الحدث
انتخب الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى حدّ كبير بسبب وعوده بانتشال الاقتصاد من أعمق ركود له منذ الحرب بين إيران والعراق. وبعد سنة واحدة من وصوله إلى كرسي الرئاسة، من الصعب العثور على أدلة حدوث انتعاش، ولكنه حقق بعض الإنجازات الهامة.
الإنجاز الأكثر وضوحًا لروحاني هو انخفاض معدل التضخم، بنسبة أكثر من النصف. التضخم الجامح في السنوات الثلاث الماضية، والذي نفر الطبقة الوسطى وحتى العديد من المحافظين من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، عاد الآن إلى المستوى الطبيعي بنظر الإيرانيين.
ورغم ذلك، تم تحقيق احتواء هذا التضخم من خلال دفع تكلفة كبيرة، تمثلت بالحفاظ على النفقات الحكومية بالحد الأدنى والتخلي عن أي نوع من التحفيز المالي أو النقدي. روحاني تمكّن حتى من زيادة أسعار الطاقة في نيسان/ أبريل الماضي دون تعرضه لأي احتجاجات شعبية، وهو ما يشير إلى أن جماهيريته قد نجت حتى الآن من سياساته التقشفية. كان ارتفاع أسعار الطاقة كبيرًا بما يكفي لإغلاق فجوة الموازنة، التي خلفها أحمدي نجاد. تم زيادة سعر البنزين بنسبة 75 في المئة، والديزل بنسبة 67 في المئة، وغيرها من أسعار الطاقة بنحو 30 في المئة.
الإنجازات الاقتصادية الثانية لروحاني تمثلت في استعادة الثقة المفقودة في الأعمال التجارية. فعل ذلك ببساطة عن طريق انتخابه كرئيس أولًا، ومن خلال تعيين فريق مختص ثانيًا. أوقف أو بطأ انتخابه من نزيف الاقتصاد الإيراني، بعد أن كان هذا الاقتصاد قد تعرض لعقوبات دولية صارمة وسياسات محلية سيئة.
وجاء أعظم نجاح اقتصادي لروحاني في شكل انتصار سياسي. لقد تغلب الرئيس الإيراني على المعارضة الداخلية الكبيرة للتقارب مع الغرب، وقام بالتوقيع على خطة العمل المشتركة مع القوى العالمية في نوفمبر/ تشرين ثان الماضي.
من الممكن أن ينسب إلى هذا الاتفاق تعزيز العملة الإيرانية، الريال، وهو مؤشر جيد لارتفاع الثقة في قطاع الأعمال. منذ نوفمبر/ تشرين ثان، زادت صادرات النفط الإيرانية أيضًا بنسبة 30 في المئة، وتم الإفراج عن حوالي 7 مليار دولار من الأموال المجمدة لإيران، وكذلك ارتفعت الصادرات البتروكيماوية.
وكان إنتاج السيارات، خلال ربيع هذا العام، علامةً أخرى على تخفيف العقوبات الدولية نتيجة هذا الاتفاق، حيث بلغت معدلات الإنتاج 90 في المئة مقارنةً مع العام الماضي، وفقًا لمحمد رضا نعمة زاده، وزير الصناعة والمناجم والتجارة. وأشار زاده أيضًا إلى حدوث زيادات في إنتاج البتروكيماويات بنسبة 9 في المئة، والسلع المعمرة بنسبة 30 في المئة.
ولكن هذه التحسينات لم تنعكس على المواطنين الإيرانيين من الطبقة المتوسطة، حيث إنّ آفاقهم المهنية ومعدلات دخلهم لم تتأثر منذ تولي روحاني لمنصبه. الجاني الأكبر هو، بطبيعة الحال، العقوبات المالية والعقوبات على الشحن، والتي تحدّ من وصول إيران إلى عائدات النقد الأجنبي، وتواصل خنق قطاعات كبيرة من صناعاتها. الشركات المصنعة لا تزال تستخدم قنوات مرهقة ومكلفة لشراء موادها الخام وقطع الغيار.
بالنسبة لها، التصريحات الرسمية المتفائلة وعناوين الصحف بإعلان “انهيار وشيك لنظام العقوبات”، هي مجرد كلام. في الواقع، وفي حين أن الغرب خفف من عقوباته ضد إيران، وأشار إلى طوفان من البعثات التجارية الخارجية إلى طهران، إلّا أن أي استثمار فعلي لم يحدث بسبب استمرار عدم اليقين بشأن مستقبل العقوبات.
ولكن، هل يضعف هذا الانتعاش الاقتصادي الهزيل روحاني في المفاوضات النووية، ويساعد الغرب على تشديد موقفه من أجل انتزاع المزيد من التنازلات من إيران؟ مما لا شك فيه أن زيادة العقوبات أدت إلى استعداد إيران للتفاوض، ولكن سيكون من الخطأ أن نعتقد بأن فرض مزيد من العقوبات سوف يجلب دائمًا المزيد من التنازلات.
يعتقد معظم الإيرانيين بأن حكومتهم قد قامت بما عليها بخصوص الصفقة منذ نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، وبالتالي فإنهم سيرون المزيد من العقوبات الآن كمؤشر على سوء نية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا، وسيقومون بإلقاء اللوم على هذه الدول بشأن فشل المفاوضات. وهذا من شأنه تخفيف الضغط على روحاني ومنعه من تقديم المزيد من التنازلات.
وعلاوةً على ذلك، فإن الطبقة الوسطى الإيرانية، وبعد نجاتها من حكم أحمدي نجاد، ما زالت تعتبر روحاني كأفضل زعيم متاح لتحقيق مصالحها. الفقراء، وعلى الرغم من سنوات من العقوبات، آخذين في التناقص كنسبة من مجموع السكان.
إذا فشلت المحادثات، ويبدو أن صقور واشنطن يرغبون في ذلك، سيقوم روحاني بتغيير اتجاهه. وبدلًا من إعادة دمج إيران في الاقتصاد العالمي، سيعمل على تعزيز الاعتماد على الذات اقتصاديًّا، ومقاومة الضغوط الخارجية، وهي الاستراتيجية التي تناسب رغبة باقي قيادات الدولة بشكل أفضل بكثير.
المصدر: لو بلوغ