الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إبداعات شبابية من المغرب

قراءة في القصة القصيرة جدا

2015-08-27 09:21:15 AM
إبداعات شبابية من المغرب
صورة ارشيفية

بقلم: أمين دراوشة

مقدمة
إن القصة القصيرة جدا تخط لنفسها طريقا مستقلا لتكون أحد الأنواع الأدبية، ونظرا لقصرها فأنها تلائم التطورات التكنولوجية الحديثة التي تعتمد على السرعة، فلم يعد الكثير من القراء تشدهم السرديات الطويلة التي تحتاج منهم لوقت قد لا يملكوه. فالحياة تركض، والأدباء يحاولون ما وسعهم دفع القراء للقراءة باستخدام التشويق والحبكة المثيرة. ولدت القصرة القصيرة جدا من لدن القصة القصيرة، ويقال أن الكاتب لا يقدر على كتابة القصة القصيرة جدا إذا لم يكن متمكنا من كتابة القصة القصيرة أو الرواية.
وفي المغرب تضج الساحة الأدبية بهذا المولود، الذي جذب إليه كبار الكتّاب، وهذا بدوره شجع الكتاب المبتدئيين على مجاراة هذا الجنس الأدبي.
ويمتاز المغرب بكثرة جمعياته ومؤسساته التي تعنى بالأدب والثقافة، وهناك مؤسسات تهتم بالأدب الشبابي يقوم عليها كتّاب كبار، يمدوا يد العون للمبدعين الشباب، ويسهلوا لهم نشر ما يستحق من إنتاجهم.
وهذا الدور الداعم للأدب والثقافة تقوم به بإقتدارجمعيةالأنصارللثقافةبخنيفرة،فمن ضمن نشاطاتها في المساعدة في تطوير القصة المغربية، جاء هذا الكتاب ليحتويمساحةلإبداعاتالشباب القصصية،وهذهالتجربةالجميلةلاقتصدىكبيرامنذانطلاقتهامنقبلالكتابوالنقاد،وتجربة جمعية الأنصار الناجحة ساهمت في نشر العديد من المؤلفات التي شكلتباكورةأعمال المؤلفين.
 
إبداعات شبابية في القصة القصيرة جدا من المغرب
للقصة القصيرة جدا شروطها وعناصرها، التي لا تكتمل القصة فنيا إلا بها. وعلى الرغم من صغرها، وإمكانية قراءتها في وقت قصير جدا إلا أنها تحتوي المفارقة إذ عادة ما يكون هناك حرّف لاتجاه القصة أو تحول في نهايتها يقود القصة إلى معنى جديد. ويمكن للمفاجاة "أن يعبّر عنها من صوت السارد أو زاوية النظر أو نبرة النص، أو بالذات من خلال ذاك الذي لم يحدث". (إبراهين أبو هشهش. "القصة الألمانية القصيرة جدا". في: باسيلوس وآخرون. "القصة القصيرة جدا. رام الله: منشورات مركز أوغاريت الثقافي. ط1. 2011م. ص 49- 66)
يقول عبدالواحدأبجطيط في قصة " طفللميبلغالحلـم":
 
"شغلتهأخباراللاذقيةوغزةوالقاهرة...
يحلمدوماًبغـدٍأفضل..
أنْتعانقالشعوبالحُرية..
أنتسُودالعدالة..
أنيتحرر...
أن...
أ...
...
فماكادتتأخذهسِنةٌمنالنوم،
حتىصاحالجميع...
فانتفضمنمكانه...
وقبلأنيخطوخطوة،سمعصوْتاًيناديه:
"نَمْياولدي .. إنهميحتفلونبالسنةالجديدة".
في القصة يأخذنا الكاتب إلى أخبار بعض الدول العربية التي ترزح تحت نير العنف والقتل، وحلم الشخصية في العيش في عالم أفضل، في ظل الحرية والكرامة والعدالة، يغفو الطفل على هذا الحلم الوردي، وينهض على أصوات مرتفعة، ومفرقعات واحتفالات، يفكر للحظة بتحقيق المراد إلا أنه يفاجأ بصوت يدعوه إلى العودة إلى نومه فما يجري ليس احتفالات النصر بل الناس مشغولة بقدوم رأس السنة غير آبهين بالقتلى والجرحى والمهجرين من أخوانهم العرب.
ومن الشروط التي لا غنى عنها في القصة القصيرة جدا، وجود الحكاية فهي "شرط كل نثر حكائي من الرواية إلى القصة إلى المسرحية..." (يوسف حطيني. القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق. دمشق: دار الأوائل للنشر والتوزيع. ط1. 2004م. ص 27)
يقول عبدالعزيزبلفقير في قصة "لاتـــجربحــبامــــرأة":
"كانتلاتفارقهولايفارقها،يجلسانويقفانكجسدواحد،قالتلهأكثرمنمرةإنهاتحبه،وإنهالايمكنأنتعيشبدونه،فهوالهواءالذيتتنفسه،والبيتالذيتسكنهمنذأنتزوجتبه..
كانيقوللهاالكلامنفسه،أنهيحبهابجنون،وأنهلنيتركها،فلتشهدالأياموالشهوروالسنون..
وفيالمساء،لماكانامعافيشقتهما،راودتهفكرةأنيجربمدىحبهااتجاهه،علىالأقلأنيعرفصدقكلامهاله..أخبرهاأنهسيتزوجمنغيرها،وأنالعقدالذيبينهمايجبأنينتهي..سقطتالدموعمنعينيهاولمتتكلم،تنهدت..نوحتبعباراتالحسرةوالألم..ثمأحضرتلهالطعام.. وفيالصباحقرأتعليهالفاتحة".
القصة تحكى على لسان السارد، يحدثنا عن زوجين سعدين بحبهما، ويتباريان في التعبير عن مشاعرهما الفياضة اتجاه بعضهما البعض، حتى يحدث ما يحرف القصة عن خطها، فالزوج خطر في باله أن يخبر زوجته أنه سيتزوج عليها ويتركها، ليختبر ردة فعلها، بكت بصمت وكأنها رضيت بالأمر الواقع، ليباغتنا الكاتب إنها كانت تضمر الشر، ولم تمهل زوجها الوقت ليخبرها أنه يتلاعب بها فقط، فدست له السم في الطعام وقتلته.
 
 
ومن شروط القصة القصيرة جدا كذلك الوحدة في الحبكة وعقدة القصة، "لأن تعدد الحبكات والعقد والحوافز المحركة للأحداث، وتكرر النماذج المتشابهة، يمكن أن يقود إلى نوع من الترهل الذي يفقد القصة القصيرة جدا تمركزها". (يوسف حطيني. مرجع سابق. ص31)
يقول هشامبودرا في قصة "الموت":
"يتعذبويتألم  لماضاعمنسنواتطفولته  وشبابه  وكيفهرموهوفيريعانالشباب،فيسجنه  أيامه  تمركالسنينوهويعلمأنالموت  يراقبه،كأنهالعبةالقطوالفأرمنمنهماسينتصر،لكنهيعلمأنهشهيدمكانهوأنهسيخلطوجهالموت  بالعاروسيجده  مشنوقامنتحرامنتصرا،بينماسيقفالموتحائراأمامجثتهالمتدليةمنالسقف..متسائلالماانتظركلهذهالسنينليقبضروحهالمنهكةمنالفقر".
في القصة ينجح الكاتب في المحافظة على وحدة الحبكة، فهو يتناول حياة رجل عانى فيها العذاب والألم، وضاع شبابه خلف قضبان السجن ظلما، الرجل يقرر في النهاية وضع حدا لحياته التي لم يحقق فيها شيئا، معتقدا أنه يهزم الحياة والموت بذلك...وإن كان الانتحار فعل لا ينم عن فعل إيجابي إلا أن القصة توحي للقارئ أنه قرار صائب فهو بذلك يتحدى الاستبداد والجبروت، ويسلب الطغاة لذة تعذيبه.
فالقصة القصيرة جدا لا تحتمل أكثر من حدث واحد، ولا كثرة الشخصيات وفي الغالب تتكون شخوصها من شخصية واحدة أو اثنتان.
ولأنها تتصف بالقصر الشديد، فأنها تلجأ إلى "الإيحاء بأن أحداثا تستحقّ أن تروى جرت، بين بداية القصة ونهايتها، وأن المتلقي سوف يشعر بمرور هذه الأحداث، دون الحاجة إلى سرد تفاصيلها، لأن هذه القصة تبدأ مع قارئها عند حافة أخيرة، ثم تنزلق إلى نهايتها بسرعة". (وليد أبو بكر.  "فنّ القصة القصيرة جدا من التبعيّة نحو الاستقلال". في: باسيلوس وآخرون. مرجع ساتبق. ص 19-48) بطريقة تثير ذهول القارئ ودهشته.
والتكثيف الذي يعد أهم عناصر القصة القصيرة جدا، و "يشترط فيه ألا يكون مخلا بالرؤى أو الشخصيات، وهو الذي يحدد مهارة القاص". (يوسف حطيني. مرجع سابق.  ص 33)
يقول جوادالدريويش في قصة " الجب":
"قاللصديقه:
- انزلالبئرإنيحلمتأنكوجدتخاتمافيأعماقه
فلمانزلالبئرأقفلعليهبصخرةوقالله
نسيتأنأخبركنهايةالحلميايوسف".
يفلح القاص في إبداع قصة مكتملة فنيا، فهذه القصة فيها الحكائية والإيحاء والتكثيف، وفيها التناص أيضا مع قصة النبي يوسف عليه السلام، فالشخصية المحورية تغري صديقها بنزول البئر، لأنه سوف يعثر على الذهب، وعند نزوله يقفل باب البئر بصخرة، تاركا صديقه يصرخ من وجع اللحظة، وألم الموت البطيء. وهي قصة تعبر عن الحقد والحسد اتجاه نجاح الآخرين، وهذا ما يوحي به استحضار قصة يوسف.
 
إن أهم ما تعتمد عليه القصيرة القصيرة جدا بعد الشخصية والحكاية هو الوصول بالحكاية إلى نهاية مغايرة ومدهشة، فهي تتصف بإيقاعها السريع، لذا يحتاج الكاتب إلى نهاية مباغتة يمع فيها الأحداث في فكرة تؤثر بالقارئ.
والقاص يوسفسعداوي في قصصه يرتكز على المفارقة والنهاية الصادمة، يقول في قصة "نظرةطفل":
"توقفتفيمنتصفالطريق،تتوسلمنكلبهاذوالفراءالكثأنيلتهمقطعةاللحمالمطهوة،وتُحملهأنيُبقيالكنزةالصوفيةعلىجسده... ولمتلحظأنبجانبهاطفليدلقلعابهجوعا... وفيالجانبالآخرطفلتُطقطقأسنانهبردا".
في القصة هناك عدة صور، فالمرأة الثرية تتوسل كلبها أكل قطعة اللحم اللذيذة، وتقوم بتغطيته من البرد، وفي نفس اللحظة هناك أطفال بالقرب منها جوعى، ويكاد البرد يقتلهم. وهي قصة ناجحة، وانتهت نهاية موفقة عبر المفارقة، وكانت النهاية غير متصلة بدلالة القصة، "ولكنها تنتهي بما يلغي إلى حدّ ما تلك الملامح، من دون أدنى إخبار أو إشارة، ولا حتى سياق دلالي". ( محمد يونس. الاتجاه السردي. القصة القصيرة جدا: البناء والشكل. www.taakhinews.org)
يقول يوسف سعداوي في قصة "عشقمعكوس":
"فيصورةكاريكاتوريةشاهدفيالأعلىرجلاعاشقايطاردامرأة...وفيالأسفلنفسالمرأةيبدوبطنهامنتفخاتطاردالرجل".
في القصة يحطم الكاتب وحدة الصورة، وينهيها بطريقة غير نمطية و "مغايرة وصادمة ومربكة لأفق انتظار القارىء". (عبد الغني فوزي. ملامح القصة القصيرة جدا في المغرب. www.watannews.com 5/6/2009)
فالقاص سار بنا في البداية لتخيل صورة تعبر عن العشق والغرام، ليقودنا بعد ذلك إلى صورة مروعة لنفس الأشخاص، حيث بعد أن أخذ الرجل مراده من المرأة، تركها وقد حبلت منه تطارده، وتنتظر عقاب المجتمع الذي لا يرحم.
ومن عوامل نجاح القصة القصيرة جدا، فعلية الجملة "ويبدو هذا العنصر نتيجة أكثر من كونه شرطا، فالقاص الذي يتابع حكايته، وينمي حركتها، يتعامل بشكل أكبر مع الجملة الفعلية، أو مع الجملة ذات القدرة على الفعل (كالجملة الاسمية التي يأتي خبرها جملة فعلية). (يوسف حطيني. ص 38-39)
يقول  الشعبيعبدالحق في قصة "لحظةمنزمان"
"  خلفحزندفينظلتتعانقحلماشبيهابالوهم،أحبتهدونأنتسألهكميحبها؟وتعلقتبكلماتهالتيكانتتسمعهاكصوتعصفورعلىسطحأشجارعلوهايلمسالسماءولاأحديستطيعأنيراه،شبيهبالرعدلكنكلماسمعتصوتهأتىالمطر،كانغواصاوكانتبحرا، تعلقاببعضهماالبعضوأصبحاقلباواحدالنيستطيعأيجراحكانأنيفصلبينهما،كانلهماحلماواحدا،وكانتفرحتهماواحدةوحزنهماواحدودمعهممشترك، أحباالحياةكأنهالنتنتهيونسياالموتكأنهاستنقضي، عاشاالأيامحتىصارتسنوات، وكانايقولان:  لمنعشمعبعضنا  سوىدقائق".
يحدثنا الكاتب عن حلم امرأة تعانق رجلا خرافيا تحقق معه أحلامها في العيش في سعادة أبدية، وعلى الرغم من البداية الجيدة إلا أن الكاتب وقع تحت تأثير الشعر مما أضاع السرد الحكائي داخل لغة الشعر، مما أفلت من بين الكاتب الحكاية، فالنص يمتاز بالرقة والشاعرية، ولغته المزوقة، ولكنه تناسى الحبكة والتوتر. فصفة التوتر تلتصق بهذا النوع الأدبي، وتبدأ منذ اللحظة الأولى، "لأن كل كلمة في هذه القصة يجب أن تكون مشحونة بالقوة، وكلّ سطر يجب أن يحرّك القصة إلى الأمام". (وليد أبو بكر. مرجع سابق) والتوتر بلا شك في هذا النوع الأدبي نابع من عملية إجاعة اللفظ وإشباع المعنى كما قالوا قديما.
وإذا كان الكاتب الشعبيعبدالحق قد تعثر بالشعر، وأشبع اللفظ وأجاع المعنى، فأن الكاتب 
"حسناوشهوش" في نصه "ترميم" قد أجاع اللفظ والمعنى، مما أدى إلى اختفاء الحكاية، ولم ينتج قصة قصيرة جدا، وأن أبدع نصا جميلا وعميقا، يقول:
"أرادأنيرممتفكيره،فتحجرعقله".
أما عبدالملكقلعي في نصه "تلاشي" فقد احتوى نصه على بعض ملامح القصة القصيرة جدا، وامتاز نصه بالتكثيف والمفارقة، يقول:
 فيالأولكانعناقهاطويلا..
بعدالزواج
صارلسانهاأطول ..".
أما الكاتب عبد الله أمشتكو ففي نصوصه ما يدل على موهبة فذة، فهي جميلة ولغتها مندفعة،  يقول في نص "ﻣﺘﺸﺎﻋﺮ":
"ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ ﺍﻟﺒﻮﺡ، ﻛﺎﻥ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ
ﻳﻘﻮﻝ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ...ﺍﺳﺘﻔﺰﻩ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ..ﺃﺩﺭﻙ ﺃﻧﻪ
ﻻﻳﺰﺍﻝ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﻋﺮﺍﺽﺍﻹﻧﻔﺼﺎم".
يتناول الكاتب شخصية شخص يقول الشعر، ومن خلال العنوان نعرف إن شعره لا يرقى إلى المستوى، بل أن الكاتب عبدالله يغول في نقده، ويجعل منه شخصية مهزوزة تبحث عن شهرة زائفة. وإن كنت أفضل لو إن الكاتب اعطانا ملامح أكثر عن الشخصية.
 
وفي النهاية يقول جاك  بيكهام: إذا كان الطبيب يحتاج إلى 5-10 سنوات والمحامي إلى 6 سنوات والمهندس 5 سنوات، فلماذا يظن الناس إن الإنسان يمكن أن يصبح كاتبا في أسبوع أو شهر أو حتى في سنة؟ 
فكتابة القصة وظيفة ليست سهلة "فهي تتطلب مشاركة عشرات من المهارات المحددة والأساليب التي يصعب تحصيلها. وقد تصبح فنا ولكن بعد أن تصبح حرفة كاملة". (جاك بيكهام. أكثر 38 خطأ في الكتابة القصصية. ترجمة صدقي عبد الله حطاب. دبي: منشورات دار العالم العربي. ط1. 2012. ص 19)
 
كتّاب القصة القصيرة في المجموعة ما زالوا بحاجة إلى الدربة والممارسة والقراءة المتنوعة لمختلف الفنون الأدبية، ومعرفة شروط القصة القصيرة جدا، فالموهبة موجودة، واللغة جميلة ومنسابة، وما بقيّ إلا الشغل على الموهبة لصقلها، واطلاقها بقوة بعد ذلك.
فالكتاب من الشباب الذين ينشرون إبداعاتهم للمرة الأولى، والطريق طويلة، والنجاح في متناول اليد.