التغير السريع في موقف الاتحاد الأوروبي وواشنطن وتركيا تجاه بشار الأسد، والتصريحات بأنه سيكون جزءا من أي حل انتقالي في سوريا، هو بلا شك مؤشر كبير على اختلاف قواعد اللعبة في المنطقة. فالأوروبيون والأمريكيون بدؤوا يدركون أنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في إسقاط نظام بشار الأسد وأن كل ما فعلوه ليس سوى دعم وتمويل القوى التكفيرية، التي باتت تشكل تهديداً لمصالحهم في المنطقة، وأن تداعيات الأزمات التي خلقوها هناك لم تعد منحصرة في الشرق الأوسط بل بدأت تتشعب لتصل إلى العمق الأوروبي، خاصة مع تدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى أوروبا.
لكن أول من فهم قواعد اللعبة منذ البداية كانت روسيا، التي أصرت طوال الوقت على إيجاد موطئ قدم لها في الشرق الأوسط، فكانت من أهم الداعمين لنظام الأسد، مؤكدة في أكثر من سياق أن أي حل في سوريا لن يكون إلا من خلاله، ليس حباً في بشار، وإنما كرهاً في القطبية الأحادية وانتقاماً من العم سام الذي حاول تحريك بيادق الناتو لتطويق روسيا، وعمل على تأجيج الأزمة الأوكرانية، وفرض عقوبات عليها.
بوتين، الذي ينزعج بل ويكره أن يلقبه الأمريكيون بـ "القيصر"، عائد بقوة ليعيد تشكيل خارطة التحالفات في المنطقة، اليوم روسيا والعراق وسوريا وإيران ضمن قيادة مشتركة للتعاون الاستخباراتي والأمني لمحاربة داعش، بينما لم تفلح كل محاولات دول الخليج بإغراء روسيا بعقود واستثمارات خليجية في ثنيها عن دعم بشار، بل كانت محفزا لروسيا لتحريك التنين الصيني ليشكل الاثنان معاً قاعدة قتالية لمحاربة داعش، فروسيا تقول إنها ستحارب المقاتلين الشيشان الذين انضموا إلى داعش في سوريا، في حين أن المارينز الصيني سيحارب مليشيات مماثلة من الأويغور الصينيين، الذين تدفقوا على سوريا في الفترة الأخيرة، والذريعتان هما حجة دعم الأسد والبقاء في الشرق الأوسط.
تعلمنا أن الدب يعيشُ حياته وحيدا، فلا يعيش في مجموعات، لكن سوريا ستكون سبب خروج الدب الروسي من عزلته ووحدته لتخلق له موطئ قدم في الشرق الأوسط ولتزيد من ثقله الاستراتيجي في مواجهة العم سام.