تقاوم مهنة "التنجيد" في قطاع غزة الاندثار، بسبب ارتفاع أسعار منتجاتها، والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، وانتشار المنتج الجاهز، ناهيك عن عزوف الأجيال الشابة عن العمل فيها، لكن ثمة من أمضى عقوداً فيها يُصرعلى أن يحفظ إرثاً ورثه عن الأجداد.
على قطعة من القماش كبيرة الحجم، داخل ورشته، غربي مدينة غزة، يطرق سليم العكلوك (50 عاماً)، كميات من القطن، ليحشي بها وسادات وأغطية يقوم على تحضيرها لزبائنه.
ولا يكترث العكلوك، لعلامات الإرهاق التي بدت على جسده النحيل، جراء انشغاله ساعات طويلة في مهنته التي ورثها عن والده، منذ 35 عاما، حسب قوله.
بعد أن انتهى، من صناعة آخر وسادة بشكل يدوي من القطن الأبيض، قال العكلوك لمراسل الأناضول إن "أعداد من يعملون في مهنة التنجيد، وصناعة أنواع الفراش من وسائد وأغطية محشوة بالقطن يدويا في قطاع غزة، محدود جدا، وذلك بسبب ارتفاع أسعار هذه المنتجات نسبياً، مقابل انخفاض مستوى المعيشة في القطاع نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع نسبة البطالة".
وأضاف، بينما كان ينظف أحد الأغطية الثقيلة من بقايا القطن "ورثت هذه المهنة عن والدي، وهو ورثها بدوره عن جده الذي كان يعمل فيها لنحو 80 عاماً".
وتابع "في الماضي كان العديد من المواطنين في قطاع غزة يعملون في مهنة التنجيد، ويعلمونها لبعضهم البعض، لكن قلة إقبال الناس على شراء منتجات هذه المهنة بسبب ارتفاع أسعارها، تسبب في عزوف معظم المنجدين عن العمل، ناهيك عن عزوف جيل الشباب عن العمل فيها".
وعن خطوات التنجيد يوضح "في البداية نقوم بتنفيض ونثر القطن بالعصا، ثم نضعه داخل ماكينة تقوم بندف (ضرب) القطن، وتفكيك أجزائه، لنقوم بعد ذلك بصناعة الوسادة أو الغطاء أو فراش من القماش، ونحشيه فيما بعد بالقطن الطبيعي".
وفي النهاية تأتي الخطوة الأهم، وهي زخرفة المنتج بأشكال هندسية، وورود جميلة باستخدام إبرة وخيط أبيض، وكثير من الخبرة.
وداخل محله الصغير المتواضع، الذي لا تتجاوز مساحته ثلاثة أمتار مربعة، يضرب العكلوك إحدى الوسادات التي صنعها بعصا كبيرة ، قائلاً "محظوظ من يمتلك في غزة مهنة ليعمل بها أمام الفقر والبطالة التي تتنامى يوماً بعد يوم"، وأردف "هذه المهنة توفر الاحتياجات الأساسية لأسرتي المكونة من 17 فرداً".
وهذا العمل ليس باباً للرزق فقط، بل هو إرث الآباء والأجداد، والتمسك به واجب للحفاظ على تلك المهنة من الاندثار، وفق قول العكلوك الذي كان بات يعمل اليوم لوحده، بعد أن كانت ورشته تحوي أعداداً متفاوتة من العمال، وذلك بسبب قلة إقبال الناس على شراء الفراش المصنوع يدوياً.
وختم المُنجد حديثه مع بالقول "مهنة التنجيد أصبحت تحارَب من أجل البقاء في ظل وجود الفراش، والوسادات، والأغطية الجاهزة".
ويعاني قطاع غزة من حصار إسرائيلي خانق منذ عام 2007، تسبب في تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية لقرابة مليوني شخص (إجمالي عدد السكان).
ورغم التحديات التي تواجهها مهنة التنجيد، إلا أن العكلوك لم يفكر في ترك مهنته، للحفاظ على ما وصفه "بإرث الأجداد".
ولا توجد إحصائيات رسمية بعدد المُنجدين في قطاع غزة.
وفي مايو آيار/الماضي، قال البنك الدولي إن اقتصاد قطاع غزة كان ضمن أسوأ الحالات العالمية، إذ سجل أعلى معدل بطالة في العالم بنسبة 43% ترتفع لما يقرب من 70% بين الفئة العمرية من 20 إلى 24 عاما.