رام الله - خاص بالحدث
بحسب البنك الدولي، فإن العديد من البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتمد على الدعم المالي العام لأسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، وهو دعم تم إدخاله في مرحلة سابقة تعود إلى الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم مما قد يكون لهذا الطرح من إيجابيات أو ما عليه من سلبيات، فإن دعم السلع الغذائية لربما هو الأمثل في بلد يفضل فيها دعم السجائر على حساب دعم سلع ذات أهمية أخرى بالنسبة للمواطن. فماذا لو فكر وزير الاقتصاد، أو حتى رئيس الوزراء، في دعم سلع أساسية كما هو معمولٌ به في الكثير من دول العالم، بدلاً من توجيه الدعم لصناعة السجائر؟ والذي تظهر من خلاله حكومتنا وكأنها تفقد أولويات دعمها للمنتجات وسلع تموينية أساسية من شأنها أن تحقق الأمن الغذائي فيما لو حظيت برعاية الدولة أو الدعم الذي توليه وتقدمه لبعض أصناف السجائر.
إقرار بمنح تخفيض جمركي
ولو أن الحكومة تنفي هذا الدعم إلا أن مسؤوليها وموظفي شركات صناعة السجائر ونقابة العاملين فيها يؤكدون على ذلك الأمر.
بطريقة غير مباشرة يعترف م. محمد يوسف المصري ممثل وزارة الزراعة في اللجنة الفنية لتنظيم قطاع زراعة التبغ، بأن اللجنة طالبت الحكومة في توصياتها التي رفعتها لمجلس الوزراء، بمنح تخفيض جمركي على صنفي سجائر محليين لشركتي «سجائر القدس» و «يعبد للدخان» (فيكتوري) و(لاندو) ويقر بقوله: “هذان الصنفان تم منحهما إعفاء بتخفيض جمركي بحيث تم طرح هذين الصنفين للمستهلك بسعر 10 شواقل وقد اشترط لهذا الإعفاء أن تقوم شركة سجائر القدس بشراء 400 إلى 600 طن من التبغ الفلسطيني في الوقت الذي كنا نرغب أن يتم شراء كل الإنتاج لتصنيعه».وكان هدف اللجنة حينما وضعت هذا التخفيض أن يتم تسويق معظم كميات التبغ الفلسطيني المنتجة محليا من خلال شركات تصنيع السجائر الوطنية.
ويكشف المصري أنه اشترط على هذه المصانع أن تدخل ما نسبته %30 من التبغ الوطني في كل سيجارة على أن يتم رفع هذه النسبة تدريجيا حتى تصل إلى 50 أو 60%، كما اشترط أن يتم شراء كيلو التبغ الواحد بسعر 30 شيقلاً من المزارعين وقال: “تم العمل على تطبيق ذلك وانخفضت أسعار هذه الأصناف ولكن الشركة لم تأخذ كامل الكمية من التبغ”.
الحكومة تفقد أولويات دعمها
ويعتقد عزمي عبد الرحمن – عضو اللجنة التوجيهية لقطاع التبغ –في وزارة الاقتصاد الوطني أن الحكومة لم تفقد أولوياتها لتدعم التبغ وقال: “سياسة الدعم للسلع الأساسية غير موجودة على أجندة السلطة لسبب، أولا لعدم توفر السيولة المالية والضائقة المالية الخانقة وأصبحت مديونية السلطة حوالي 5 مليار دولار، وبالتالي فإن قمنا بدعم صنف مثل الخبز وهو سلعة لا تستغني عنها كافة شرائح شعبنا فإن الحكومة لن تقوى على هذا الأمر فما بالكم إن قامت الحكومة بدعم حوالي 60 سلعة أساسية فهي بكل تأكيد لن تستطيع ذلك، كما أن المستهلك لو تعود على دعم هذه السلعة أو تلك وتم رفع الدعم عنها مرة واحدة فإن من شأن ذلك أن يخلق نوعا من البلبلة الاقتصادية والذي لا يسمح بها وضعنا الاجتماعي والاقتصادي”.
اتهام الحكومة بالتغطية على التهريب ونفي دعمها
معتصم سلهب - رئيس نقابة العاملين في شركة سجائر القدس، ينفي دعم الحكومة للتبغ، وهو ما يناقض به نفسه حينما يقول الحكومة لا تدعم التبغ: “إنما تقوم بتخفيض الجمارك والتعرفة الجمركية ضمن الغلاف الجمركي الموحد مع إسرائيل فنحن لا نتلقى دعما من الحكومة، بالعكس ففي عام 2013 دفعنا 431 مليون شيقلا للحكومة، وأما تخفيض التعرفة الجمركية على نوع وصنف معين، فهو فقط من أجل محاربة التهريب وفي اللحظة التي يحاربون فيها التهريب بطرق أخرى، لن نكون بحاجة لتعرفة جمركية مخفضة فلدينا الاستعداد للمنافسة في السوق المحلية وفي نفس الوقت المحافظة على صناعتنا وتشغيل الأيدي العاملة”.
الدعم الحكومي...وهمي
ونبقى في دائرة متناقضات المصري ليقول مستدركا: “تظهر الأمور وكأن الحكومة تدعم التبغ ولا تدعم محاصيل أخرى «بدون قصد» فنحن لا ندعم التبغ وإنما هناك تهرب والقانون واضح”.
ويجدد المصري تأكيده بقوله: “نحن لا ندعم التبغ وإنما هناك تهرب ضريبي، وأيضا هنالك معوقات تحول دون قيام السلطة بجباية هذه الضرائب المتهرب منها، لأن أحد المشاكل أنها في مناطق «ج» وأحد المشاكل الأخرى أن هناك لاعبين مستفيدين على المستوى التجاري من هذه الحالة ويحققون أرباحا عالية، «الكبار وبعض التجار المستفيدين”.
بينما يعترف وزير الاقتصاد الوطني د. جواد ناجي بقوله: “كنا في السابق ندعم «فيكتوري» الذي تنتجه شركة سجائر القدس بتخفيض التعرفة الجمركية بخمسة شواقل، وما حصل أننا خفضنا الدعم إلى ثلاثة شواقل لدعم خزينة الدولة”. ويرى أن الشركة نفسها تتطلع لإنتاج صنف جديد من السجائر مدعوما من الحكومة، كي يباع بسعر منخفض، متسائلاً باستهجان: هل سمعتم عن حكومة تدعم السجائر؟
ويقول المصري: “طرأت ارتفاعات على أسعار التبغ وكان الارتفاع الأكبر بسبب رفع الجمارك عالميا، وكنا أمام خيارات إما الابقاء على سعر الأصناف المدعومة بـ 10 شواقل أو رفعها حتى لا نزيد الفجوة ما بين سعر التبغ أو السجائر غير المدعومة وهذه السجائر، ليصبح الفرق شديدا، وبالتالي تم رفع السعر في المرة الأولى الى 11 شيقلا وتأثر سوق فيكتوري أو الاصناف المدعومة بعض الشيء ولكن استمر الموضوع وتواترت عمليات رفع سعر التبغ بشكل مضطرد في فترة متلاحقة حتى وصلت 19 شيقلا فتم رفع الصنف أيضا بعض الشيء لأننا لا نستطيع طرح هذا الصنف (فيكتوري و لاندو) بفارق هائل”.
مقترحات لدعم أصناف سجائر محلية
وبينما يكشف المصري أنه يجري الآن البحث عن آلية تحقق التوازن المطلوب ما بين كافة الجهات (المنتج والمزارع والتاجر والحكومة والمستورد وأيضا المستهلك) ومن المرجح بحسب قوله: “أن تتعلق بمنح تخفيض جمركي على صنف وطني بحيث يتم استيعاب التبغ المحلي الوطني من خلال شركات التبغ الفلسطينية. والتدرج في تطبيق القانون، ويبحث الموضوع على مستوى عال في السلطة والحكومة اللجنة الاقتصادية الدائمة في الحكومة والمكلفة بمتابعة هذا الملف. وننتظر سقف الإعفاء الذي يمكن أن تقدمه وزارة المالية من أجل العودة لطرح صنف جديد من السجائر الوطنية وأيضا شركة سجائر القدس أرسلت رسالة لوزارة الزراعة تعلن فيها عن رغبتها أو استعدادها لشراء كافة كميات التبغ الوطني التي ترخصها الحكومة واشتراطها للترخيص المضي في مسألة تطبيق القانون”.
ويؤكد المصري أن هذا يتطلب السير بسياسات الإعفاء ومن بين السياسات التي يمكن تطبيقها أن ترصد شركات السجائر شيئا من أرباحها لعملية تحسين جودة التبغ أو لتشجيع زراعات بديلة في بعض المناطق حتى لا يؤثر ذلك على وفرة المنتجات الغذائية.
ويقول: «نحن الآن نحاول التوصل إلى صيغة تحقق مصلحة الجميع ولكن من الصعوبة الوصول لها والتي يمكن أن تكون متوزانة وفي هذا الموضوع مد وجز، وبعض الجهات تتمسك مثل شركة التبغ بأن لا يقل سقف الإعفاء عن نسبة معينة (رفض الكشف عنها) حتى تحافظ على حصة معينة في السوق، ومن الواضح الآن أن شركة السجائر تضررت مصالحها لدرجة أنها يمكن أن تقبل بأقل من ذلك.
وكشف أيضا أن هذه السياسة التي نجهل أفقها وتتعلق بضريبة بندرول مخفضة بصنف وطني بحيث يزيد التوجه له وفي نفس الوقت اتباع بالتعاون مع الضابطة الجمركية ووزارة المالية سياسات ضيقة على من يتاجرون ويهربون السجائر بكل الأشكال المذكورة من أجل توجيه المستهلك لبعض أصناف السجائر الرسمية المخفضة.
من جهة ثانية، وعلى الرغم من محاولات الجهات الرسمية في الحكومة التهرب من الإشارة الصريحة والمباشرة لدعم الحكومة لقطاع التبغ المحلي، إلاّ أن هذا الأمر لا يُعفيها بتاتاً من مناقشة تداعياته أو الالتفات لتلك التداعيات وإيجاد حلول لها، والتي أهمها أن سياسة الدعم الحكومي هذه قد أدت إلى لجوء العديد من المزارعين في منطقة جنين إلى تغيير توجهاتهم الزراعية والاهتمام بزراعة التبغ على حساب محاصيل زراعية أكثر أهمية تشكل أولوية ملحة للسلة الغذائية في فلسطين، وذلك لأن زراعة التبغ أوفر من الناحية المادية ومجدية أكثر بالنسبة للمزارعين. حيث ازدادت هذه المساحات المزروعة لتصل إلى ما يقارب 6 آلاف دونم. وبالتالي، فإن وفرة محصول التبغ وعدم قدرة العديد من المزارعين على تسويقه، أدى إلى انخفاض أسعار السجائر محلية الصنع أو اللف، ما يعني سهولة حصول المواطنين عليها وخاصة، شريحة ذوي الدخل المحدود وفئة الشباب والتي بمجملها تشكل الشريحة الأكبر في فلسطين، وهو ما لا يُساهم في الحد من ظاهرة التدخين في فلسطين بل يفاقمها، ويكلف كذلك خزينة الدولة ملايين الشواكل في معالجة التبعات الصحية لانتشار التدخين في فلسطين.
ويبقى السؤال الأهم المطروح هو، هل ستفكر الحكومة في توجيه دعمها سواء المباشر أو من خلال تخفيض الضرائب على بعض السلع الأساسية خدمة للمواطن، أم أن أولوياتها تنحصر في دعم سلعة كمالية كالدخان والسجائر؟