الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العرب بين جرأة التطبيع وشعارات الكسر / بقلم: أحمد زكارنة

2015-09-29 10:13:23 AM
العرب بين جرأة التطبيع وشعارات الكسر / بقلم: أحمد زكارنة
احمد زكارنة

بات من مأثورات الفعل الإنساني تطبيق المفهوم القائل: إننا لا نكذب ولكننا نتجمل.. لتأتى انتفاضة الشعب العربي، فتُكتشَف الكارثة الكبرى.. إننا لا نكذب ولا نتجمل، ببساطة شديدة لأننا لا نملك جرأة الفِعل. قبل سنة من اليوم أو يزيد، عدت من زيارتي الأخيرة لبلدي الأول مصر، حيث التقيت بعض الأصدقاء وعدداً من المثقفين والفنانين ونخبة من أصحاب الرأي والفكر، تحدثنا في أمور شتى ذات علاقة بالسياسة والثقافة، اتفقنا في بعضها واختلفنا على بعضها الآخر.

 

من القضايا التي اختلفنا حولها جدلية زيارة فلسطين وما يسمى بـ"التطبيع" تلك الكلمة المطاطة في تعريفها، والتي تطرح عدة أسئلة مشروعة، منها: منْ الذى أطلق هذا المصطلح؟ ومتى؟ وماذا يعنى بالضبط؟ وأين يجب تطبيقه؟ ولماذا؟ كلها أسئلة تشبه تعريف الخبر الصحفيفي اكتمال شروطه أو مكوناته، هذا حينما يكون هناك خبر لفعل لا لهروب من واقع متخم بالأفعال، خاصة أن بعض المرددين لمصطلح "التطبيع" إنما يطلقونه هروباً من مسؤولياتهم دون حتى فهم ماذا تعنى الكلمة، ولا ننكر في هذا السياق أن هناك وجهات نظر متباينة نقدرها ونحترمها وإن اختلفنا معها، إيماناً منا بحرية الرأي والرأي الآخر.

 

المفارقة أن مصطلح "التطبيع" أطلق بمفهومه السائد، كرد فعل طبيعي يعبر عن عجز الشعوب المقهورة بعدما وضعت كافة إمكانياتها في سلة السلام، إلى جانب سوء الحالة الاقتصادية المرتبطة عضوياً بأطروحة السلام المنحازة كلياً لصالح الآخر المحتل، دون أن نميز بين فعل التطبيع التجاري أوالثقافي أوالسياسي مع العدو الإسرائيلي المغتصب، وهو ما كانت تقوم به الأنظمة الاستبدادية، وأصحاب المقاومة الشعاراتية على حد سواء وكنا وما زلنا نرفضه جملة وتفصيلاً، وبين دعم الشعب الفلسطيني، في سياق اشتباكه اليومي مع المحتل الغاصب.

 

اليوم ونحن نعيش ما يسمى بزمن الثورة، تبقى المفاهيم المحنطة دون إعادة نظر فيها وكأنها مورث ورثه الشعب العربي أباً عن جد، ولتبقى الأفعال كما كانت بشكل يستفز الحق الذى سئم انتظار اللحظة التي لم تأت رغم ما يشهده الشارع العربي من صحوة هدمت جدران الخوف والصمت في آن.

 

فعندما نلحظ جرأة أحد الشعراء المصريين في الجهر علانية أنه سيزور القدس، شاء من شاء وأبى من أبى، وهي للعلم زيارة تضع الكثير من علامات الاستفهام حول الشاعر الذي بات يصر على تكرار زياراته لفلسطين لإقامة حفلات مدفوعة الأجر. وفي الجهة المقابلة نستمع لتصريحات أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهرالشريف،الذي أشرف وناقش العديد من رسائل الماجستيروالدكتوراة في العديد من الجامعات العربية، وحصل على جوائزعلمية من عدة دول عربية، ألا وهو الدكتورسعد الدين الهلالي وهو يقول:"لايجب أن ندافع عن المسجد الأقصى حتى لا ندخل في حربدينية مع اليهود". نقول عندما نلحظ هذا ونستمع لذاك ندرك تماماً أن أمر فلسطين المحتلة على المستويين السياسي والاجتماعي، إنما يعيش أزمة فهم لمعنى النصرة، وشعارات التطبيع وكسر الحصار، فلا الأولى تعني حرباً دينية تندرج بين قوسي الحلال والحرام، لأن أصل الصراع، صراعُ وجودٍ وهوية، ولا الثانية تعد كسراً للحصار سواء بالجهر أو الصمت، إذ لا يوجد لدينا نضال"خمس نجوم"، وإلا بات الشاعر راقصة، والراقصة عليها أن تعدو شاعرة، فلم أعلم أو أسمع عن شاعر عربي أقام سابقاً أو حالياً أمسية بمقابل مادي إلا إذا كان المقابل لصالح جهة اجتماعية بعينها.

 

إن الشعب الفلسطيني الذى يتحدى المحتل بالكلمة الثائرة كما بالرصاصة المقاومة، هو بحاجة لفعل يدعم معركة وجوده وهويته الثقافية والحضارية بكل إيمان مطلق بعدالة القضية وقوة الحقيقة، علماً أن ذلك لا يعني تطبيعاً مع العدو الغاصب، وإنما تفتيتاً لقواه الداخلية الهشة إن أحسنّا تفسيخها، وهى قوة هجينة، تؤكد نظرية أنه كيان مكون من خلطة غير متجانسة من القوميات، ومن العنصرية والمدنية، لا يمكنه إلا أن يتفسخ من داخله حينما نملك جرأة الأفعال لا رفع الشعارات.