الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في السنغال.. مدارس قرآنية "عصرية" للقضاء على ظاهرة تسوّل الأطفال

2015-09-15 11:29:14 AM
 في السنغال.. مدارس قرآنية
صورة ارشيفية

الحدث - السنغال

في بادرة تهدف إلى القضاء على ظاهرة تسوّل الأطفال التي أضحت تمسّ بشكل كبير بصورة البلاد، تعمل الحكومة السنغالية على تشييد مدارس قرآنية "عصرية"، لتعويض نظيرتها  التقليدية، والتي ينحدر منها المتسوّلون الصغار.

مشروع طموح يمتد إلى حدود 2018،  ويتجسد عبر تشييد 64 مدرسة قرآنية منتشرة على كامل تراب البلاد تأتي لتعوض المدارس القرآنية التقليدية، يرى النور بفضل تمويلات  البنك الإسلامي للتنمية. خطوة تصبو الحكومة من ورائها إلى اجتثاث ظاهرة تسوّل الأطفال، خصوصا وأنّ طلاّب المدارس القرآنية التقليدية، هم المعنيون بها، حيث عرف عنهم، منذ سنوات، بأنهم يجوبون شوارع المدن والأرياف، للتسوّل من المارة.

بينيتا لو، سيّدة التقت بها الأناضول في العاصمة السنغالية داكار، تقول، معقّبة عن الموضوع: "رافقت ابني إلى إحدى المدارس القرآنية، أو ما يصطلح على تسميته بلغة الوولوالمحلية  "الدارا"، بتكاليف ترسيم  تبلغ 30 ألف فرنك إفريقي (52 دولار)، فعلى الأقلّ هناك، لن ينجرّ ابني نحو التسول".

وتقدر التكلفة الجملية لمشروع تحديث المدارس القرآنية بـ 20 مليون دولار، وقد انطلق منذ 2014، وسرعان ما انضم المستثمرون الخواص إلى مجهود البناء، وانطلقوا في تشييد مدارس  قرآنية مواكبة للعصر، لا تتيح المجال للإنزلاق نحو أنشطة أخرى مثل التسوّل، بل تستقبل الأطفال وتعلّمهم القرآن الكريم وتوفر لهم الوجبات الغذائية في اطار لائق".

ظاهرة تسوّل الأطفال في السنغال بارزة للعيان، وقد صدر في شأنها عدد كبير من التقارير الجمعياتية والحكومية، وسبق وأن وجهت إليها أصابع الاتهام بمساهمتها في تفاقم وضع ما لا  يقل عن 30 ألف طالبا من طلاب المدارس القرآنية المجبرين على التسوّل بشكل يومي، وفقا لدراسة أجرتها الحكومة السنغالية في 2014.

مشروع طموح ممّا لا شكّ فيه، غير أنّ المعركة تتطلّب نفسا طويلا، لا سيّما وأنّ الظاهرة امتدّت على الزمن لمدّة وصلت إلى "10 سنوات" تقريبا، كما أشار إلى ذلك تقرير منظّمة  "هيومن رايتس واتش"، الصادر بداكار في أبريل/ نيسان الماضي، تحت عنوان "عقد من التجاوزات في المدارس القرآنية"، والذي إعتبر أنّ السلطات السنغالية، "لم تتكفّل بمسؤوليتها" في متابعة المسؤولين عن هذه الظاهرة، أو في سنّ  قوانين لهذه المدارس تحظر هذا النشاط.

وبشأن ذلك، قالت فيليسيتي طومسون، باحثة في منظّمة "هيومن رايتس واتش" للأناضول: "لقد أثبتت بحوثنا وجود تجاوزات في بعض هذه المدارس في داكار أو في مدينة سانت لويس على حد  سواء، دون اعتبار نقص خدمات العلاج والأضرار النفسية والجسدية وبعض حالات الوفاة التي لم يتم إبلاغ السلطات الحكومية بشانها"، مضيفة: "لقد كانت هنالك تحقيقات في هذا الشأن، غير أن التتبعات العدلية التي تليها نادرة الحدوث، كما لم يتم إغلاق بعض هذه المدارس حيث سجلت تجاوزات من هذا القبيل. ومنذ 2014، لم يتجاوز عدد المدرسين المدانين أكثر من 3".

يحدث ذلك رغم وجود قانون سنته السلطات منذ 2005 يحظر إجبار الأطفال على التسول، رافقه مجهود من المنظمات غير الحكومية لدفع السلطات إلى اتخاذ  تدابير حازمة لتطبيق هذا القانون بشكل فعلي على أرض الواقع. لكن، ومع أنّ المنظمات الحقوقية  تندّد باستمرار بهذه الظاهرة التي يذهب ضحيتها الاطفال بتعرضهم إلى الحوادث الناجمة عن التسول بشكل يكاد يكون يوميا، غير أنّ ذلك لم يكن كافيا  لإثناء المدارس عن إرسال الأطفال للتسول في شوارع داكار.  

مامادو بوارو، صبي في الـ 12 من عمره،  هو واحد من الأطفال الذين أجبروا على مدّ أيديهم للتسوّل في  الكورنيش الشرقي من داكار، حيث ينحشر بقامته النحيلة المخفية تحت قميص أزرق، مال لونه إلى  السواد لما علق بهمن أوساخ، بين صفوف السيارات الرابضة بانتظار اخضرار إشارة المرور، ليطلب أموالا من أصحابها. كان يسير بخطوات سريعة، حافي القدمين، ليبلغ جدارا يحتمي في ظلّه من أشعّة الشمس الحارقة.. مامادو جاء إلى ذلك المكان منذ السابعة صباحا، ولا يزال أمامه الكثير من الوقت ليمضيه في تقاطع الطرق ذاك، قبل أن يعود أدراجه من حيث أتى.

وبنظرات تائهة تتفحّص وجوه سائقي السيارات المارة، قال مامادو للأناضول: "نعيش في منطقة بارسال أسيني، أحد الواقعة في ضواحي داكار، ونحن نغادر البيت على الساعة السادسة صباحا للتسوّل لنعود  إليه على الساعة 19". 

ضمير المتكلّم الجمع يستعمله الفتى الصغير للحديث عنه وعن أمثاله من المتسوّلين الصغار. ويمارس ممادو هذه المهمة بشكل يومي. يضيف: "يطالبنا المعلم بـ 500 فرنك إفريقي يوميا (دولارا واحدا)". أمّا رفاقه الـ 5، فقد انتشروا في المكان، ينحنون على نوافذ السيارات يطلبون ما تيسّر من العملات  المعدنية، إلى آخر اليوم دون أن يتحصلوا على الدروس التي من أجلها ذهبوا إلى المدرسة القرآنية، ليكتفوا بالتعلم لمدة "ساعة واحدة ما بين الخامسة والسادسة صباحا، وبمراجعة بعض الدروس قبل النوم"، إن لم ينل الإرهاق منهم، بحسب ما قاله أحدهم للأناضول.

 هؤلاء الصبية متواجدون في كلّ ركن من شوارع داكار.. هم تلاميذ المدارس القرآنية التي أنشأها المسؤولون عن المزارات، وقد يتعرض هؤلاء الاطفال إلى العقاب في صورة لم تكن  الحصيلة كافية. حسان با، من أصول غينية، هو أحد هؤلاء الصبية، يؤكد الجزئية الاخيرة في حديث مع الاناضول قائلا: "إذا لم نتمكن من جمع المبلغ المطلوب، يمكن أن نتعرّض إلى العقاب. نقوم  بكل ما في وسعنا لجمع الأموال المطلوبة من المزار، نتسول النقود والأرز وأي مواد أخرى يمنحنا إياها أصحاب القلوب الرحيمة".

وتاتي الغالبية العظمى من الأطفال المتسولين من البلدان المجاورة للسنغال، يرسل بهم أولياء أمورهم إلى داكار تحت ذريعة حفظ القرآن، وفور وصولهم إلى داكار، يجبرون على  التسول لفائدة معلميهم الذين يؤكدون على أن المبالغ المالية المتحصل عليها، إنما تخصص للعناية بهؤلاء الصبية، رغم مخالفة ذلك للقانون.

وفي المقابل، يستمرّ التلاميذ الصغار في دفع ثمن هذه الظاهرة المقيتة، ويبقى ما حصل في شهر مارس/آذار من عام 2013 حين تعرض 7 أطفال متسولين إلى حادث احتراق في  حي "المدينة" العشبي بالعاصمة داكار، من أفظع ما حصل في هذا الصدد، ما دفع الحكومة السنغالية حينها إلى اتخاذ تدابير حازمة لحظر نشاط التسول، وهي تدابير لم يقع احترامها بشكل  فعلي. أما آخر الاحداث المؤسفة المتعلقة بهذا النشاط، فتعود إلى شهر أغسطس/آب الماضي، حين قتل طفل ينتمي إلى إحدى المدارس القرآنية، فيما يتعرض عدد كبير من هؤلاء الاطفال إلى  حوادث مرورية أحيانا وإلى انتهاكات جنسية أحيانا أخرى.

المصدر: الأناضول