شعوان جبارين
يشاهد العالم اليوم جولة أخرى من التصعيد والعنف في دوامة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي،الأمر الذي يحتم علي وكمدير عام لمؤسسة "الحق"، أول مؤسسة حقوق انسان في فلسطين، أن أتعرض مرة أخرى للسبب الرئيس لهذا العنف المتفجر سواء في الضفة الغربية بما فيها القدس أو في قطاع غزة وبغض النظر عن هوية من يتعرض للقتل من الصواريخ أو الاختطاف سواء من الفلسطنيين أو الاسرائيليين.
فإن سياسة إسرائيل القائمة والمستمرة منذ عام 1967والمتمثلة ببناء المستوطنات، بما يشكل انتهاكا للقانون الدولي وبالتحديد القانون الإنساني الدولي والتي أدت إلى وجود أكثر من 500,000 مدني إسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن تعريض المدنيين سواء الفلسطينيين أو الإسرائيليين للخطر.
أن اعتبار نقل المدنيين إلى الأراضي المحتلة جريمة حرب وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى الحظر الذي تنص عليه اتفاقية جنيف الرابعة، إنما يهدفان الى ضبط السلوك والأساليب في النزاعات المسلحة من اجل الحفاظ على أرواح المدنيين، رغم أن الموت والدمار أمران محتمان في أي نزاع مسلح، إلا أن القانون الإنساني الدولي جاء من أجل تخفيف المعاناة وحفظ أرواح المدنيين، ولكن تجاهل إسرائيل للمواثيق والأعراف الدولية التي تحكم النزاعات المسلحة يجعلها مسؤولة عن تعريض حياة المدنيين للخطر.
لقد قدم المستشار القانوني الإسرائيلي السابق د. تيودور ميرون نصيحة خطية للحكومة الإسرائيلية عام 1967، مباشرة بعد احتلالها للأراضي العربية، تفيد بأن انتهاج إسرائيل لسياسة انشاء مستوطنات مدنية يعد انتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة. ولكن منذ ذلك الوقت تقوم الحكومات الاسرائيلية على تجاهل هذا القانون والعمل بشكل مباشر وغير مباشر على تسهيل وتشجيع نقل مئات الآلاف من المدنيين الاسرائيليين الى داخل الاراضي المحتلة. وقد لعب النظام القضائي الاسرائيلي ايضاً دورا محوريا في إضفاء "الشرعية" على المشروع الاستيطاني من خلال التحايل والتلاعب بالقانون من اجل تسهيل هذه السياسة.
وبالرغم من اجماع المجتمع الدولي على عدم قانونية هذه السياسة، فان عدم وجود الإرادة السياسية من عديد الدول وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية،لعب دورا مهما في السماح لاسرائيل بان تمارس سياستها وانتهاكاتها وتشعر أنها تتمتع بحصانه دولية. إن نصيحة الدكتور ميرون لم تتنبأ بعواقب المشروع الاستيطاني الإسرائيلي ولكن هذه العواقب تعبر عن نفسها بدوامات العنف المستمرة والتي نراها اليوم.
وهنا يبرز سؤال لماذا تجاهلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة نصيحة د. ثيودور ميرون؟ يمكن أن يكون السبب خلف ذلك خوفها من الاكتظاظ السكاني داخل إسرائيل، إضافة إلى استخدام الأبعاد الدينية والايدولوجية الفكرية والأمن وقد كانت هذه كلها مبررات وإطار لخطابها استخدمتها إسرائيل على مر السنين. ولكن من خلال عمل مؤسسة "الحق" خلال العقود المنصرمة تم اكتشاف قوة دافعة اكبر تقف خلف هذا الموقف وهي الفوائد التي يتم جنيها من استغلال الموارد الطبيعية الفلسطينية.
في تقرير حديث للبنك الدولي تم الاشارة إلى أن باستطاعة الفلسطينيين جني أرباح سنوية تقدر ب ثلاثة مليارات دولار سنويا من الموارد الطبيعية المتوفرة في مناطق "ج" في الضفة الغربية. ولكن التواجد الاستراتيجي للمستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية من أجل السيطرة على الماء والأرض والموارد المعدنية يكشف عن حجم الفوائد التي يحصدها الاقتصاد الاسرائيلي على حساب استمرار دفع المدنيين الاسرائليين والفلسطينيين إلى صدامات مستمرة ومتكررة.
وفي الوقت الذي سحبت فيه إسرائيل مستوطنيها من قطاع غزة وإعادة انتشار جيشها في العام 2005، إلا أنها لا تزال مستمرة في احتلال الأرض بطريقة تسمح لها باستغلال والسيطرة على احتياطات الغاز قبالة سواحل القطاع. إن الحصار البحري غير القانوني المفروض على قطاع غزة من قبل اسرائيل لا يمنع فقط تطور المنطقة البحرية في غزة وبالتالي حرمان الاقتصاد الفلسطيني من المليارات التي يمكن الحصول عليها من أرباح الغاز، وإنما ا يدفع باستمرارية اعتماد الأرض الفلسطينية المحتلة على إسرائيل من اجل التزود بالغاز وبالتالي تعزيز الاقتصاد الاسرائيلي.
ان استغلال الموارد الطبيعية من جهة أجنبية هي احدى مظاهر الاستعمار على مر التاريخ والذي يتم إعادته اليوم في الأرض الفلسطينية المحتلة. وفي الوقت الذي لم يكن فيه القانون الدولي الانساني متطور بشكل كاف في الحرب العالمية الثانية وخلال العمل على السيطرة على افريقيا كما هو الحال اليوم، فان الاهداف الاستعمارية تم استباقها في القانون الدولي الإنساني الحديث وذلك بحظر سلب ونهب الموارد الطبيعية ونقل السكان. ولكن يحتاج هذا الحظر إلى إرادة سياسية من اجل تطبيقه.
ان غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلي، مرتبط بالمنافع الاقتصادية لأن الحل يعني أن ذلك سيتيح للاطراف الاخرى اقتسام ثروة هذه المنطقة الخصبة، إن هذا النزاع لا يحسب بالخسائر البشرية والدمار وإنما بالدولارات والسنتات أيضا. فالموراد الطبيعية التي يتم استغلالها حاليا هي موارد ناردة ومحدودة وغير متجددة وهذا ما يفسر قيمتها بالمقارنة مع الخسارة في الأرواح. للاسف هذا النوع من الحسابات مبني على تفكير مادي لا مبالي وبالتالي فإن كل ذلك يفسر لماذا يسمح باستمرار ارتكاب هذه الجرائم دون محاسبة.
ومن اجل تحقيق سلام عادل ووقف دوامة العنف والجرائم الدولية، فإنه يتوجب على المجتمع الدولي أن يعمل على وقف النشاطات الإسرائيلية غير القانونية لأن إسرائيل لن تتخلى عن هذه المشاريع المربحة. ان اطار تحقيق السلام العادل منصوص عليه في القانون الدولي والذي من خلال احترامه وتطبيقه يتم تحقيق السلام. ولحين ذلك سيسقط المزيد من الضحايا من الجانبين واعتبارهم أضرار جانبية للطموح الاستعماري.
تم نشر مقال الرأي التالي باللغة الانجليزية على صفحة الإندبندنت البريطانيةThe Independent في 25 تموز/يوليو 2014: