الحدث: محمد أبو الرب
ماذا يريد الرئيس؟ هو سؤال "المليون". والإجابات متعددة؛ بين من يراه عازم على الاستقالة فعلاً بحكم تقدم العمر وانسداد الأفق السياسي، ومن يظنه يريد "ترتيب البيت" أولاً لانسحاب تدريجي وآمن. وفي التوقعات مَن يشكك في جدية "الاستقالة" كونها ليست المرة الأولى، بينما يعتقد البعض أن "أبو مازن" لم يحسم أمره بانتظار ما سيحمله إليه النهر بعد فيض التسريبات.
أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح أمين مقبول أكد لـ "الحدث" أن الرئيس عبّر عن رغبته بعدم الترشح للجنة للتنفيذية لمنظمة التحرير. وقال إن اللجنة المركزية للحركة طالبته، بالإجماع، بالعدول عن هذا التوجه، والاستمرار في منصبه خاصة أن المرحلة تحتاج لرجل مثل "أبو مازن" بحكمته وحنكته وعلاقاته الدولية والعربية، والكلام لمقبول.
ويضيف: "نحن نتمنى أن يعدل عن موقفه ولكن في حالة إصراره، فعلى اللجنة المركزية أن تختار من بينها أو من قيادات الحركة من يخوض انتخابات اللجنة التنفيذية مرشحاً عنها". وتابع أن حركة فتح: "غير مستعدة لهذا الموضوع بعد، لأنه لم يناقش ولا مرة بشكل جدي، ولتمسكها بالرئيس أبو مازن. لكن إذا أصر فإن الحركة ستضطر إلى الخوض بالموضوع وبحثه جدياً".
وتابع مقبول: "أن حركة فتح لديها مؤسسات وأطر من خلالها يتم العمل واختيار مرشحها لخوض انتخابات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير".
وفيما يبدو وحسب مصادر مطلعة، فإن اجتماعاً آخر سيعقد للجنة المركزية لحركة فتح لاستكمال النقاشات التي بدأتها الأسبوع قبل الماضي في جلسة وصفت بالنارية بين الأعضاء، وزاد من سخونتها خبر عدم ترشح الرئيس عباس لرئاسة التنفيذية، وخصوصاً أن الحركة أبلغت "أبو مازن" أنه لا يمكنه مخالفة قرار الحركة باعتبار أنه مرشحها للتنفيذية وعليه القبول بذلك.
وترى أوساط قيادية في منظمة التحرير وحركة فتح بأن الرئيس عباس لن يتخلى عن مسؤوليته ولن يهرب من المسؤولية، ورغم شعوره بالمرارة لما آلت إليه أوضاع العملية السياسية.
وقال مسؤول: "أبو مازن ليس الشخص الذي يهرب من المسؤولية".
وهذا ما قد يبقي على رئاسته للجنة التنفيذية للمرحلة المقبلة.
وليس اللجنة المركزية لحركة فتح وحدها التي تطالب الرئيس عباس البقاء في منصبه والاستمرار به، بل أيضاً اللجنة التنفيذية أبلغته بأنها تعارض قراره بعدم الترشح وطالبته بالإجماع بإعادة ترشيح نفسه.
وتستدعي الفترة المقبلة حسب مسؤولين في اللجنة التنفيذية أن يبقى الرئيس عباس ليقود المرحلة المقبلة خصوصاً أن هناك قرارات للمجلس المركزي جرى التأكيد على تنفيذها بإعادة النظر بالعلاقة مع إسرائيل من جهة، واستمرار الجهود الدبلوماسية في المسرح الدولي خصوصاً انعقاد دورة الأمم المتحدة نهاية هذا الشهر ومشاركة فلسطين فهيا كدولة.
عضو اللجنة التنفيذية جميل شحادة يقول: "إن اللجنة مصرة على بقاء الرئيس في موقعه في قيادة منظمة التحرير والشعب الفلسطيني"، مضيفاً أن هذا ليس موقف مركزية فتح فقط، بل كافة المؤسسات، كما أنه موقف شعبي، معرباً عن أمله في أن يعيد الرئيس النظر في هذا الموقف.
وأعرب شحادة لـ "الحدث" عن خشيته في أن تتسبب استقالة الرئيس بحالة من الإرباك في أوساط الفلسطينيين، وقال إن استقالة الرئيس ستؤدي إلى ذلك الإرباك في الموقف الفلسطيني، وخاصة بعد الجهود التي بذلت من قبل القيادة الفلسطينية والرئيس عباس على المستوى الدولي والحصار الكبير الذي تعيشه إسرائيل وإصرار المجتمع الدولي على الانسحاب الإسرائيلي من حدود الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية.
وحسب شحادة: "فإن هذه الإنجازات على المستوى الدولي تستدعي الاستمرار وذلك من خلال الرئيس محمود عباس، وبدلاً من البحث في استقالة الرئيس محمود عباس قال شحادة إن المطلوب الآن أن يكون هناك برنامج سياسي يعزز تلك الإنجازات ودعم صمود أبناء الشعب الفلسطيني ودعم المقاومة الشعبية الفلسطينية.
وأضاف شحادة كذلك بأنه يجب أن يتواصل العمل من أجل إنهاء الانقسام وتوحيد جهود الشعب الفلسطيني لإلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وهنا أشار شحادة إلى الرئيس عباس ذكر أنه لن يترك الساحة الفلسطينية للفراغ أو للمجهول، ولكنه سيعمل على إجراء تعديلات في منظمة التحرير وحركة فتح.
في هذا الوقت يبدو أن رسالة من الرئيس عباس وصلت إلى المجتمع الدولي الذي يعرف تماماً جديته هذه المرة بالاستقالة، وإلا لماذا سارع كيري للاتصال به للمطالبة بضرورة استمراره بمهامه؟!
وفي هذا الإطار قالت تقارير صحفية إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري هاتف عباس وطالبه بعدم الاستمرار في موضوع الاستقالة بحجة أن المنطقة لا تحتمل أي فراغ سياسي فلسطيني، موضحاً أن أي فراغ سياسي الآن سيتم استغلاله من القوى المتطرفة. وذكر بيان رسمي صدر عن الرئاسة الفلسطينية أن الرئيس عباس اتفق مع كيري على عقد اجتماع أواخر الشهر الجاري في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة.
وإذا كان انسداد الأفق السياسي أكثر ما يؤرق الرئيس، فإن الاتحاد الأوروبي رأى على لسان وزيرة خارجيته فيدريكا موغاريني فرصة للعب دور أكبر وإطلاق مبادرة لإعادة إحياء عملية السلام بعد الاختراق الذي تحقق على جبهة إيران ولعبت دول أوروبية فيه دوراً هاماً. وفي هذا الإطار، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة دعوة لدول عربية هي الأردن ومصر والسعودية إضافة للأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي لحضور اجتماع ستعقده اللجنة الرباعية في نيويورك من أجل بحث سبل دفع عملية السلام المتعثرة أملاً في العودة إلى مسار المفاوضات.
وبالعودة إلى الفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير، فقد أكد أمين مقبول أنها جميعاً ستشارك في اجتماع المجلس الوطني في جلسته العادية وهي أعضاء في اللجنة التحضيرية التي تعد للجلسة.
ولكن تيسير خالد القيادي في الجبهة الديموقراطية رغم سابق ترحيبه بعقد الجلسة العادية للوطني، قبل الاعلان عن تأجيلها، كان قد أعرب عن خشيتهأن يكون في الأمر تطويعاً للنظام الأساسي باتجاهات غير نظامية وغير قانونية، والحديث لخالد: "سندخل في المحظور".
لكن خالد أعرب لـ "الحدث" عن أمله في أن يبلغ المجلس القانوني أملاً في إحداث تغيير جذري على مستوى الهيئات والمؤسسات التابعة له بما في ذلك المجلس الوطني.
وحسبما يرى خالد بخصوص استمرار الرئيس من عدمه: "مجرد حديث لا أكثر. لم نجد أنفسنا أمام أمر واقع علينا القبول به أو التعامل معه، وإنما مجرد أحاديث تتكرر باستمرار منذ فترة طويلة". وأضاف مشككاً: "الأحاديث التي تتكرر منذ فترة طويلة، أعتقد أنها لا تمثل موقفاً نهائياً، ولهذا لا نتعامل معها بصراحة ووضوح". وتابع: "عندما نجد أنفسنا أمام واقع يفرض علينا أن نتخذ القرار سنتخذ القرار، لكن لا نناقش الأمور وفق ما هو افتراضي، ليس هكذا تدار السياسة".
وتابع خالد: "حتى الآن غير مضمون الوجهة التي سوف تسير عليها الأمور عند انعقاد المجلس بعد الاستعداد الجيد له، فأعتقد أننا سنكون أمام استحقاق جدي ليس فقط انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، وإنما لكل هيئات اللجنة التنفيذية بما فيها المجلس الوطني، ونأمل أن يتم تجديد الهيئات وضخ دماء شابة جديدة إليها".
ويرى خالد أن المطلوب غير النواحي السياسية والإدارية هو أن لا يجدد المجلس أطره فقط وإنما تجديد السياسية وتغيير نوعي جوهري في هذه السياسة التي سارت عليها الهيئات القيادية في منظمة التحرير منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، يجب أن يتوقف المجلس الوطني أمام الواقع الذي فرضته اتفاقيات أوسلو وهو واقع كارثي بكل المقاييس وكل الأبعاد، لم يبق للشعب أرض يقيم عليها دولته، أرض تبتلع والأراضي الفلسطينية تحاصر في معازل وكنتونات، ولهذا نطالب بتغيير جوهري بالسياسية بالتوقف أمام هذه الاتفاقيات المجحفة والمذلة ووقف العمل بها دون تردد لأن إسرائيل لا تتعامل بهذه الاتفاقيات ، لذلك إذا كنا بحاجة إلى تجديد في الهيئات نحن بحاجة أكثر إلى تغيير في السياسات.
بدوره، دعا الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين إلى التريث، وقال إن: "الرئيس لم يعلن أنه لن يرشح نفسه، وإنما هناك من نقل عن الرئيس أنه لا يريد الترشح". وأعرب شاهين عن اعتقاده بأن الرئيس يربط الاستقالة من عدمه بخطة ينوي تنفيذها تتعلق بترتيب الأوضاع الداخلية سواء على مستوى منظمة التحرير عبر جلسة المجلس الوطني، أو حركة فتح من خلال مؤتمرها السابع".
وأوضح شاهين لـ "الحدث" أنه: "إذا شعر الرئيس أنه قادر على ترتيب الأدوات بطريقة تأتي بلجنة تنفيذية ومركزية مطواعة لسياسته فإنه لن يستقيل، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار المطالبات الإقليمية والدولية له بالبقاء في منصبه". واستدرك شاهين: "لكن إذا وجد أبو مازن أن خطته ستواجه مصاعب في جلسة المجلس الوطني القادمة، وهو الأمر الذي يعتمد على الأعضاء وكيفية إجراء الانتخابات للجنة التنفيذية، فمن المتوقع أن يقدم استقالته".
وكان من المقرر أن تجري جلسة المجلس الوطني منتصف الشهر الحالي، إلا أن عديد المطالبات الفصائلية والشخصيات العام أدى إلى تأجيلها لغايات الإعداد الجيد وضمان مشاركة الجميع.