الحدث- ندين نخلة
بدأ العام الدراسي الجديد.. وتوافد الطلبة في الصباح الباكر لمقاعد دراستهم في مدرسة الأمير حسن؛ هناك في بيرزيت.. حيث كان مقعد الشهيد ليث الخالدي، وهناك أيضا مقعده بين زملاء سبقوه.
ليث.. ذاك الفتى الذي لم يروي لنا قصة عشقه لمحبوبته التي حضنته شهيدا بعد أن قرر الذهاب إليها حين أردته رصاصة جندي قدم من بعيد سالبا عشيقته.. فألقته في سبات الشهداء العميق بحضن الأرض؛ التي قست عليه كثيرا.. قست عليه هذه الأرض، كما قسى على الجميع رحيله.
كم قسى على إخوته صوت منبه السادسة والنصف صباحا الذي كان يضعه يوميا للاستيقاظ للمدرسة، كم قسى على والديه غياب ابنهم عن المدرسة منذ اليوم الأول، وقسى أيضا بمقعده الفارغ في قاعة الصف على زملائه.
استضافت مدرسة الأمير حسن في بيرزيت والد الشهيد منذ صباح اليوم الأول بحضور ممثلين عن التربية والتعليم وبلدية بيرزيت، إلى صف ليث اتجه الجميع، فأعطى مدير المدرسة وعدا للأستاذ فضل الخالدي والد الشهيد بأن يبقى مقعد ليث.. لليث إلى أن يتخرج أبناء صفه من الثانوية العامة.
يوم المدرسة الأول كان كيوم استشهاد ليث.
تصفحت "الحدث" ما كتب ذوو الشهيد، بدأت تالا شقيقته بفقدانه منذ الصباح، عندما كان يهم لإيقاظها، ولا تستيقظ، فيعود ليكشف الغطاء عنها في جو بارد، حتى تصحوا على صوت مذيع رياضي في النشرة الرياضية فتتجادل وأخاها طالبة منه سماع أغانٍ لفيروز.
وتقول: "تذكرت كيف كانت توقظه لصلاة الفجر، وكيف كان صوت إخوتها حينما يتجادلان على اللباس وتكمل "لما نقعد ع الطاولة نشرب الشاي مع بعض وكان ليث يودي لبابا الكاسة وهو على سريره كنت أحب لما مرات نجتمع برا مع مرح ورهف وأنس وليث ويزن ونصير.. نتهبل ونضحك لحد ما كل حد يروح ع مدرستو وبتزكر مرة الصبح ليث جاب بسكوت حط جوااه معجون سنان ولما طلعنا برا خلانا ناكل منو".
وتضيف تالا إنها كانت تكره أيام الاستيقاظ باكرا من الأساس، لكنها لم تكن تدرك بأنها يوما ستكره المدرسة والصباح بسبب رحيل سبب الضحك والمرح في المنزل.
"كرسيك فاضي يا ليث" كتبت الخالدي فوق صورة مقعده الفارغ بعد عودتها من المدرسة، ربما كانت هذه الصورة تحمل كل الآلام التي تأن بها العائلة في وقت متأخر من الليل خلف الجدران.
زارت "الحدث" صفحة الشهيد التي امتلأت برسائل الاشتياق والفقدان من زملاء ليث بالمدرسة، كان لافتا ما كتب أحد الأصدقاء لليث "االله يرحمكك والله يخووي اشتقتلك اخخ ع أيام العاشر.... إن شاء الله بشووفك".
يا له من شوق ووجع في كلمات أصدقاء ليث، ويا له من أمل وامتنان بالشهادة زرعه ليث في من حوله. ويا لها من حياة كنت تحييها في الجميع، كتبت ابنة عم الشهيد رنين الخالدي "من يوم ما استشهدت يا ليث والحياة واقفة ما بتمشي.. كيف يقوم الجميع اليوم الصبح عشان يروحوا عالمدرسة وأنت ما تكون بينهم؟؟؟"
وعن المشهد الأكثر وجعا كتبت بيان الخالدي "مين كان يعرف إنو بأول يوم مدرسة رح يكون مقعدك بالجنّة ! صعبة يا ليث، والله صعبة يا شهيد !"
نحن نمضي اليوم في عالم يحفظ لنا الذكريات حتى لو فقدتها الذاكرة، يفتح على جراحنا المضمدة كما لو أنه يحرق ما بداخلنا.
نفقد ونشتاق ونتألم وقد نفرح، وفي أغلب الأحيان نستذكر، عبر صفحة باسمنا نكتب عليها لأصدقائنا.
ويبقى ما نكتب خالدا إلى ما بعد حياتنا، وإن رزقنا الشهادة، تصبح أشياءنا الخاصة ملكا لهذا العالم.