عزيزي القارئ، هل تعرف من يحاول الاختباء خلف إصبعه؟ هذا هو العربي المبدع في كل صنوف الشتم واللطم والتخوين والعويل، عجزاً وغباء واستغباء.. ربما لأننا لا نجرؤ على مصارحة أنفسنا، وربما لكوننا لا نؤمن بأنفسنا أصلاً.
فالكل بلا استثناء راح يبكي ويتباكى على صورة ذلك الطفل السوري المتوفى على شاطئ البحر، رغم أنه لم يكن الأول، ولن يكن الأخير، دون أن يبحث عن أفكار خلاقة أو أن يدعم أخرى وطنية، ليعلم الجميع أن الخير لم ولن ينقطع عن هذا الشرق الأوسط بمسلميه ومسيحييه. ولكن كيف ونحن العرب من حطم كافة الأرقام القياسية لموسوعة "غينتس" في جلد أنفسنا بأنفسنا، واحترفنا دفن رؤوسنا في الرمال؟!
فبينما قدم الملياردير المصري نجيب ساويرس مبادرته المؤكدة على استعداده شراء إحدى جزر إيطاليا أو اليونان وتنميتها لمساعدة اللاجئين الفارين من سوريا ودول أخرى. لم نلحظ اهتماماً إعلامياً فضائياً تحديداً لا من الجزيرة وأخواتها ولا من غيرها، بمثل هذه المبادرة الخلاقة من حيث الإيواء والاستثمار. فيما اهتمت بل وأشادت بها العديد من وسائل الإعلام الغربي ومنها صحيفة «واشنطن بوست» التي قالت: فكرته جيدة لحماية المهاجرين.. بينما أكدت صحيفة «ديلي ميل»: أن ساويرس جاد في عرضه وينسق مع دول أوربية لتنفيذ خطته.
وكان ساويرس قد أشار إلى أن كلفة شراء جزيرة تابعة لليونان أو إيطاليا تتراوح بين 10 مليون و100 مليون دولار، "ولكن الأهم هو الاستثمار في البنية التحتية". موضحاً: ستكون هناك مساكن مؤقتة لإيواء الناس ثم نبدأ بتشغيلهم في بناء المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات". معتبراً أن ذلك "يوفر فرص عمل أثناء البناء وفرص عمل في المستقبل".
في المقابل قالت منظمة العفو الدولية مؤخراً: "إن دول الخليج الست، قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت وعمان والبحرين، قد عرضت مقدار صفر من أماكن إعادة التوطين للاجئين السوريين".
ورغم أن الموارد الموجودة تحت تصرف هذه الدول وضعتها في مصاف أكبر الميزانيات العسكرية في العالم العربي، بالإضافة إلى أعلى مستويات المعيشة للفرد، إلا أن المبادرة جاءت من نجيب ساويرس المصري المسيحي صاحب كبرى شركات الاتصالات الخلوية في أفريقيا والشرق الأوسط، إنما ليثبت يوماً بعد آخر، ومبادرة بعد أخرى، أن مسيحي الشرق عامة ومصر خاصة، إنما هم جزء أصيل لا يتجزأ من هذا النسيج العربي بكل قومياته. وأن مصر التي استقبلت أكثر من 250 ألف لاجئ سوري، ومثلهم أو أكثر عراقي حتى نهاية عام 2014، فتحت لهم المدارس والمعاهد، وسمحت بانخراطهم في الحياة الاجتماعية والسوق الاقتصادية شراء وبيعاً، تماماً كما فعلت قبلاً مع الفلسطيني منذ نكبته الأولى عام 1948 دون تمييزه في مخيم أو منطقة بعينها.. مصر هذه بفعلها وفعل رجالها كانت وما زالت صمام أمان هذه الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.
أما الإشارة إلى مسيحية ساويرس فلم تأت من باب التمييز، وإنما جاءت لترد على ادعاء أن جزءاً أساسياً مما تشهده المنطقة إنما يستهدف بشكل خاص مسيحيي الشرق، فيما الحقيقة التي لا تقبل مجالاً للشك تقول: "إن ما يدور يستهدف الشرق بمسلميه قبل مسيحييه"، وهي بالمناسبة إشارة أتت من حيث نقصد في اتجاه آخر لترد على تفاهات بعض دول الغرب التي تأبى أن تفتح أبوابها إلا لمسيحيي الشرق. فيما هي من سلحت ورعت كل زنادقة الأرض لتعبث في هذا الشرق. وكأنهم لم يكونوا مصدر الوباء والبلاء.
خلاصة القول: إن سؤال المليون الذي تطرحه الصورة المأساة للطفل السوري وغيره، يتمحور في، منْ الأقدر والأولى، ساويرس مصر أم الخليج بكل عماماته؟ في انتظار إجابة لا أظنها آتية، بات لسان حال اللاجئ العربي يقول دون خجل أو مواربة، بلاد الغرب أوطاني من النمسا إلى اليونانِ.
ختاماً: صدق الشاعر حين قال:
"يا أيّها البحرُ لا تبكي على شعبٍ .. أبكى الصخورَ ولمْ يُبكِ السّلاطينا
كُلُّ البلادِ بوجهِ الضّيفِ مُقفلةُ .. إلّا السّماءَ أراها رحّبتْ فينا".