي تصيب أنسجة الثدي وغدد الحليب، حيث يتكون على شكل ورم خبيث بإمكانه غزو وتخريب خلايا الأنسجة التي تعتبر أساس تكوين الثدي، ويصيب الرجال والنساء على السواء، ولكن الإصابة لدى الذكور نادرة الحدوث, ويعتبر سرطان الثدي انقساماً غير طبيعي وغير مباشر وسريع وغير مسيطر عليه، مما يؤدي إلى تغير في شكل ووظيفة العضو المصاب, ويبدأ السرطان في الثدي ويستطيع الانتشار في جميع أنحاء الجسم. ويعد السبب الرئيسي لمرض سرطان الثدي غير معروف حتى الآن".
وحسب مركز المعلومات الصحية يأتي سرطان الثدي في المرتبة الثالثة من بين السرطانات المؤدية للوفاة بين الفلسطينيين وبنسبة بلغت 9.1%.
وأكد الدكتور حسام أن السبب الرئيسي لمرض سرطان الثدي غير معروف حتى الآن, لكن هناك عوامل لها دور كبير وفعال في تهيئة وتشكيل مرض سرطان الثدي أهمها عوامل عائلية وعوامل شخصية وعوامل وراثية.
 
العوامل العائلية:
يعتبر عاملاً خطيراً ومهماً في تحديد وجهة ومصير المصاب, فالنساء المصابات بسرطان الثدي واللواتي سبق أن أصيبت في عائلتهن امرأة أخرى أو أكثر بسرطان الثدي, يعتبرن أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي من باقي النساء، ولكنهن أقل عرضة مقارنة بالنساء اللواتي تم العثور لديهن على خلل جيني ينتقل بالوراثة.
 
العوامل الشخصية:
هناك عوامل شخصية تسبب سرطان الثدي وتعجل من حدوثه، أهمها بدء الدورة الشهرية في عمر أقل من 11 سنة أو في وقت متأخر أكثر من 16 سنة, أيضاً انقطاع الدورة الشهرية في سن مبكرة وتحديداً 44 سنة أو انقطاعها المتأخر في سن 54 سنة, إضافة إلى عوامل أخرى كعدم القدرة على الإنجاب، خاصة بعد سن 30 عاماً, وولادة أول طفل في سن متأخر، إضافة إلى تعرض الجسم إلى علاج إشعاعي خاصة في منطقة القفص الصدري, كما يعد السن والفترة المحددة من مرحلة انقطاع الطمث عاملين يؤثران على كثافة نسيج الثدي، فكلما تقدمت المرأة في العمر زاد من احتمالية الإصابة بسرطان الثدي. وأخيراً يعد الوزن الزائد لدى البالغين عامل خطر للإصابة بسرطان الثدي, بحيث يسبب الوزن الزائد ارتفاعاً في مستوى الإستروجين وزيادة إنتاج الخلايا الدهنية، مما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي.
 
العوامل الوراثية:
تتنوع أسباب العوامل الوراثية، حيث يمكن أن تولد السيّدة تحمل في جيناتها طفرة تؤدي إلى ظهور الورم عند سن معين فالصفات الوراثية التي تحملها المرأة تؤدي إلى سرطان الثدي تصل نسبتها إلى 70%, كذلك الإصابة ببعض الأمراض الفيروسية أو تناول أنواع معينة من الأدوية أو الأغذية المعالجة بيولوجياً أو تناول الهرمونات، كل تلك العوامل تؤدي إلى حدوث طفرات جينية تسبب ظهور الورم كأورام BRCA1/BRCA2.
وأشار إلى أن امرأة واحدة من بين كل ثماني سيدات معرضة للإصابة بسرطان الثدى في فترة ما من حياتها، أي بنسبة 13% من النساء المعرضات للإصابة بالمرض. ويعد سرطان الثدي في فلسطين من أكثر أنواع السرطانات شيوعاً وهو الأول عند النساء، حيث تصل نسبته إلى 30٪ من إجمالي أنواع السرطان.
وأوضح الدكتو حسام عن وجود أعراض قد تجهلها معظم النساء تسبب سرطان الثدي كوجود حكة مستمرة في الثدي أو تقشير في الحلمة، إضافة إلى وجود تورم مستمر في الثدي فمن الطبيعي أن يحدث تورم للثدي أثناء الدورة الشهرية، لكن عندما يكون هذا التورم مستمر فيجب التأكد من سلامة الثدي من هذه الزيادة المفاجئة في الحجم, أيضاً ظهور بعض النتوءات الصلبة والقاسية تحت الجلد في منطقة الثدي وقريبة من الأبط. كما يعد احمرار الثدي كظهور طفح جلدي أو يصبح الثدي أكثر احمراراً من الطبيعي، جميعها أعراض شرسة تشير إلى سرطان الثدي.
وبين الدكتور حسام أن المرأه التي تصاب بسرطان الثدي يكون لديها قابلية الإصابة به مرة أخرى وخاصة المرأة التي تبلغ من العمر فوق الستين عاماً حيث تتشكل لديها طفرة جينية تحدث لديها تورماً في الثدي مما يؤدي إلى وجود خلايا خبيثة تنمو حتى تشكل لها مستعمر داخل جسم المصاب يصعب السيطرة عليلها محدثة خللاً في خلايا وأعضاء الثدي.
وأكد الدكتور سلامة على أهمية إجراء التشخيص المبكر الذي بدورة يمكّن من اكتشاف المرض في مراحله الأولى وإمكانية الشفاء التام منه بنسبة 89%, ويعتمد الكشف المبكر على زيادة وعي النساء بضرورية إجراء الفحص الذاتي للثدي وتحت الإبط إضافة إلى ضرورة إجراء الفحص الدوري عند طبيب مختص ومراجعته في حال وجود كتل مهما كانت صغيرة في الثدي أو تحت الإبط.
وأوضح أن إجراء صورة للثديين Mammogram)) سنوياً وخاصة للنساء اللواتي تبلغ أعمارهن فوق الأربعين، يساهم من اكتشاف الأورام السرطانية بشكل أوضح وأسرع من اكتشافها سريرياً.
وأضاف، تحتاج المريضة المصابة بسرطان الثدي إلى المتابعة والتشخيص من قبل فريق طبي مختص يشمل طبيب أورام وجراح ثدي ومختصين أشعة وأنسجة مما يجعل الخدمة متكاملة وتحقق أفضل النتائج.
‏هناك عدة طرق مختلفة لعلاج أورام الثدي, حيث يعالج سرطان الثدي في من خلال عملية جراحية والكيماوي والإشعاعي وأحياناً يكون العلاج هرمونياً لمدة خمس سنوات، خاصة إذا كان المصاب في مراحله الأولى. وعلاج سرطان الثدي من خلال الجراحة تتم من خلال إجراء استئصال كامل للثدي أو جزئي، وفي حالة تم استئصال الثدي بشكل كلي يمكن إجراء عملية تجميلية لاحقاً من خلال زراعة سيليكون. أما العلاج الكيماوي فيعطى للمريض إما قبل الجراحة أو بعدها والكثير من المريضات تحتاج للعلاج الإشعاعي بعد إتمام الجراحة لهم واستئصال الثدي.
ومضى يقول: "الجراحة هي العلاج الأول لسرطان الثدي شرط اكتشاف المرض في وقت مبكر، وثانياً العلاج الكيميائي، وهذا العلاج يُعطى في حال وجود غدد ليمفاوية مصابة بالمرض, أما النوع الثالث فهو العلاج بالإشعاع، والغرض منه تقليل احتمال رجوع الورم إلى المكان، وكل مريضٍ له خاصية في العلاج الذي يُعالج به وحسب احتياجه".
 
واقع مؤلم وحياة بائسة
قبل عام منصرم أصيبت السيدة سلام البالغة من العمر 35 عاماً بالسرطان في الثدي، وهي أم لطفلين، تقول وهي تجد صعوبة بالغة في الحديث من أثر مضاعفات الداء الخبيث الذي يفتك يوماً بعد يوم بجسدها العليل: "أعيش حالة من القلق على مصيري وأبنائي، فقد بات المرض ينخر بجسدي بالكامل، ويرهق أنوثتي التي ذهبت مع فقدان ثديي الأيمن والأيسر، الأمر الذي أفقدني وزني ونضارة وجهي، وألزمني على المكوث في الفراش كعجوز خائر والتخلي عن دوري في مراعاة أطفالي والاهتمام بهم ورؤيتهم يكبرون أمام ناظري".
ومضت تقول بعيونٍ ذابلة وجسد نحيل وصوت تخنقه العبارات اليائسة: "كل ما أفعله الآن في حياتي هو انتظار أخذ الجرعة الكيماوية التي باتت المنفذ الوحيد لي لبقائي على قيد الحياة فملابسي لم تعد تغريني لارتدائها بعد أن أصبحت فارغة من ثديي الذي تم استئصالهما".
كابوس وصراع عنيف تعيشه النساء اللواتي يعانين من سرطان الثدي من ارتفاع تكلفة العلاج في المستشفيات الحكومية والخاصة تارة، ومن شح الأدوية الكيماوية اللازمة تارة أخرى فواقع الأدوية التي تباع لمرضى السرطان صعبة ومريرة والتامين الصحي الذي يحصل عليه المواطن لا يشمل الأدوية والجرعات الكيماوية, وبالتالي يقع المواطن بين شطري البحث عن علاج يضمن له حياة قصيرة خالية من الألم وبين قصور المستشفيات في تأمين الأدوية اللازمة لتخليص المريض من خطر يهدد حياته.
المواطنة أم سامي 55 عاماً إحدى المصابات بسرطان الثدي قالت: "لم أعاني من ألم المرض أكثر من معاناتي من تكاليف الجرعات الكيماوية والأدوية والمسكنات اللازمة لي نظراً لارتفاع أسعارها، فهي مكلفة وفوق طاقتنا المالية". وأضافت: "زوجي عامل في إحدى المؤسسات ودخله محدود يصل إلى 2000 شيقل بالشهر وبالكاد يستطيع توفير الطعام والشراب لنا، فلماذا لا يؤمنون العلاج لمرضى السرطان بشكل كامل، وخاصة لأصحاب الدخل المحدود؟"
تنظر خديجة (30 عاماً) إلى ابنتها التي لم تبلغ من العمر سنة بشفقةٍ وحزن وتقول: "ليس لها من بعدي إلا الله، كم أتمنى أن أبقى إلى جانبها". وتابعت وقد بدت عليها ملامح التعب والهزل من شده المرض: "خضعت لعملية جراحية استئصلت بها ثديي الأيسر بعد اكتشافي المتأخر للمرض, فبعد إنجابي طفلتي تالا بدأت أشعر بألم دائم بثديي الأيسر، ولم أكن قادرة على إرضاع طفلتي، الأمر الذي أجبرني على فطمها والتخلى عن مشاعر الأمومة حين أقوم بإرضاعها, وأجريت فحوصات على منطقة الثديين تبين من خلالها وجود ورم كبير ومتفشٍ في ثديي الأيسر".
وتضيف متأهبة للبكاء: "تكاليف العلاج قاسية جداً فبلغت العملية الجراحية التي أجريتها 6000 شيقل, والآن أخضع لعلاج كيماوي، كل جرعة أحتقن بها تكلفني 1500 شيقل, والتأمين لا يفي بالغرض ولا يغطي كافة تكاليف العلاج, فهو يغطي بعض الأدوية وبعض من تكاليف الإقامة في المستشفى".