الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رصاصة شاردة تنهي حياة طفل يوم ميلادة

الافراح والمناسبات.. مفخرة حضارية أم مقبرة جماعية

2015-09-15 04:07:15 PM
رصاصة شاردة تنهي حياة طفل يوم ميلادة
صورة ارشيفية

 

تقرير:آية ابو عيسى

قُبيل دخوله عامه الجديد، وشراء كتبه وقرطاسيته وحلته المدرسية، ومع تزامن العام الدراسي، رسم القدر ورصاصة الطيش للطفل عماد دويكات واقعاً مريراً، تتناول حسرتها أسرته التي خيم الحزن عليها وحول فرحهم إلى فاجعة، فلم تدع رصاصة الفرح الطفل عماد دويكات البالغ من العمر اثنتي عشر عاماً من أن يُكمل فرحته بالرقص واللهو مع أصدقائه وأقربائه  لتصيبه في راسه، وتعلن وفاته في أول أيام السنة الدراسية، ولتجعل من يوم ميلاده ذكرى مؤلمة.

في ساعات المساء، خرج الطفل عماد  مع أسرته وأقربائه إلى حفل الزفاف في قرية عراق التايه، ولم يكن عماد حينها، يدرك أن رصاصة موت طائشة أطلقها أحد الأشخاص من مسدسه، ستسقط وتنهال على رأسه الصغير وتخترقه وتودي بحياته.

"قضاء الله وقدرة" بهذه العبارات بدأ الأب محمد دويكات 40 عاماً الحديث عن الفاجعة الأليمة التي أدت إلى وفاة ابنه الطفل عماد وقال: "ذهب ابني برفقة عمه وأولاد عمه إلى حفل أقربائنا، حيث كان الحفل جبهة حربية مفتوحة، وأثناء تواجد طفلي في الحفل قام أحد المدعوين من حاملي السلاح بإعطاء شاب يبلغ من العمر ستة عشر عاماً المسدس ليطلق النار في الهواء،  ونتيجة لعدم معرفتة باستخدام السلاح علقت الرصاصة في بيت النار لتخرج وتستوطن برأس طفلي عماد".

 يعجز الوالد عن إخفاء دموعه وهو يستذكر ما جرى في ذلك المساء: "رن هاتفي المحمول وتسارعت دقات قلبي مع علو صوت الهاتف، ليخبروني أن عماد استهدفته رصاصة طائشة اخترقت رأسه".

سريعاً نقل الطفل إلى المستشفى، لكنه وصل في حالة وفاة دماغية، حيث دمرت الرصاصة  المجرى التنفسي والأعصاب التي تتحكم بالحواس الخمسة لدى الطفل.

يتابع والد الطفل تفاصيل الحادث: "عند وصولنا إلى مستشفى رفيديا بقي عماد ينزف ست ساعات متواصلة وذلك لعدم وجود دكتور أخصائي أعصاب، لكن السيد طلال دويكات قام بجميع الإجراءات اللازمة لنقلة إلى إسرائيل، لكن إدارة المستشفى رفضت نقلة نظراً لسوء حالته وتدهور وضعه الصحي، كان الوقت يداهمنا ولم يكن باليد حيلة سوى الانتظار، حتى جاء الدكتور حميد المصري اختصاصي جراحة الدماغ والأعصاب، وقام بنقله إلى مستشفى نابلس التخصصي، وهناك خضع لعملية إيقاف النزيف المتواجد في رأسه، وبعد انتهاء العملية دخل عماد في غيبوبة طيلة فترة تواجده في المستشفى حتى وفاته".

وتحدث دويكات: "توجهنا إلى القانون والعدالة علّها تأخذ بحقنا وحق طفلي الذي ذهب ضحية مجتمع ينقصة الأمن والأمان، واعترف الجاني (ف.ج.ح) وصاحب السلاح (ر.ج.ح) بما اقترفتة ايديهما بطريقة غير مقصودة من إطلاق النار وإصابة طفلي عماد ووفاتة". وتابع لا توجد عداوة بيننا وبين عائلة مطلق النار، لكن لا بد من تطبيق القانون ليكونوا عبرة لغيرهم وحتى تأخذ العدالة مجراها".

وقال: "القانون يطبق على ناس وناس، لا أعرف إلى يومنا هذا لماذا لا يطبق القانون على الجميع على الرغم من أننا نسمع توجيهات سامية بتطبيق القانون على الجميع، ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي. القانون يطبق فقط على الفقراء والأشخاص المنتمين إلى حماس".

في المقابل، أُودع مطلق النار وصاحب السلاح السجن، في انتظار محاكمتهما، وسط إصرار عائلة الطفل، على عدم التنازل عن حقهم، حتى ينال العقوبة الرادعة.

"لبستو الكفن بدل من ملابس المدرسة" بصراخ اخترق جدران الغرفة من حدته، وبدموع تخنق صوتها الدافئ بدأت حديثها والدة الطفل أم عدي 32 عاماً، وقالت: "ذاك المساء لم أكن متواجدة في المنزل، ذهبت لزيارة أختي، وأثناء عودتي سمعت أشخاصاً يتحدثون عن إصابة طفل صغير، بخطوات متسارعة قصدت بيتي الصغير لأ تفقد أبنائي فلم أجد أحداً، علمت بعدها أن عماد أصيب في قدميه، توجهت إلى المستشفى بسرعة الريح، لأتفاجأ بوجود  ابني في العناية المركزة قابعاً فيها ينزف دون مسعف أو طبيب، عندها خضع لعملية جراحية قضى فيها أربع ساعات، خرج الدكتور حمدي المصري ليقول لي: "وضعه حرج، ابنك مش نافع"".

"ابني مات وأخذ  قلبي معه" بهذه العبارات ترثي أم عدي طفلها عماد الذي كان سيتأهل لدخول الصف السابع، فقبل أسبوعين من وقوع الحادث جهزت الأم ما يحتاجه عماد من مستلزمات مدرسية، ولكن لم تسمح له رصاصة الفرح من إكمال مراحله الدراسية.

تتجرع أم عدي مرار الحزن وعلقم الصبر على وفاة ابنها وتقول: "قضى طفلي اثني عشر يوماً في المستشفى قبل وفاتة، كنت أجلس طويلاً أراقب عماد من خلف غرفة العناية المركزة، كان راسه كبيراً متضخماً لم أعرفه، وكأنه ابن خمسة وعشرين عاماً قابعاً فوق سرير مليء بالأسلاك والأجهزة، كان جثة هامدة لا تثير حراكاً، قلتها ذات مرة أن عماد سيتوفى يوم عيد ميلادة وها هو الآن ذهب إلى مثواه الأخير، تاركاً وراءه قلب أم محترق عليه وحاقد على أولئك الأشخاص الذين يريقون دماء الأبرياء دون أي مسؤولية أو محاسبة.

بدوره أوضح محافظ نابلس اللواء أكرم الرجوب: "أن ظاهرة إطلاق النار في المناسبات والأفراح تعد من الظواهر السلبية والخطيرة جداً في مجتمعنا الفلسطيني، حيث أنها أودت بحياة العديد من الأبرياء إضافة إلى إصابة الكثير من المواطنين، فباتت تؤرق وثؤثر على أمن واستقرار المواطنين الذين همهم الأول والأخير العيش بسلام بعيداً عن أي مظاهر سلبية تشكل خطراً على حياتهم وحياة أبنائهم".

وأضاف الرجوب: "لا بد من التعامل مع هذه الظاهرة بخطين متوازيين: الأول هو اتخاذ إجراء أمني في ملاحقة السلاح غير الشرعي وملاحقة جميع العابثين بهذا السلاح، بغض النظر عن المناسبة التي يستخدم فيها السلاح، وهذا يتطلب إجراءات مشددة من قبل المؤسسة الأمنية، أما الإجراء الثاني والذي يوازي الإجراء الرسمي، فهو العمل على تطوير ثقافة المجتمع باتجاه منع حيازة السلاح غير الشرعي واستخدامه في المناسبات، وتأسيس ثقافة وطنية شاملة لا تقبل بأن تشكل غطاء لهذا السلاح تحت مبررات وشعارات لها علاقة بالوطن والوطنية، فالسلاح الذي يعبث بأمن المواطن ويشكل خطراً على حياته هو سلاح غير وطني ويضر بالمصلحة الوطنية".

ودعا إلى ضرورة وجود جهود مبذولة من جميع المؤسسات الرسمية والمجتمعية والأهلية لتطوير ثقافة المجتمع، لتكون ثقافة رافضة لكل المظاهر السلبية، وتحديداً ظاهرة حمل السلاح واستخدامه، وقطع الطريق أمام العابثين بأمن الوطن والمواطن.

وفيما يتعلق بحادثة الطفل عماد دويكات، رفض محافظ نابلس اللواء أكرم الرجوب ادعاءات العائلة المتعلقة بعدم إلقاء القبض على الفاعلين، واصفاً إياها بغير الصحيحة ولا تمت للواقع بصلة، مؤكداً أن مطلق النار وصاحب السلاح كليهما في السجن، فأين موضوع الغني والفقير؟ وأين قضية الضعيف والفقير؟ وأين موضوع حماس وفتح؟ هذه حادثة جنائية ليس لها علاقة بابن فتح أو حماس.

وتابع الرجوب: "عندما يفقد المواطن أحد أفراد عائلتة أو أقربائه يصبح متشدداً ومتطرفاً ويرتفع صوته أمام السلطة التنفيذية ويطالب بضرورة الضرب بيد من حديد على كل من يطلق النار في الأفراح والمناسبات، لكن بعد تجاوز أزمته العاطفية والنفسية على ما فقدة، تجده يدعو إلى التسامح وإسقاط الحق ويسعى لإخراج الجاني من السجن لأنه قام بصلح عشائري".

وفيما يتعلق بالإجراءات العشائرية، قال يحيى الجمال مدير دائرة العشائر والإصلاح: "على صاحب الحفل أخذ إذن من الشرطة، يتم من خلاله توقيع صاحب الحفل على تعهد بعدم إطلاق النار، وتكون قيمة هذا التعهد المالية عالية جداً، وفي حالة تم إطلاق النار يتحمل المسؤولية كاملة ويتم توقيفه ودفع الغرامة المالية المترتبة عليه خوفاً من وقوع مصائب كتلك التي حدثت في الفترة الأخيرة".

وأضاف: "في البداية وعند حدوث حالة القتل أو وقوع إصابة، تؤخذ عطوة دفن مدتها ثلاثة أيام وثلث، ويتم تحديد العطوة لعدة أيام لأخذ عطوة أخرى تسمى "إقرار واعتراف بالحق" وتقوم هذه العطوة على "فرش" مبلغ من المال متفق عليه بين وجهاء الخير وأهل الجاني والمجني عليه وبالأخص مع أهل المجني عليه، مدتها من شهر إلى سنة، ومن خلالها يتم البحث في الصلح ما بين أطراف النزاع، وفي حال رفض أهل المجني عليه، يتم تحديد العطوة لعدة مرات وذلك للتوصل إلى اتفاق وصلح بين الأطراف".

وتابع الجمال: "لا بد من إيقاف عملية إطلاق النار في المناسبات والحفلات، فهي تعد تصرفاً غير مسموح به لأي شخص كان، ومن يطلق النار يعتبر خارجاً عن الأعراف العشائرية والقانون مهما كان شخصه أو علا مقداره، فظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات تعد خسارة للشعب الفلسطيني حين يفقد أبناءه أو يصاب أحدهم، وتعتبر تصرفاً غير لائق نظراً لإزعاج المواطنين وتخريب للممتلكات العامة".

وأصدرت لجنة التنسيق الفصائلي في محافظة نابلس يوم الثلاثاء بياناً يتعلق بمطلقي النار في الأفراح وجاء فيه: "في الآونة الأخيرة تنامت سلوكيات فردية لدى عدد محدود من أبنائنا باندفاع جنوني لإطلاق النار والمفرقعات في الأعراس والمناسبات الاجتماعية التي في أغلب الأحيان يصاب بها أناس أبرياء وتتحول هذه المناسبات السعيدة إلى مآتم وأحزان. هذه السلوكيات التي ندينها ونستنكرها وندعو الجميع لعدم القبول بها أو استقبال مطلقي النارفي الأعراس والمناسبات، وعدم الترحيب بهم ونبذهم في المناسبات الاجتماعية".

وطالبت لجنة التنسيق الفصائلي الأجهزة صاحبة الاختصاص بملاحقة الخارجين عن القانون ومطلقي النار والمفرقعات في الأعراس والمناسبات الاجتماعية، وملاحقة حاملي السلاح غير المرخص وإنزال أقصى العقوبات بحقهم".

ونظراً لتزايد ظاهرة إطلاق النار في الأفراح والمناسبات، قال المحامي خالد رشيد: "هناك قانونان يجرمان مسألة إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس، قانون الأسلحة النارية والذخائر وقانون العقوبات، فقانون الأسلحة النارية والذخائر رقم (2) لسنة 1998 ينص على عدم حيازة الأسلحة النارية دون ترخيص، ومنع ترخيص بعض أنواع السلاح مثل أسلحة الرشاشات، ويجب أن يكون السلاح مرخص ولغاية معينة تبرر استخدامه، ولا بد من وضع إجراءات وشروط لترخيص السلاح".

وتابع: "أما قانون العقوبات رقم(12) لسنة 1960 يشير إلى أن استخدام أحد المتجمهرين للسلاح يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات في حالة عدم وجود إصابة، أما في حال استعمل السلاح ونتج عنه إيذاء وإصابة إحد، قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، فإذا نتج من الإصابة قتل وكانت عن قصد  يعاقب الجاني قصداً بالأشغال الشاقة و15 سنة حبس، أما إذا كان القتل عن غير قصد فيعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة".

وأضاف: "في القانون يعتبر القتل الحاصل في الأفراح نتيجة لإطلاق النار هو قتل عن قصد، ولا مجال لاعتباره قتلاً عن غير قصد، والسبب في ذلك أن القتل عن غير قصد يشترط به أن تكون الأداة غير قاتلة، وفي المقابل يعتبر المسدس أداة قاتلة".

واعتبر المحامي خالد رشيد ظاهرة إطلاق النار في المناسبات أنها ظاهرة إيذاء عن قصد حتى وإن لم تتواجد النية الجرمية للقتل المقصود، وذلك أن من يطلق النار في مكان يتواجد به الأطفال وجمهور من الأشخاص عليه أن يتوقع في أي لحظة أن يصاب أو يقتل أي شخص متواجد في الحفل، وبالتالي فإن فعله يشكل جريمة قتل أو إيذاء مقصود.

يبقى السؤال، إلى متى سنظل تحت سيطرة وتخلف وجهل العرف العشائري؟ وهل ستُسقط عائلة دويكات على خلفية الصلح العشائري حق طفلها عماد الذي توفي إثر إطلاق النار من أشخاص خارجين عن القانون؟ وكم من البشر سيذهبون ضحية التهور المستفحل جراء إطلاق الرصاص في تلك المناسبات ذات الفرحة المؤقتة؟