الجمعة  11 نيسان 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سقوط أكثر من 1840 شهيداً من بينهم 194 امرأة و189 طفلاً الفلسطينيون في سوريا لا حياد في المعركة

2014-02-18 00:00:00
سقوط أكثر من 1840 شهيداً من بينهم 194 امرأة و189 طفلاً
الفلسطينيون في سوريا لا حياد في المعركة
صورة ارشيفية

%20 من مباني اليرموك دمرت والنهب طال كل البيوت والمحلات التجارية

دمشق- غسان ناصر

يؤكد أعضاء وفد «الهيئة الوطنية الأهلية الفلسطينية» الذين دخلوا مخيم اليرموك، أكثر من مرة في الشهور الثلاثة الأخيرة، أن «حجم الدمار في المباني السكنية لا يتجاوز نسبة %20 تقريباً، وأن باقي المخيم سليم»، مشيرين إلى أن الحكومة السورية وبلدية اليرموك ووكالة الأونروا سيتعاونون مع منظمة التحرير الفلسطينية وهيئات الإغاثة الفلسطينية لإعادة إعمار ما هدم من المخيم».

والمتابع لواقع الفلسطينيين في سوريا، يدرك أنه من الصعوبة حالياً، تقدير حجم الخسائر المادية التي لحقت بحوالي نصف مليون فلسطيني سوري، ولكن يكفي الإشارة إلى أن ما ذكره مؤخراً مدير برنامج التمويل الأصغر في وكالة الأونروا «ألكس بولوك» من أن الحرب المستمرة في سوريا أدت إلى خسائر كبيرة في اقتصاد البلاد، بلغ حتى منتصف العام الماضي 1.103 مليار دولار (بخسارة اقتصادية لسوريا بمتوسط شهري قدره 3.8 مليار دولار). ويوماً بعد يوم تتّضح ملامح الكارثة الإنسانية والاقتصادية التي أفرزتها الحرب التي تعيشها سوريا، والتي يعيش فصولها الفلسطينيون كما أبناء البلد، منذ نحو ثلاثة أعوام، فالبيانات والمؤشرات الإحصائية الصادرة حديثاً تؤكد أن استمرار الوضع على ما هو عليه اليوم لأشهر أخرى يعني أن سوريا دخلت في المجهول كدولة ومؤسسات ومجتمع.

وبالعودة إلى مخيم اليرموك، وفي تصريح خاص لـ “الحدث”، ذكر أبو كفاح غازي، أحد القادة الميدانيين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/ القيادة العامة، أن “الدمار الذي لحق بالمخيم، تركز في عدد من المناطق أهمها مدخل المخيم إلى ساحة الريجي، وامتداد شارع الثلاثين حتى نهايته عند مشفى فلسطين، وكامل شارع فلسطين، والحقيقة أن الخراب الكبير في هذه المناطق كافٍ لتخيّل حجم المعارك التي دارت في مخيم اليرموك، من جهة بوابته الرئيسية الكبيرة (البطيخة)، والواضح في شوارع راما والثلاثين وفلسطين أن الدمار كبير والمعارك قضت على جزء كبير من المباني ومن البنى التحتية هناك”.

ولا يقتصر الأمر اليوم، على البنى التحتية أو الأبنية المهدّمة، بل الحالة الإنسانية هنا صعبة جداً والأهالي مرّوا بظروف عصيبة، بعد أن نُهبت بيوتهم ومحلاتهم، ليجدوا أنفسهم دون معيل أو سند، فما قدمته السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وكافة الفصائل الفلسطينية – عبر هيئات الإغاثة التابعة لها – وكذلك وكالة (الأنروا) لم يكن بالمستوى المطلوب إطلاقاً، فكل المساعدات المقدمة من هذه الأطراف للعائلة الفلسطينية المكونة من خمسة أفراد كحد أدنى، لم يتجاوز الخمسمائة دولار منذ بدء الأزمة السورية قبل ثلاثة أعوام تقريباً، مع الإشارة إلى أن مؤشرات التنمية البشرية شهدت تدهوراً خطيراً جداً، كما شهدت الأسعار وأجور البيوت تضخماً تجاوز الـ %300!

هذا الأمر لم يقتصر على فلسطيني مخيم اليرموك فقط، وإنما على كافة الفلسطينيين الموزعين في الأراضي السورية، ضمن خمسة عشر تجمعاً ومخيماً، وضمن تجمعات فلسطينية في المدن، خـاصة مدينة دمشق.

وحتى ندرك حجم معاناة الفلسطينيين هنا، لابد من التعريف بخارطة تواجدهم في عموم سوريا، من أقاصي الجزيرة في محافظة الحسكة وصولاً إلى محافظة السويداء جنوب سوريا.

وتشير المعطيات المستقاة من وكالة الأونروا ومن الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، أن (%29) فقط من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون داخل المدن في سوريا، والنسبة الأكبر %71 تقيم داخل المخيمات بما في ذلك مخيم اليرموك، علماً بأن مخيم اليرموك في حقيقة الحال أصبح جزءً إدارياً تابعاً بالكامل لمدينة دمشق (أي لمحافظة دمشق وليس لمحافظة ريف دمشق). حيث يتركز التجمع الرئيسي للاجئين في منطقة ومدينة دمشق بنسبة (%67)، وفي درعا (%8)، وفي حلب (%8)، وفي حمص (%5)، وفي حماه (%2)، وفي اللاذقية (%2)، وباقي النسبة (%8) تتركز في المناطق التابعة لسجلات محافظة القنيطرة. وعليه، تقع أغلب المخيمات والتجمعات الفلسطينية في منطقة دمشق، وهي أولاً مخيم اليرموك الواقع جنوب مدينة دمشق الذي يمثل أكبر تجمع فلسطيني في الشتات، ويضم بحدود ربع مليون لاجئ. وبشكل عام فإن واقع العمل والحياة المهنية جعل من التوزع الفلسطيني يتناثر فوق عموم الأراضي السورية بقصد العمل. 

اليرموك.. مشعل على خط التسوية

تؤكد المنظمات الحقوقية السورية، وناشطون فلسطينيون في الإغاثة، أن دماراً كبيراً لحق بمخيمات حمص وحلب واللاذقية وريف دمشق، غير أن مخيم درعا - جنوب سوريا -، تعرض لدمار هائل، جراء احتدام المعارك بين قوات الجيش النظامي وكتائب الجيش السوري الحر، التي لم تسعَ إطلاقاً لتحييد المخيم، ما جعل منه مسرحاً لجولات قتالية، أدت إلى تهجير سكانه وتدمير الأملاك العامة والخاصة فيه.

والحال كذلك بالنسبة لمخيم اليرموك، الذي يستكمل هذه الأيام إجراءات التسوية التي جرى الاتفاق عليها، بين وفد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والهيئة الوطنية الأهلية الفلسطينية من جهة، وكتائب المعارضة السورية المسلحة من جهة ثانية، وذلك بإزالة العوارض الإسمنتية والسواتر الترابية وتفكيك الألغام. بعد أن انسحبت الفصائل المسلحة غير الفلسطينية من المخيم، نهاية الأسبوع الماضي، حيث شهد المخيم انسحابات متتالية على مدار يومين لمقاتلي “جبهة النصرة” و “كتيبة ابن تيمية” إلى المناطق الشرقية والجنوبية، الحجر الأسود ويلدا بشكل أساسي، بينما تستعد كتائب الداخل من الفلسطينيين، مثل «كتيبة العهدة العمرية» وغيرها، التي تأطرت تحت مسمّى «تجمع أبناء اليرموك»، للسيطرة على مقار المسلحين الغرباء المنسحبين إلى حدود المخيم.

وقد نصَّ الاتفاق على إجراء تسوية لأوضاع من يرغب من المسلّحين الفلسطينيين على غرار ما جرى في المناطق التي شهدت تسويات في ريف دمشق، وسيتولّى الجيش السوري تسوية الأوضاع بدلاً من الفصائل الفلسطينية.

وعلمت “الحدث” أن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، تدخل شخصياً لدى المسلحين المقربين من الحركة (كتيبة أكناف بيت المقدس)، وحثّهم على “إبعاد المسلحين الغرباء” من المخيم. ونقل مشعل إلى المسلحين الفلسطينيين ضمانات إيرانية بسلامة من يلقي السلاح، وبعدم دخول الجيش السوري إلى المخيم بعد فكّ الحصار عنه. لتنتهي التسوية بعد ذلك، بإنهاء جميع المظاهر المسلحة في اليرموك ودخول مؤسسات الدولة: البلدية والهاتف والبريد وقسم الشرطة والأفران وباقي الخدمات. 

الخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين

لا يكترث الفلسطينيون كثيراً  لما لحق بهم من أذى جراء ما فقدوا من مكاسب مادية، رغم ضيق ذات اليد للكثيرين منهم، ولسان حالهم يقول «عوضنا على الله»، غير أن ما أحزنهم وكسر ظهور الكثير منهم هو فقدان الأب أو الأخ أو الابن، إما شهيداً أو معتقلاً أو مفقوداً، وهو ما تعرضوا له بفعل انتشارهم في معظمِ الأراضي السورية، فقد كانوا معرّضين للتفاعل مع الاحتجاجاتِ الشعبيّةِ التي اندلعت في درعا في مارس/آذار 2011، وانتشرت لاحقاً في معظم المدن والمناطق السورية. وقد غلبَ على موقف القاعدة الشعبيّة للفلسطينيّين بالعموم طابعُ التضامن مع الاحتجاجات السلميّة، والتعاطف مع عامة السوريين، واستنكار القمع والتنكيل الذي تتعرضُ له التظاهراتُ السلميّة، مع المحافظة على الحياد عموماً، ولم تشهد المرحلة الأولى من الثورة السورية مشاركةً فلسطينيّةً جماعيّةً في الحراك الشعبيّ السوريِّ، وإنما اقتصرت على مشاركات فرديّة تفاوت حجمها من مكان إلى آخر، وتركّزَ الجهد الفلسطيني في تقديم العون الإغاثيّ والطبيِّ لمن نزح  من السوريين من بعض المناطق الساخنة، حيث جرى ذلك في مخيّم درعا ولاحقاً في مخيّم الرمل في اللاذقية ومخيّم العائدين في حمص، ومن ثَمَّ بشكلٍ واسعٍ في مخيّم اليرموك في دمشق، والذي استقبل موجةً كبيرةً من النازحين السوريّين الذين هربوا من تدهور الأوضاع الأمنية من منطقةِ التضامن والحجر الأسود والقدم ونهر عيشة وغيرها من المناطق السورية الثائرة، قدّر عددهم بأكثر من 300 ألف نازحٍ. هذا الدعم الإغاثيُّ والإنسانيُّ أثار حنق النظام الذي كان يقوم بالتضييق على النازحين وظروف معيشتهم، وملاحقة واعتقال العاملين في الدعمِ الإغاثيِّ والإنسانيِّ، والقصف العشوائي المتكرر للمناطق التي تشهد حملات إغاثية، وصولاً إلى سياسة القصف والتدمير للمناطق التي تواجد فيها عناصر من الجيش الحرِّ في المرحلة التي بدأت فيها عسكرة الثورة. ونتيجة هذا الدور الإغاثي البارز، تعرّضت معظمُ المخيّمات الفلسطينيّة إلى حملات أمنيّة عديدة أسفرت عن مئات الشهداء والجرحى والمعتقلين.

وفي توصيف لحال الفلسطينيين في سوريا، يقول الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي: «كانت المخيمات الفلسطينية قد تعمّدت عدم الدخول على خط الثورة السورية منذ اندلاعها قبل 16 شهراً، لأسباب عديدة: أولها أن الفلسطينيين اللاجئين لا يشكّلون قوة بشرية كبيرة (%3 من عدد السكان)، لاسيما أنهم يقطنون في 12 مخيماً تتوزع على عديد من المدن. وثانيها ينبع من إدراكهم لمكانتهم كلاجئين، أي باعتبارهم خارج المواطنة السورية. وثالثها يتعلق بعدم انخراطهم في الحياة السياسية السورية وبقائهم على هامشها طوال 64 عاماً. ورابعها ناجم عن خبرتهم التاريخية المستمدة من التجارب المأساوية لأقرانهم اللاجئين في الأردن ولبنان والعراق والكويت، والتي تثقل عليهم وتنمي مشاعر الحذر عندهم من أي تدخلات قد تهدد وجودهم واستقرارهم. وخامسها يتأتّى من غياب مرجعية وطنية لهم، مع حالة الانقسام الحاصلة في حركتهم الوطنية، وهو وضع ينمّي السلوكيات السلبية أو الانكفائية في التعاطي مع أي حركات سياسية. وسادسها وهو نتاج رؤية مفادها أن النظام السوري استهلك القضية الفلسطينية في تثبيت شرعيته وتبرير سياساته لا أكثر، وأن كل حديثه عن اعتبارها القضية المركزية للأمة العربية إنما هي مجرد ادعاءات».

ورغم ذلك امتزج الدمُ الفلسطينيُّ بالدم السوريِّ منذ الأسبوع الأوّل للثورة السوريّة، فقد بدأ سقوطُ الشهداء الفلسطينيّين بشكلٍ متقطّعٍ في الأشهر الأولى إلى أن أخذَ منحىً تصاعديّاً على شكل قفزات كبيرة في مطلع شهر تمّوز/يوليو 2012، بعضهم قضى أثناء إسعافِ الجرحى أو إدخال المؤن الغذائيّة للمحاصرين في الأحياءِ السورية المجاورة؛ فالشهيدُ وسام أمين الغول من مخيّم درعا، وهو أوّلُ شهيدٍ فلسطينيٍّ يسقط بعد اندلاع الاحتجاجات السورية، استشهد في 23 آذار/مارس 2011 برصاص الأمن بعد نقله لاثنين من الجرحى السوريين إلى أحد المشافي.

وقد بلغ عدد الشهداء الفلسطينيّين في كامل الأراضي السوريّة حتّى تاريخ 10 كانون الثاني/ يناير الماضي، أكثر من 1840 شهيداً من بينهم 194 امرأة و 189 طفلاً. بين هؤلاء، 103 شهداء قضوا في المخيم جوعاً، و1423 شهيداً موثّقين بشكل كامل، ونحو (287) شهيداً لم يتمَّ توثيق أسمائهم لأسبابٍ عديدةٍ منها التصفية السرية في المعتقلات، والمفقودين، وصعوبةُ التوثيق في بعض المناطق، ودفن العديد من الشهداء مجهولي الهويّة في ظروفٍ أمنيّة مشدّدة أو بشكل عاجل، والتشوّه الشديد لبعض الجثث، ورغبة بعض ذوي الشهداء بعدم التوثيق لأسباب أمنيّة. ويشمل هذا العدد غير الموثّق ضحايا مجازر وإعدامات ميدانيّة لعائلاتٍ كاملةٍ ضمّت بينها شهداءَ فلسطينيّين.