الحدث- ندين نخلة
لحظات من الترقب في قاعة تئن جدرانها بأحكام فرضت على الآلاف الخروج مقيدين بأغلال الأسر إلى زنازين تملؤها قصص وحكايات من عانوا غياهب سجون الاحتلال مرارا.
نطق القاضي الحكم "مؤبدان و4 ملايين شيقل غرامة مالية كبديل عن حكم الإعدام الذي طلبته عائلة المستوطنة، التي ماتت جراء عملية الطعن.
صدى الصوت ما زال يتردد برأس بهية "مؤبدان.. مؤبدان.. مؤبدان".. حكم الزوج ماهر الهشلمون... التهمة طعن مستوطنة بالقرب من تجمع غوش عتصيون جنوبي بيت لحم، فكانت ابتسامتها تماما كالتي اعتاد الجميع أن يراها على وجه ماهر في كل جلسة للمحكمة.
اقترب والد بهية من ماهر واضعا يده في جيبه يبحث عن "شيقل"، وقال مبتسما: "عمي أنت لا تقلق، بالنسبة لـ4 ميلايين، هي أنا مني أول شيقل.. إذا كل فلسطيني بحط شيقل هي الأربع ملايين واصلين".
العجيب بأمر ماهر والعائلة، أنه ما زال هناك متسعا للسعادة والضحك في ظل قسوة الحكم الذي أدرج اسم ماهر أسفله.
"سعادة الانتصار" كما أسمتها زوجة الهشلمون، تلك السعادة التي عكرت صفو الأجواء على أم المستوطنة والقاضي والجنود الذين لم يتوانو للحظة عن تعكير لذة اللقاء الذي حرمت منه العائلة لأسباب أمنية.
تصف النتشة لـ "الحدث"، لحظة تلقي أم المستوطنة الحكم على ماهر، صعقها تلقي ماهر والعائلة الحكم كما لو أنها هي من حكمت بالسجن لمئتي سنة "بدأت تتغير نظرات أم المستوطنة لحظة بعد الأخرى، من الشماتة إلى الإحباط، فلمعة عيون ماهر المبتسمة قتلت لديها نشوة الانتصار".
بنبرة الزوجة الفخورة تقص بهية كيف كانت ردة فعل ماهر في كل مرة توجه إليه التهم أمام القاضي "كان ما أن يسمع هذه التهم حتى يختفي وجهه خلف ابتسامته العريض، ينظر إلينا ويومئ بطرف عينه لعيني". تلك التفاصيل التي جعلتها ترى حكم المؤبدين كما لو أنه طريق زوجها للحرية.
"اقضي ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا" الكلمات الأخيرة لماهر في نهاية تلك الجلسة، تلك الكلمات من الذكر الحكيم التي أشعرت أم القتيلة بأنه العائلة لم تسمع الحكم نفسه التي سمعته هي.
تأخذ النتشة "الحدث" إلى يوم الحادثة، الذي كان في العاشر من تشرين الثاني، بدأت بالفطور الذي يحب ماهر أن يعده بنفسه، والحديث الذي دار بينهما حينها حول الوصية التي اعتادا أن يكتباها لبعضهما.
أخبرها عن مكان وصيته الأخيرة وطلب منها عدم قرائتها، ثم خرجا لشراء احتياجات المنزل، واصل طول الوقت الطلب بأن تشتري كل ما تحتاج، وكل ما قد تحتاج، حتى وصله اتصال هاتفي عرفت بعد ذلك بأنه اتصال وهمي كي يتركها ويخرج.
بعد عودتها للمنزل، وصلها اتصال هاتفي من عمها يسألها عن ماهر، مخبرا النتشة بأن شرطة عتصيون تسأل عنه.
دقائق لم تشعر أنها تمر من شدة القلق، وما أن رأت زوجها بالصورة ملقا على الأرض، حتى انهارت معتقدة أنه استشهد، توافد الناس للمنزل وأخبروها بأنه مصاب ولم يستشهد. "لا إن شاء لله يكون استشهد إن شاء الله يكون استشهد" كانت تصرخ بتلك الكلمات.
كررت مرتين "لماذا تركتني وحدي لماذا لم تخبرني" وما أن أكملت هاتين الجمليتن حتى مسحت دموعها وجالت في ارجاء المنزل تردد "الحمدلله"
أرادت النتشة الشهادة لزوجها لأن السجن كابوس رافقه منذ السادسة عشر من عمره، لكن الآن هي على يقين بأن هذه الأرض تستحق التضحية، وهذا الرجل النبيل يستحق أن تتحمل عمرا بأكمله عناء الصبر.
تحمد الله دوما ميقنة بأن هذا الحكم العالي، طريقهم للحرية، إن لم تكن حرية الزنازين، ستكون حرية الوطن الأكبر.