لكل واحد منا حكايته مع العيد، وهنا تبدو حكاية المرح مرهونة بطائرة ورقية أو عروس قماشية أو بندقية بلاستيكية أو مرجوحة خشبية أو ربما بهاتف ذكي؛ هي قائمة باسماء ألعاب العيد، تلك التي تناقلتها الأجيال في فلسطين؛ لتبرهن على تشبثها بمتعة هذه الألعاب، والتي ربما تغيرت في أشكالها وأحجامها وألوانها.. لكن فكرة المرح والاحتفاء بها ما زالت باقية حتى وقتنا الراهن.
أحياناً ليس من السهل عليك أن تسترجع شريط ذكرياتك لأكثر من سبعين عاماً خلت ... لكن هذا الأمر يبدو مشوقاً أو ربما مؤلماً للمواطن سعدي أبو الحلاوة وهو يصف العيد في مدينته يافا.. حيث ما تزال صورة طائرته الورقية الملونة ماثلة أمامه، تلك التي كانت تُمثل له لعبة العيد المفضلة ...!
المواطن أبو الحلاوة (78 عاماً) الذي ذاق مرارة اللجوء القسري نتيجة نكبة العام 1948، يروي ذكرياته عن ألعاب العيد في يافا، قائلاً: "كان العيد في قريتي "روبين" مناسبة جميلة جداً.. وما زلت أتذكر طقوس وأجواء العيد خاصة المراجيح الخشبية وركوب العربات التي كانت تجوب القرية، وما زلت أتذكر أيضاً الطائرات الورقية التي كنا نطلقها عالياً فوق البحر ...".
خبرني عن ألعابكم في أعيادكم..؟!
هذا الوصف لا يختصر حكايات الفلسطينيين وذكرياتهم وحنينهم لألعاب العيد.. بل يروي واحدة من هذه القصص التي يتناقلها الأجيال، ويحتفظون بها ويسترجعونها دائماً، وتبدو هذه الحكايات ملهمة أكثر حين توجه لأحدهم سؤالاً :"خبرني عن ألعابكم في أعيادكم.."؟!.
هذا وتتشابه قصص الأطفال الفلسطينيين وحكاياتهم حول ألعاب العيد مع غيرهم من الأطفال من مختلف البلدان العربية؛ فالظروف الراهنة التي تمر بها دول العالم العربي جعلت هذه الحكايات تبدو متشابهة ومشتركة، حتى أن ألعاب الرشاشات والبنادق البلاستيكية تبدو موحدة لمختلف البلدان العربية خاصة في العراق وسوريا ومصر واليمن وغيرها، لكن عند الحديث عن الحالة الفلسطينية يبدو أن الألعاب ما تزال مرتبطة بذاكرة النفي والتشرد والصراع واثبات الوجود والبقاء، حتى أن الجيل القديم حين تسأله عن "لعبة العيد" يبدو للوهلة الأولى انه لا يتذكر شيئاً أو يبدو له السؤال غريباً وكأن الألعاب لم تدخل في قاموسه، لكن حين ينبش ذاكرته بمعول التذكر تفقز أمامه كل الذكريات، ومنها ذكريات ألعاب العيد، مرة واحدة..!
العروس القماشية
قبل أربعين عاماً لم تكن تتخيل السيدة نهاية عبد الهادي (50 عاماً) يوم العيد دون وجود "عروستها القماشية" هذه اللعبة التي كانت تصنعها لها والدتها من القماش وبعض القطع المعدنية والأزرار، وعن هذه العروسة – اللعبة تحدثت: "في العيد كنت التقي بصديقات الحي .. كل واحدة منا كانت تحضر لعبتها القماشية .. كانت وقتها تمثل لنا سعادة كبيرة حيث أن "الدكاكين" الموجودة لم تكن تعرض أية ألعاب للصغار ... والعروس القماشية هي لعبتنا الوحيدة..".
في زمن الأجهزة الذكية
ومن العروس القماشية إلى ألعاب العرائس الإلكترونية، التي يمكن أن تغير شكلها ولونها وثيابها "بكسبة واحدة على الأجهزة الذكية" حيث تقول الطفلة ماسة محمد (13عاماً) : "انتظر قدوم العيد حتى أذهب مع عائلتي إلى مدينة الملاهي، وأكثر ما يشعرني بالفرح أن اقضي وقتاً طويلاً يوم العيد باللعب على جهاز الحاسوب وأن استمتع بلعبتي الالكترونية المفضلة وهي تجهيز العرائس ..".
ولا يمكن هنا تجاهل ارتباط التكنولوجيا ومساهمتها في فرض شكل جديد أو نمط أعاد تشكيل "قائمة" ألعاب العيد، وهذا الواقع الجديد ارتبط أيضاً ببعد "العولمة" التي حسب الباحث الصالحي يشير إلى انعكاسها على الثقافات داخل المجتمعات، من حيث ثقافة اللباس والطعام والغناء وحتى لعب الأطفال.
معارك ... وأسلحة !
أما عن ألعاب الصبيان فما تزال البنادق والمسدسات البلاستيكية تحتل الصدارة في قائمة الألعاب المحببة، وقبل سنوات كانت الأسلحة الخشبية تصنف ضمن الألعاب الوحيدة لدى الذكور في يوم العيد.. وعلى الرغم من تعدد خيارات اللعب في وقتنا الراهن، إلا أنها الأكثر رواجاً بقوامها البلاستيكي حتى الآن، وما تزال أيضاً الساحات العامة والمتنزهات تشهد على "المعارك الطاحنة" التي تدور بين الصغار الذكور وهم يتقاسمون أدوارهم ومسمياتهم "الحربية"...!
ألعاب العيد بمنظار علم الاجتماع
في تفسيره لتغيير أشكال وأنماط اللعب لدى الأطفال، على مر الأجيال، أشار الباحث الاجتماعي عبد العزيز الصالحي قائلاً:" كانت ألعاب الأطفال قديماً تأخذ الشكل الاعتيادي لألعاب الأطفال، كالألعاب الشعبية، والتعب الجسدي، والحركة، والإبداع من خلال تسخير المحيط للهو، لكن اليوم، ومع اختلاف منظومة الثقافة السائدة، وتحولها من نمط إنتاج زراعي - حرفي إلى نيوليبرالي عالمي بشكل مباشر دون المرور بمراحل الانتقال للصناعي والاكتفاء بالخدماتي،أصبح كل ما يتم انتاجه في المجتمع مسلع، من ألعاب الأطفال ابتداء بالسيارات المصنعة لهم وانتهاء بالآيباد والألعاب الالكترونية".
ويعتقد الباحث الصالحي أن حقيقة هذا التحول في شكل ألعاب الأطفال عبر الأجيال المتعاقبة قد تم ترسيخه من خلال السوق الحرة التي اكتسحت معظم محافظات فلسطين من خلال التسويق؛ الذي عمل على إعادة انتاج احتياجاتنا فكرياً وجسدياً؛ تطويعاً لمنظومة رأس المال.
ذكريات العيد على حائط الفيسبوك
وعبر صفحته على الفيسبوك، نشر مدير عام المتابعة الميدانية في وزارة التربية والتعليم العالي محمد القبج، نصاً حمل عنوان: "الأطفال والعيد قبل خمسين عاماً" حيث استطاع من خلاله أن يسرد تفاصيل ربما هي أشبه "بسيرة حياة يوم العيد" تحدث فيها أيضاً عن ألعاب الأطفال في العيد، حين كتب: "بعد ذلك ينطلق الأطفال إلى وسط البلدة وإلى الميادين أو البيادر، وكانت ألعابهم تقليدية ومصنوعة يدوياً، وكان أهم ما يميزها المراجيح التي يقوم ببنائها بعض الرجال أيام العيد من ألواح الخشب التي تستخدم للبناء والحبال القوية، وينتظر الأطفال في طابور حتى يحصلون على دورهم في ممارسة هوايتهم وذلك مقابل أجر عدد من الدورات يدفعونه لصاحب المرجيحة، ويتابعون بعد ذلك لممارسة بعض الألعاب الشعبية التي كانت سائدة آنذاك، "الجلول" أو "البنانير" أو الركوب على الخيل أو بعض الألعاب الجاهزة رغم قلتها وبساطتها".
تجارة الألعاب..أسواق وأذواق
وحول الألعاب الأكثر رواجاً في موسم الأعياد تحدث أحد تجار الألعاب والهدايا بقوله: "بالحقيقة أكثر ما يتم بيعه خلال العيد هي الأسلحة البلاستيكية والألعاب التي تعمل بأجهزة تحكم عن بعد كالطائرات والسيارات.. وما زالت أيضاً العرائس البلاستيكية مثل "باربي و فلة" تستحوذ على اهتمامات الزبائن وأذواقهم خاصة من فئة الفتيات الصغيرات...".
وفي سؤال للتاجر حول تراجع اقبال الأطفال عن هذا النوع من الألعاب، خاصة في السنوات الأخيرة، أجاب: "لا اعتقد هنالك تراجع تحديداً في الأعياد والمناسبات التي يزداد الطلب فيها على الألعاب .. لكنني أشارك الرأي مع من يفسرون تراجع الألعاب البلاستيكية وغيرها؛ نتيجة أجهزة الموبايل الذكية وغيرها من الأجهزة التكنولوجية الحديثة ...".
وعن واقع الانسجام أو التأقلم بين ألعاب الأجيال المتفاوتة، قال الباحث الصالحي: "لا يمكن الحديث هنا عن وجود أي انسجام بين الجيل القديم والجديد؛ لأن احتياجات الجيل الجديد تم انتاجها بما يختلف عما كانت للقديم، بالتالي من الصعب نقل التجربة بشكل سلس ومشاركتها عبر الأجيال المختلفة..".
طيري يا طيارة
على الرغم من فقدان الأعياد لجزء من خصوصيتها، في كل مرة تأتي بها، لأسباب كثيرة، إلا أن البهجة التي تصنعها ألعاب العيد، باختلاف أشكالها وموادها، بلاستيكية أو قماشية أو خشبية أو غيرها، تبقى تشكل فارقاً أساسياً وسط كل ما يحدث من تغيرات؛ فالطائرة الورقية بألوانها الزاهية ومكوناتها المتواضعة، ما زالت تحلق عالياً عالياً حتى عندما تغني السيدة فيروز لحنينها "طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان... بدي ارجع بنت صغيرة ع سطح الجيران"...!