#الحدث-وكالات
على الرغم من أنّه اعتزل الحياة السياسيّة لفترةٍ مُحددةٍ، إلّا أنّ الوزير السابق، غدعون ساعر، من حزب الليكود الحاكم، بحسب المُحللين الإسرائيليين، سيعود إلى الحلبة السياسيّة وسيُنافس على منصب رئاسة الوزراء في إسرائيل، وبالتالي، فإنّ الدراسة التي أعدّها تكشف للمرّة الأولى ما يُفكّر فيه صنّاع القرار في تل أبيب. فقد رأت دراسة إسرائيليّة جديدة أعدّها وزير الداخلية الإسرائيليّة السابق، غدعون ساعر، والجنرال المُتقاعد غابي سيبوني، من مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابع لجامعة تل أبيب، ونشرتها صحيفة (معاريف)، رأت أنّ تقسيم سوريّة إلى كيانات طائفيّة هو الحلّ.
وأضافت الدراسة أنّه حتى مع أزمة اللاجئين والكشف عن التدخل الروسي العسكري في سورية، ما يزال من غير الواضح ما إذا كان سيتبلور جهد دولي يقوم بشيء من أجل وقف سفك الدماء. وبرأيهما، فإنّ كل جهد سيبذل من أجل حل الأزمة يجب أنْ يُقّر بأنّ سوريّة كدولة ذات سيادة لم تعد موجودة، وأنّه لن تنشأ على أراضي هذه الدولة في المستقبل المنظور دولة مستقلة موحدة ذات سلطة مركزية فاعلة.
وفي الحقيقة، أوضحت، فإنّ الأمل الذي يدفع أطرافاً في المجتمع الدولي إلى التفكير بأنه من الممكن إعادة العجلة إلى الوراء وبناء سورية “القديمة” من جديد حول سلطة موحدة، لا أساس له في الواقع. بناءً على ما تقدّم، يجب التركيز على البحث عن بديل عملي للدولة السورية، وبلورة خطة قابلة للتطبيق، تكون خطوطها العامة متفقًا عليها ومقبولة من جانب الأطراف في المنظومتين الإقليمية والعالمية، مُشيرةً إلى أنّ كل خطة إستراتيجية تُوضَع من أجل إعادة الهدوء إلى سورية وتحديد مستقبلها يجب أنْ تنطلق من افتراض أساسيّ واضح هو أنّ سورية المفككة والمقسمة لا يمكن توحيدها من جديد.
وزادت الدراسة قائلةً إنّ الحل السياسيְ الجديد في سورية الذي يستند إلى تقسيمها إلى عدد من الكيانات السياسية يمكن أنْ يتخذ طابعًا فدراليًا أوْ كونفدراليًا، وسيُساعد الحل المقترح في التخفيف من الاحتكاكات بين الجماعات المختلفة وفي تقليص خطر الحرب المستدامة. كما أنّه سيؤمّن حماية الأقليات من خطر قوات إسلامية – راديكالية من بينها “داعش”. وستكون من بين النتائج المرافقة لإعادة الاستقرار إلى الساحة على هذا الأساس، لجم التداعيات السلبية للقتال التي تشكل خلفية للتطرف الإسلامي – الراديكالي، وانعكاساته على المحيط الإقليمي وبصورة خاصة على الأردن ولبنان، على حدّ تعبير الدراسة، التي قامت المؤسسة الفلسطينيّة للدراسات في بيروت بنقلها إلى اللغة العربيّة. وساقت الدراسة مُوضحةً أنّ للفكرة المقترحة جذور في التاريخ السوري، فخلال حكم الانتداب في المشرق أقام الفرنسيون على أراضي سورية خمس مناطق شبه دولة على أمل تطويرها كي تصبح سلطة ذات سيادة في المستقبل.
وانطبع الحكم الذاتي العلوي والدرزي بالطابع الإثني – الديمغرافي، وجرى تأسيس أربع من أصل خمس دول في أيلول (سبتمبر) 1920. وأسست “دولة الدروز″ بعد سنتين من ذلك. وربطت الفكرة الفرنسية الأساسية بين تركيبة الدولة والتطلع لحماية الأقليات. وفي سنة 2013 أعلن الأكراد في سورية قيام إقليم كردي مستقل، ونشروا مسودة دستور ودعوا إلى انتخاب برلمان. وبرأي الدراسة، تتركز مخاوف الأكراد والدروز اليوم على الخطر الذي يتربص بهم من جهة “داعش” وسائر التنظيمات السنية المتطرفة. ولفتت إلى أنّ المشروع الكرديّ في سورية يرتبط بالأقلية الكردية في العراق وتركيا وبرؤية بناء شعب ودولة مستقلة على جميع أراضي “كردستان الكبرى”. من هنا، ثمة تحد كبير في الحصول على دعم تركيا لتسوية تشمل كيانًا سياسيًا كرديًا على أراضي سورية، ولكن من المحتمل أنْ يُساعد التوضيح الغربي لتركيا بأنّ الكيان الكردي لن يمتد خارج حدود سورية في التخفيف من المعارضة التركية المتوقعة.
وزادت الدراسة قائلةً إن التطلع الوطني الدرزي نحو دولة مستقلة أقّل من التطلع الكردي، ويتركز اهتمام الدروز اليوم على الوجود. لكن في ظل الظروف الحالية، فإنّ حكمًا ذاتيًا درزيًا في جنوب سورية، من الممكن أنْ يلاقي استحسانًا من الدروز في إطار الحل المقترح، ويُمكن التقدير أنّ هناك أطرافًا إقليمية ودولية ستدعم قيام مثل هذا الكيان، لأنه سيشكل حاجزًا بين الأردن جنوبًا والمنظومة السنية الراديكالية في وسط سورية.
ووفقًا لمُعدّي الدراسة، تتلاءم هذه الخطة مع مصالح أغلبية اللاعبين الدوليين والإقليميين المهتمين بإعادة الهدوء إلى سورية ولجم “داعش”، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، والنظام في كل من الأردن ولبنان وإسرائيل. لكن مع أنّ هذا الأمر يتلاءم مع مصالح إسرائيلية، فمن غير الصائب أن تطرح إسرائيل الموضوع على المنظومة الدولية. لكن يتعين عليها، مع ذلك، المحافظة على مصالحها الحيوية في منطقة الحدود.
وتابعت قائلةً إنّ المقاربة الروسية والإيرانية لا بدّ أنْ تشمل إدراك أن استمرار القتال سيعرض للخطر مواقعهما في سورية، وأن المحافظة على مصالحهما ستكون من خلال علاقاتهم مع الكيان العلوي. وبذلك تستطيع روسيا المحافظة على مصلحتها في منطقة الساحل ومرفأ طرطوس. وأكّدت الدراسة على أنّ استمرار الحرب في سورية معناه مذبحة ولجوء وإرهاب، وحتى خطر السيطرة المطلقة للمعسكر السني الردايكالي على سورية كلها، وفي المقابل، فإن تحركًا منسّقًا ومنظمًا، الذي غايته “فصل قوات” بين الأغلبية السنية في سورية والأقليات التي تعيش على أراضيها ويجري تنفيذه بدعم وقيادة دولية، سيكون الحل الأصح والطبيعي القادر على تحقيق الاستقرار.
وخلُص الوزير السابق ساعر ورئيس شعبة البحث في الاستخبارات العسكريّة (أمان)، خلُصا إلى القول إنّه قبل نحو 100 سنة جرى توقيع اتفاق سياكس – بيكو الذي قسم المشرق إلى دول قومية من دون أنْ يأخذ في الاعتبار الارتباط الوثيق بالهوية والتجانس الديمغرافي، وحان الوقت لوداعه، على الأقل في سورية حيث الوقائع فرضت ذلك، والآن جاء دور السياسيين، على حدّ تعبيريهما.