الحدث- عدنان كريمة
في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الاميركي باراك اوباما عن رصد 33 مليار دولار التزامات جديدة لتنمية افريقيا، واستعداد الشركات الاميركية لاستثمار أكثر من 14 مليار دولار في القارة السوداء، تشهد خارطة الاستثمار العالمية والعربية تحولات جديدة تبرز فيها المزيد من الفرص والتحديات، مع العلم أن الادارة الاميركية في خطوتها الاستثمارية، تهدف دخول "ساحة المنافسة" في احدى المناطق الواعدة التي ستسجل نمواً وفق صندوق النقد الدولي بنسبة 5.8 في المئة في العام 2015، خصوصاً أن الاتحاد الاوروبي متفوق على أكبر قوة في العالم بفضل علاقاته التاريخية والاستعمارية لبعض الدول الافريقية، وكذلك الصين التي سجلت رقماً قياسياً في تبادلها التجاري مع القارة السمراء بلغ 210 مليارات دولار في العام 2013، مقابل فقط 85 مليار دولار بين واشنطن والبلدان الافريقية.
وفي ضوء التطورات السياسية والأمنية وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية، وبين التفاؤل وعوامل الحذر، تبرز أهمية اتجاهات الاستثمارات الدولية والعربية، لا سيما وأن التوقعات تشير إلى أن حركة الاستثمارات المباشرة التي ارتفعت بنسبة 9% في العام 2013 الى 1.45 تريليون دولار، يتوقع أن تستمر بالارتفاع إلى 1.6 تريليون دولار في العام 2014، ومن ثم الى 1.7 تريليون دولار في العام 2015، وإلى 1.8 تريليون دولار في العام 2016.
وتؤكد الاتجاهات أن النمو المنتظر سيتركز في حركة الاستثمار في الدول النامية أكثر منه في الدول المتقدمة، مع ضرورة الاخذ بالاعتبار التفاؤل الحذر بالانتعاش والذي يشوبه قلقاً لا يستهان به من جراء هشاشة أسواق الدول الناشئة تجاه عوامل عدم اليقين المرتبطة بالسياسات الاقتصادية غير المتوقعة للبلدان المتقدمة، كما ان هناك عوامل مقلقة ايضاً ناشئة في المنطقة العربية نتيجة الصراعات الدائرة والمستجدة، والتأثيرات المحتملة لذلك على المنطقة واسعار النفط واتجاهات الاستثمارات الخارجية المباشرة.
الاستثمار العالمي
وفق تقرير الاستثمار السنوي الخامس الصادر عن الاتحاد العام للغرف العربية، فإن من أهم سمات الاستثمار العالمي هو استمرار مجموعة الدول النامية في تصدر استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة، حيث ارتفعت هذه الاستثمارات بنسبة 6% إلى 778 مليار دولار في العام 2013، لتحظى بنسبة 54% من المجموع العالمي، مقابل نسبة 39% للدول المتقدمة، وتستحوز حالياً الدول النامية والانتقالية على نحو نصف المراتب للدول العشرين الأولى حالياً في استقطاب الاستثمار، وتتمثل أهم التحولات في الخارطة الاستثمارية العالمية في التأثير المتصاعد لمجموعة الاقاليم العملاقة التي باتت اللاعب الرئيسي على الساحة العالمية، بثلاث مجموعات قيد التفاوض، وهي:
الأولى: الشراكة العابرة للباسيفيك والمعروفة بـ "TPP" وتضم 12 دولة هي الولايات المتحدة، كندا، المكسيك، تشيلي، البيرو، استراليا، اليابان، نيوزيلاندا، بروناي، ماليزيا، سنغافورة، وفيتنام، وتعتبر هذه الاتفاقية الاولى عالمياً من حيث حصتها في المجموع العالمي لمخزون الاستثمارات الخارجية المباشرة.
الثانية: الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للاطلسي، والمعروفة بـ "TTIP" وتشمل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي، وتعد الاولى بين الاتفاقيات من حيث الناتج المحلي الاجمالي، وتمثل 45 في المئة من اجمالي الناتج المحلي العالمي.
الثالثة: الشراكة الاقليمية الاقتصادية الشاملة والمعروفة بـ "RCEP " وتضم 17 دولة من شرق آسيا واليابان واستراليا ونيوزيلندا، وتعتبر الاكبر من حيث عدد السكان، بما يقارب نصف مجموع سكان العالم.
ويلاحظ أن اكثر من دولة كبرى تشارك في مجموعتين مثل الولايات المتحدة في الأولى والثانية، واليابان واستراليا في الاولى والثالثة، وتحظى كل مجموعة من هذه الاقاليم بنحو ربع او اكثر من التدفقات الاستثمارية.
لا شك في أن الاتفاقيات الاقليمية العملاقة، سواء التي تم ابرامها في السنوات الماضية، أم التي يجري التفاوض بشأنها، مرجحة أن تحدث تغييرات متصاعدة في توسيع وتطوير المشهد الاستثماري العالمي، واكثر ما يتجلى في معدل المشاركة، وضخامة الدول المشاركة في الاتفاقيات، كما في عملية اجراء الاتفاقيات نفسها التي تضفي حيوية جديدة على الاستثمار العالمي.
الاستثمار العربي
لقد حلت المنطقة العربية في المرتبة الرابعة عالمياً في مؤشر ضمان جاذبية الاستثمار لعام 2014، بين سبع مجموعات جغرافية. وبمتوسط قيمة بلغ 36.7% من اجمالي 100 نقطة، وفق التقرير السنوي الـ 29 لمناخ الاستثمار الصادر عن المؤسسة العربيةلضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان).
وجاءت بعد مجموعات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي حلت في المرتبة الأولى، ودول شرق آسيا والمحيط الهادي في المرتبة الثانية، ثم دول اوروبا وآسيا الوسطى في المرتبة الثالثة.
وأظهرت هذه النتيجة ان الاداء العربي جاء ضعيفاً جداً في مؤشري اقتصادات التكتل وعوامل التميَز والتقدم التكنولوجي، واقل بنسبة ضئيلة من المتوسط العالمي في مجموعة المتطلبات الاساسية.
وعلى الرغم من وجود تفاوت كبير بين الدول العربية لحركة الاستثمارات الخارجية المباشرة، ولكن الاتجاه الغالب هو استمرار التراجع للعام الخامس على التوالي، باستثناء تحسن بنسبة 17 % عام 2012، لتصل عام 2013 إلى 48.5 مليار دولار، اي بانخفاض نحو 50 في المئة عما كانت عليه عام 2008 عندما قدرت بنحو 96.2 مليار دولار، ولوحظ أن التراجع بدأ عام 2009 بنسبة 16%، واستمر في عام 2010 بنسبة 15%، ومع موجة ثورات الربيع العربي في عام 2011 كان الانخفاض الاكبر بنسبة 32%، قبل أن تسجل تحسناً بنسبة 17% عام 2012، ثم تعاود الانزلاق بنسبة 9% عام 2013، ويعود سبب كل هذا التراجع الى حدة واستمرار التوترات الاقليمية التي أدت إلى زيادة الغموض وعدم اليقين بشأن استمرار الأوضاع، مما أدى إلى الحد من دخول المستثمرين الأجانب، وكذلك الأمر بالنسبة لحركة الاستثمارات العربية البينية، وبالأخص إلى الدول التي تشهد صراعات وحروب، أو تحولات جذرية في أوضاعها السياسية.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات من حالات الإضطراب الأمني والسياسي، تشكو معظم الدول العربية نقاط ضعف تكمن اساساً في تقلب معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي وارتفاع معدل التضخم. وكذلك نسبة عجز الميزانية العمومية إلى الناتج المحلي الاجمالي، فضلاً عن العوامل المرتبطة بالبيئة المؤسسية. خصوصاً وأن عدداً من هذه الدول يشكو بيئة أداء الأعمال غير المواتية وعدم الانفتاح على العالم الخارجي، وتراجعاً في معدلات الانتاجية الكلية لعناصر الانتاج. اضافة الى تراجع كفاءة أداء التخليص الجمركي والبنية التحتية للتجارة والنقل وجودة الخدمات اللوجستية وكفاءتها. بالإضافة إلى ضعف كبير في مستوى التقدم التكنولوجي.
ويبدو من خلال النتائج أن الاستثمارات البينية كانت الأكثر تضرراً من التطورات الأمنية والسياسية، وتشير بيانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار إلى تراجع حجم هذه الاستثمارات بشكل كبير، وذلك من 6.8 مليار دولار عام 2011 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2013.
وعلى نقيض من الاستثمارات الوافدة، شهدت تدفقات الاستثمارات الخارجة من المنطقة زيادة بنسبة 62% إلى 29.5 مليار دولار عام 2013، وتعود هذه الزيادة إلى التدفقات المتزايدة الخارجة من دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً قطر حيث زادت أربعة أضعاف والكويت بنسبة 159 في المئة، وقد تصدرت المرتبة الأولى عربياً في تصدير الاستثمار، وتلاها من حيث الأهمية النسبية قطر ثم السعودية فعمان والبحرين، وترجح التوقعات استمرار تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة الخارجة من المنطقة بوتيرة متصاعدة في ظل التطورات الامنية والسياسية السائدة حاليا.
وكشف تقرير اقتصادي أعده اتحاد غرف دول مجلس التعاون، عن تراجع النمو إلى 3.6% عام 2013 مقارنة مع 5.5% لعام 2012، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى فائض في موازنات دول الخليج من عائدات النفط بقيمة تزيد عن 65 مليار دولار، فضلاً عن ارتفاع حجم استثماراتها الخارجية الى 3.3 تريليون دولار في العام 2014.
المصدر : وكالة الأناضول