في أعقاب فشل ثورة العمال في عموم روسيا عام 1905، أصدر قائد الثورة آنذاك "فلاديمر لينين" كتاباً تحت عنوان "خطـوة إلى الأمام.. خطوتان إلى الوراء"، وقد كرس كتابه لمراجعة فشل الثورة الروسية في ذلك العام، راسماً خطوط النجاح بعد دحر كافة الاتجاهات المنحرفة يساراً ويميناً حتى وصل إلى تحقيق هدف الثورة في أكتوبر 1917.
أستعير الشق الثاني من عنوان الكتاب المذكور للتوقف أمام الحالة الفلسطينية الراهنة، وسياسة الضياع والترقب والشك الذي يلف كل ما حوله، ويضع الجميع في حيرة من أمرهم وهم ويحاولون الخروج من المأزق؟
الأسئلة كثيرة، ولكن الجواب على دعوة المجلس الوطني الفلسطيني للانعقاد في منتصف الشهر الجاري، وأمام حالة الخلاف حولها، إنما يضعها في خانة الخطوات إلى الخلف، أما لماذا إلى الخلف وليس إلى الأمام، فالأمر متروك لكل من هو منخرط رغم عنه في هذه الحالة الضبابية التي يعيشها الجميع.
الدعوة إلى اجتماع المجلس الوطني قفزت عن قرارات وطنية سابقة عمرها يزيد عن عقد من الزمان، حين جرى إقرار فلسطيني شامل في أيار من العام 2005 بتفعيل وتطوير بناء منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والاتفاق على إطار قيادي فلسطيني موحد ومؤقت من جميع الفصائل المكونة للمنظمة ومن قوى فلسطينية جديدة (إسلامية بشكل خاص) دخلت ميدان الصراع السياسي والعسكري مع دولة الاحتلال. القرار بالتفعيل والتطوير لم يتحول إلى التطبيق، بل جرى الابتعاد عنه عملياً والاقتراب منه بصدور قرارات أخرى شبيهة بوثيقة الأسرى 2006 وفي التوقيع على وثيقة إنهاء الانقسام 2011 وآخرها وثيقة إعلان الشاطئ عام 2014.
الدعوة إلى اجتماع المجلس الوطني التي ابتدأت من دعوة اللجنة التنفيذية في جلسة استثنائية وتحولت إلى جلسة عادية دون إغلاق إمكانية تحويل الجلسة العادية إلى استثنائية، لم تخرج عن دائرة الابتعاد عن كل الاتفاقات الوطنية المشار إليها، ولذلك فهي وبكل جدارة تشكل تراجعاً عما اتخذ من قرارات وبالحد الأدنى يمكن قياسها بخطوتين إلى الوراء.
- التقاليد الديمقراطية في سنوات ما قبل أوسلو تشير إلى أن التحضير لجلسات المجلس الوطني كانت تأخذ مداها من خلال رئاسة المجلس وقادة المقاومة وأعضاء اللجنة التنفيذية، يجري الاتفاق في نهايتها على جدول أعمال المجلس، فهل أن ما يجري راهناً يشكل خطوة إلى الأمام؟ أم خطوات إلى الوراء؟ وهل ستساعد هذه الخطوة على إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي؟ أم أنها ستعمق من الانقسام إلى أبعد بكثير مما هو قائم راهنا؟!
- إن الإصرار على اختيار مدينة رام الله مكاناً لانعقاد دورة المجلس القادمة غير مناسب إطلاقا وهو يهدد بشكل واضح إمكانية حصول نصاب الجلسة العادية (أغلبية الثلثين)، ويجعل من عدم تحقيق النصاب هو الاحتمال الأكبر مما يجعل العودة إلى الدعوة الأولى الصادرة عن اللجنة التنفيذية من أجل دورة استثنائية هو الأمر الأكثر ترجيحاً، وربما كان هو الهدف الحقيقي للدعوة المفاجئة؟!
- وأخيراً، وليس أخراً، كيف يجري التعامل مع الجوانب القانونية ووفقاً للنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ في قراءة المادة 14 في فقراتها الثلاث وهي واضحة وضوح الشمس في تفسير شواغر اللجنة التنفيذية وبشكل خاص الفقرة "جـ" من المادة التي تشير إلى أن الاجتماع الاستثنائي يتم في الظروف القاهرة التي تمنع عقد اجتماع عادي للمجلس الوطني وتحصر الجلسة باستبدال أعضاء اللجنة التنفيذية (المستقيلين أو المتوفين) باعتبارها مواقع شاغرة، وتؤكد على حضور رئاسة المجلس ومن تبقى من اللجنة التنفيذية ومن يستطيع المشاركة، وهنا نسأل هل هناك أعضاء من اللجنة التنفيذية قد قدموا استقالاتهم وأن استقالاتهم قد قبلت من أعضاء المجلس الوطني أساساً؟ وأين هي الشواغر التي يجري ملؤها حتى يأخذ المجلس الاستثنائي حقه في تبديلها؟ وفي حال واحد متمثل بأخذ رئاسة المجلس قراراً بقبول الاستقالات. كما نلاحظ، فالحالة لا تتوقف على خطورة الدعوة من الزاوية السياسية، ولكنها سوف تزعزع الأساس القانوني لبنيان المنظمة، وهي بهذه الحالة أوسع من وصفها بخطوتين إلى الوراء، ربما تصل إلى أميال إلى الوراء!!