يرى محللون سياسيون وكتاب فلسطينيون، أن استقالة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، تهدف إلى إعادة ترتيب الأوراق في الساحة السياسية الداخلية.
وفي حديث مع وكالة الأناضول للأنباء، قال هاني المصري، مدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية في رام الله (غير حكومي)، إن "الرئيس يشعر بأنّ هناك تحديات داخلية، وخارجية، عليه أن يتعامل معها، لهذا هو يريد عقد المجلس الوطني في أقرب وقت، وتشكيل لجنة تنفيذية بأعضاء جدد، تنفذ ما يراه مناسباً مع طبيعة المرحلة الراهنة".
وأضاف المصري: "قد يسعى عباس من خلال إحياء منظمة التحرير وإعادة هيكلتها، إلى تفعيل دورها في حل الكثير من القضايا العالقة، وفي مقدمتها تحقيق المصالحة الداخلية، وإنهاء الانقسام".
غير أنه استدرك بالقول: "يخشى الرئيس مما يتردد في الأوساط الإعلامية، من أن حركة حماس تسعى إلى اتفاق مع إسرائيل حول تهدئة طويلة الأمد، وهو ما يعتبره قراراً منفرداً، قد يؤدي إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، ويستوجب رفضه والتصدي له وطنياً".
وتتزايد مؤخراً الاتهامات لحركة حماس، من قبل حركة فتح وفصائل يسارية فلسطينية، بأنها تسعى إلى فصل قطاع غزة وإقامة دولة، مقابل تهدئة طويلة الأمد مع إسرائيل، في وقت تحدثت فيه تقارير إعلامية إسرائيلية وعربية، الأسبوع الماضي، عن قرب توصل حماس لاتفاق مع إسرائيل بشأن تلك التهدئة.
ودأبت حماس على نفي هذه الاتهامات، لكنها قالت في بيان لها نهاية الأسبوع قبل الماضي، إنّها عقدت عدة لقاءات مع فصائل وقوى فلسطينية، لشرح نتائج لقاءاتها مع أطراف أوروبية ودولية، بشأن التهدئة مع إسرائيل.
وأشار المصري، أن القضية الفلسطينية في أمس الحاجة، إلى ما وصفه بهندسة هيكلة منظمة التحرير من جديد، للقيام بدورها في التصدي للاستيطان الإسرائيلي، والانقسام، وجلب الدعم للملف الفلسطيني خاصة في ظل التغيرات الإقليمية والدولية.
غير أنه رأى ضرورة إشراك كافة الفصائل وفي مقدمتها حركة حماس "للخروج ببرنامج سياسي موحد".
ويتفق عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، برام الله، مع المصري في أن الهدف من استقالة عباس هو ترتيب أوراق الساحة الداخلية، ولكن "بما يتناسب مع سياسته".
وقال قاسم إن "الرئيس عباس يهدف من عقد الجلسة الاستثنائية المرتقبة للمجلس الوطني، إلى انتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير بأشخاص لا يخالفونه في الرأي، ولا في اتخاذ القرار".
وكانت مصادر في اللجنة التنفيذية، قالت إن عباس يسعى إلى إجراء انتخابات لاختيار لجنة تنفيذية جديدة، للتخلص من بعض أعضاء اللجنة الحالية، كعضوها ياسر عبد ربه، الذي كان يشغل أمين سر اللجنة قبل إعفائه من المنصب، الشهر الماضي، وانتخاب كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات بدلاً منه.
وبحسب قاسم "في هذه المرحلة، لا يريد الرئيس عباس لأحد أن يعارضه، سواء عبد ربه، أو المقربين من القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، هناك مأزق تعيشه فتح داخلياً، وواضح أن القرارات الأخيرة تسعى لمرحلة سياسية جديدة وفق طواعيته".
ويسود خلاف حاد بين الرئيس عباس ودحلان، الذي فُصل من حركة فتح (التي يتزعمها الأول) في يونيو/حزيران عام 2011، ويقيم حاليا في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي تعليق لها على استقالة عباس من اللجنة التنفيذية، اعتبرت حركة حماس، الغريم السياسي لفتح، "دليلاً على استمرار حالة التفرد في القرار السياسي، وانقلاباً على اتفاق المصالحة".
وقالت في بيان لها، إنها تدرس خياراتها (لم تكشف طبيعتها)، في مواجهة ما وصفته بإدارة الظهر للاتفاقيات الوطنية.
وفي هذا الصدد، يرى قاسم، أنه بإمكان الرئيس القيام بتفعيل حقيقي لدور منظمة التحرير، من خلال إشراك كافة الفصائل والقوى، والعمل على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بما يتناسب مع حجم التحديات الداخلية والخارجية.
وكانت الاستقالة، من وجهة نظر طلال عوكل، الكاتب السياسي، في صحيفة الأيام، الصادرة في رام الله، "وسيلة لأجل عقد المجلس الوطني وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة للمنظمة".
وقال عوكل : "لا أحد يعرف ماذا يريد الرئيس، أو بماذا يفكر، لكن من الواضح أن الأمر يتجاوز قدرة المنظمة على مجابهة التحديات، أو رسم سياسات قادمة".
ومن الوارد، بحسب عوكل، أن "الرئيس يجهز لمرحلة سياسية على طريقته الخاصة وفق خياراته وبرنامجه".
لكنه استدرك قائلاً: "وقد يجهز لخليفته سياسياً بعد كل هذه السنوات من الإحباط وفشل مفاوضات السلام، والتوصل إلى حلول، وغياب الأفق السياسية عربياً ودولياً، وعدم المصالحة مع حماس".
أما يحيي رباح، القيادي في حركة فتح، فلم يرَ من وراء هذه الاستقالة "إقصاءً لأي شخص، أو أي فصيل".
وأوضح رباح أن "الرئيس يريد عقد جلسة استثنائية للمجلس الوطني، بهدف ترتيب الأوراق في الساحة الداخلية"، معتبراً ذلك "حالة من الاستنهاض الوطني الضروري".
وأعرب رباح عن أمله في أن تدعم حركة حماس وكافة الفصائل ما وصفه بإعادة الحياة لمنظمة التحرير، وأن تشارك في رسم المشهد السياسي وفق "إطار وطني"، والعمل على حل كافة المشاكل العالقة.
وفي 24 أغسطس/آب الجاري، قال الرئيس عباس، إنه قدم استقالته من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مع آخرين من أعضائها بهدف تفعيلها.
وأضاف في تصريحات صحفية، أن "اللجنة التنفيذية، هي حكومة دولة فلسطين، وتمثل كل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، ونحن بحاجة الى تفعيل اللجنة، ولذلك قمت بتقديم استقالتي ومعي تسعة أو عشرة من أعضائها"، مشيراً إلى أنه سيعقد اجتماعاً للمجلس الوطني خلال شهر.
من جانبه، أعلن سليم الزعنون، رئيس المجلس الوطني، في حديث لصوت فلسطين (حكومي) قبل يومين، أن المجلس سيعيد انتخابات أعضاء اللجنة التنفيذية في حال تعذر عقد جلسة عادية للمجلس، وفي حال انعقاد دورة عادية ينتخب المجلس جميع اعضاء اللجنة باعتبار أن أغلبيتها قدمت الاستقالة.
وقال الزعنون إنه تسلم رسالة من صائب عريقات، تفيد باستقالة عشرة أعضاء إلى جانب الرئيس عباس، واعتبر أن هذه الرسالة وعداً بالاستقالة أمام المجلس الوطني وهو صاحب الصلاحية في ذلك.
ولفت الزعنون إلى أنهم سيواجهون مشكلة في حال منعت السلطات الإسرائيلية الأعضاء من الخارج والبالغ عددهم نحو 200 عضو من دخول الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أنه إذا لم يتوفر النصاب في جلسة المجلس "تصبح الجلسة بحكم القوة القاهرة جلسة استثنائية"
وحسب القانون الأساسي للمجلس الوطني، تُعقد دورة استثنائية لانتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية، في حال شغور ثلث أعضائها بالوفاة، أو الاستقالة.
والمجلس الوطني، هو بمثابة برلمان منظمة التحرير، ويضم ممثلين عن الشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، وقد تأسس عام 1948، ولم يعقد منذ عام 1996 أية دورة عادية، وهو أعلى سلطة تمثل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.