الحدث- غزة
"محور الاعتدال" و"محور الممانعة".. مصطلحان سياسيان عربيان يعبران عن تكتلين سياسيين، ضم كل منهما مجموعة من الدول، اتخذت مواقف مغايرة في السابق تجاه الأزمة الفلسطينية، بين من مال منهما للحل السلمي، ومن تبنى خيار "المقاومة".
وشهد كل محور خلال السنوات الست الأخيرة تحولات وتغيرات، جاءت انعكاسا لمسيرة ثورات الربيع العربي بين النجاح ثم التعثر، وهو ما ظهر جليا في المواقف المختلفة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بدءًا بحرب 2008 مرورا بحرب 2012 وانتهاء بالحرب الدائرة الآن.
الموقف من حرب 2008 قبل انطلاق ثورات الربيع العربي
في عام 2008 وقبل انطلاق موجة ثورات الربيع العربي، كان محور "الممانعة" يتشكل من دول سوريا وإيران وحزب الله اللبناني وفصائل "المقاومة" الفلسطينية متمثلة أبرزها في حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الإسلامي، وأحيانا ما كانت تمتد ظلاله للسودان والجزائر، وكانت قطر تقف على مقربة من محور الممانعة، تليها تركيا.
أما محور الاعتدال في المنطقة فكان يتشكل من دول مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن، إضافة إلى أطراف لبنانية، وأحيانا كان يمتد ليشمل المغرب وتونس.
وجاءت المواقف الدولية حينها خلال الحرب على قطاع غزة في عام 2008 معبرة عن توجهات دول كل محور، وكانت هذه هي أبرز مواقف كل محور:
أولا: محور الاعتدال
تميزت مواقف دول محور الاعتدال بالمحافظة السياسية، بخلاف الموقف الشعبي الذي كان أكثر تفاعلا، وهذه أبرز الملامح:
1. لام وزير الخارجية المصري آنذاك أحمد أبو الغيط حماس وحملها مسؤولية ما يحدث في غزة، حيث قال في تصريحات له "قامت مصر بتحذير حماس منذ فترة طويلة بأن إسرائيل ستقوم بالرد بهذا الأسلوب"، مضيفا: "فليتحمل اللوم هؤلاء الذين لم يولوا هذا التنبيه أهمية" قاصداً حماس.
2. قامت الحكومة المصرية - متمثلة في الحزب الوطني الحاكم حينها وبعض الوزارات - بإرسال مساعدات فورية إلى داخل القطاع عن طريق معبر رفح الحدودي.
3. رغم الموقف الرسمي الذي كان حينها دون المستوى، احتشدت المظاهرات الشعبية المنددة بالعدوان، وقام المتظاهرون بحرق العلم الإسرائيلي، كما وصل الامر إلى مجلس الشعب (البرلمان) المصري وطالب نواب بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة.
4. دعا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، إسرائيل إلى الوقف الفوري للهجوم، وخصصت السعودية مليار دولار لجهود إعمار غزة.
5. أدان العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين، "الهجوم الإسرائيلي"، وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني، وقام نواب أردنيون في جلسة رسمية منعقدة لمجلس النواب يوم 29 ديسمبر/ كانون أول 2008 بحرق العلم الإسرائيلي، ورفعت في مظاهرات شعبية لافتات مطالبة بطرد السفير الإسرائيلي من عمان.
ثانيا: محور الممانعة
تميزت مواقف دول محور الممانعة بالجرأة السياسية، وهو نفس الموقف الشعبي، وهذه أبرز الملامح:
1. علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، وجه رسالة لإسماعيل هنية، رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية المقالة وقتها، يعتبر فيها الصمود الفلسطيني "نصرا وفخرا للمسلمين"، كما وجه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد نداء إلى أحرار العالم بشأن "كارثة" غزة، فيما طالب مندوب إيران في جنيف بعقد اجتماع طارئ لمجلس حقوق الانسان لبحث "مجزرة" غزة.
2. أعلنت قطر وموريتانيا في 16 يناير/ كانون ثان 2009 تجميد علاقاتهما الدبلوماسية مع إسرائيل.
3. أصدرت الخارجية التركية بيانا يدين بشدة الهجوم على قطاع غزة، وأعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تجميد اتصالاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وقال "من الآن وصاعدا ليس هناك داع للقيام بمساع دبلوماسية مع إسرائيل من أجل عملية "السلام"، كما طالب بمنعها من دخول الأمم المتحدة لتجاهلها قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الامن، وحث العالم على ألا يغض الطرف عن "وحشية" إسرائيل.
4. أرسلت الحكومة السورية دفعة من الأطباء إلى غزة للمشاركة في عمليات العناية الطبية، كما أرسلت منظمة الهلال الأحمر العربي السوري أربع قوافل من المواد الغذائية والطبية والإغاثية، وشارك الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية بالدوحة وألقى كلمة حماسية دعا فيها إلى إغلاق السفارات الإسرائيلية فوراً وقطع أي علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل، كما شهدت مدن سورية مظاهرات تضامنا مع غزة.
5. غادر ثمانية أطباء جزائريين إلى مصر لنصب مركز صحي جزائري لعلاج جرحى العدوان، كما دعا عدد من الأئمة إلى تنظيم تجمع شعبي ومظاهرات يوم الجمعة 9 يناير/ كانون ثان 2009، كما قررت وزارة الشؤون الدينية تقديم 2 مليون دولار لضحايا غزة، وفي حركة رمزية أطفأ الجزائريون الكهرباء يوم الجمعة 9 يناير/ كانون ثان 2009 وإشعال الشموع مع الدعاء للغزاويين.
6. في كلمة عبر قناة "المنار" التابعة لحزب الله، وجه حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، انتقادات لاذعة للحكام العرب، وقال: "إن ما سكت حزب الله عنه وتسامح بشأنه بعد حرب يوليو/ تموز 2006، بشأن التواطؤ مع المحتل والتيسير لشأنه في تلك الحرب، لن يسكت عنه ولن يبدي تسامحا تجاهه في غزة".
الموقف من حرب 2012 بعد نجاح ثورات "الربيع العربي" في الإطاحة ببعض أنظمة الدول العربية
بعد نجاح ثورات "الربيع العربي" في تونس ومصر واليمن وليبيا في الإطاحة بالأنظمة الحاكمة هناك، تهدمت المحاور القديمة وبدأت ملامح محور جديد يتشكل، ضم مصر وتونس وتركيا وقطر، وأحيانا ما كان يمتد ليشمل ليبيا واليمن، وبدت مواقف هذه الدول أقرب إلى موقف محور الممانعة القديم في التعامل مع القضية الفلسطينية، وانعكس ذلك الموقف من الحرب على قطاع غزة في 2012.
بينما غيبت الحرب في سوريا الموقف السوري، كما أضعفت موقف حزب الله وإيران بسبب انشغالهما في دعم حليفهم بشار الأسد، وبدت مواقف باقي الدول العربية وفي مقدمتها السعودية محافظة كعادتها.
وهذه أبرز ملامح الموقف من الحرب على غزة في 2012:
1. أدان الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي "العدوان"، ووجه رسالة واضحة إلى إسرائيل بأن "مصر الثورة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث في غزة"، وقام رئيس الوزراء المصري حينها هشام قنديل بزيارة تضامنية إلى غزة هي الأولى من نوعها، أكد خلالها أن بلاده تعمل على تحقيق التهدئة في قطاع غزة وإيقاف العدوان الإسرائيلي عليه"، وشدد على أن "مصر الثورة لن تتوانى عن تكثيف جهودها وبذل الغالي والنفيس لإيقاف هذا العدوان وتحقيق الهدنة واستمرارها".
2. في سابقة هي الأولى من نوعها، وصل وزير الخارجية التونسي آنذاك رفيق عبد السلام مع وفد رفيع المستوى يتضمن 12 وزيرا إلى غزة للتضامن مع الفلسطينيين، وأشار بيان رئاسي إلى أن الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي أبلغ رئاسة الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة أن تونس بصدد الإعداد لإرسال معونات إنسانية "للأشقاء الفلسطينيين في غزة، تأكيدا لموقفها المبدئي في تقديم كل المساندة السياسية لغزة".
3. وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الغارات الإسرائيلية بأنها "أعمال وحشية"، ونقلت عنه وكالة أنباء الأناضول قوله في إسطنبول إن الحكومة الإسرائيلية تسعى لـ"توظيف الهجمات في الانتخابات المقبلة".
الموقف من حرب 2014 بعد "تعثر" ثورات الربيع العربي
بعد عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي من الرئاسة في 3 يوليو/ تموز 2013، تجمدت محاولات بناء المحور الجديد، ومنح عزل مرسي قبلة الحياة لمحور الاعتدال القديم الذي اتخذ موقفا متحفظا تجاه مرسي.
وبدأ محور الاعتدال القديم يتمدد ليضم إلى جانب دول محور الاعتدال القديم، عددا أكبر من الدول في إطار هدف واحد مشترك يجمعهم وهو "محاربة الإرهاب والتطرف".
ومن الدول الجديدة التي ضمها محور الاعتدال: العراق، وموريتانيا، والجزائر.
وتبدلت مواقف هذه الدول من الحرب على غزة وفقا لهذه التحولات الجديدة، واستمر الموقف الإيراني ضعيفا، وغاب الموقف السوري بسبب الانشغال بالحرب الدائرة في سوريا منذ عام 2011، فيما تكررت المواقف السابقة في دولتي قطر وتركيا القريبتين من محور الممانعة.
ويمكن تلخيص أبرز ملامح الموقف من الحرب الحالية على غزة في الآتي:
1. بينما كانت التحركات الشعبية حاضرة في حرب 2008 وحرب 2012، تمت محاصرتها في حرب 2014 بدعوى الحالة الأمنية، ومنعت قوات الأمن الجزائرية مسيرة لدعم غزة، كان يقودها الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، علي بلحاج، في العاصمة الجزائرية، كما قيد قانون التظاهر الذي تم إصداره بعد عزل الرئيس الاسبق محمد مرسي من الفعاليات في الشارع المصري.
2. لم تكن التحركات في الشارع الموريتاني بنفس القوة في حرب 2008، وكان الموقف الموريتاني الرسمي ضعيفا للغاية، مقارنة بموقفه عام 2008 عندما قطعت علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل.
وانتقد عدد من المشاركين في مسيرة غزة بنواكشوط يوم الجمعة الماضي "صمت" النظام الموريتاني على الجرائم المرتكبة من قبل الاحتلال في قطاع غزة منذ أسبوعين، وقال حبيب ولد أكاه الناشط الطلابي ورئيس المبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني (غير حكومية) إن موقف النظام الموريتاني من أزمة غزة موقف "غريب ومعيب".
3. في مصر، تمثل الموقف الرسمي من الحرب على غزة في مبادرة أطلقتها لوقف العدوان على غزة، وقبلت إسرائيل بها وحظيت بدعم دولي، فيما رفضتها حماس لأنها لا تحقق شروطها، وتبذل مصر جهودا دبلوماسية لتنفيذها.
ووجهت انتقادات للإدارة المصرية بسبب تعقيدات في فتح معبر رفح على الحدود مع قطاع غزة، الأمر الذي حال دون وصول مساعدات لأهالي القطاع نظمها نشطاء مصريون.
وترد الحكومة المصرية على هذه الاتهامات بالمطالبة بعدم التركيز على معبر رفح وحده، لوجود معابر أخرى يتعين المطالبة بفتحها أيضا.
4. اقتصر الموقف السعودي على تصريحات الإدانة والوعود بدعم مادي لإعادة إعمار غزة، وأفتى مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز آل الشيخ بتحريم المظاهرات التي انطلقت في العديد من الدول العربية والإسلامية لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة، واصفا إياها بأنها "مجرد أعمال غوغائية لا خير فيها، ولا رجاء منها".
5. مثل مواقفها السابقة في 2008 و2012، خرجت تصريحات قوية عن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان وصف فيه النهج الذي تتبعه إسرائيل تجاه الفلسطينيين أنه لا يختلف عن عقلية الزعيم الألماني الراحل أدولف هتلر، متهما تل أبيب بارتكاب "فظائع وحشية ممنهجة"، وانتقد صمت المجتمع الدولي بسبب ما وصفه بـ"التراخي" في إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية، وإن واجه الدور التركي بعض انتقادات من خصومه السياسيين بأنه توقف عند حد التصريحات دون الأفعال المؤثرة على الصعيد الدبلوماسي وغيره.
6. اقترحت قطر في 14 يوليو/ تموز الماضي أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة إنشاء ميناء تجاري بقطاع غزة تحت إشراف دولي، وهو الشرط الذي تتبناه حماس لوقف إطلاق النار، وبعدها بيومين سافر أمير قطر، تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، إلى تركيا واجتمع برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في وقت متأخر من مساء 16 يوليو/ تموز الماضي للنقاش بشأن غزة، كما سافر إلى السعودية في 22 يوليو/ تموز في زيارة قالت وسائل إعلام أنها تصب في نفس الهدف.
وعلى ذلك، يبدو أن المواقف الإقليمية بدت متأثرة بمسيرة ثورات الربيع العربي صعودا وهبوطا، وبقي الموقفان القطري والتركي ثابتين، وغيبت الحرب الدائرة في سوريا موقف النظام السوري في حربي 2012 و2014، فيما أضعفت موقف إيران وحزب الله لانشغالهما بدعم حليفهما بشار الأسد.
المصدر: وكالة الأناضول