الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في غزة.. فلسطينيون بلا هوية

2015-10-01 12:10:29 PM
في غزة.. فلسطينيون بلا هوية
صورة ارشيفية


#الحدث- هداية الصعيدي

هم "أصحاب لم الشمل".. يعيشون في "سجن" اسمه "قطاع غزة"..بطاقتهم الشخصية التي لا تحمل رقماً، عبارة عن "قصص من المعاناة".. لا يمتلكون جنسية البلد الذي ولدوا وآباءهم فيه، والتي بدونها لا يمكنهم السفر إلى خارج حدود القطاع. 

الفنانة ديما شعشاعة (23 عاماً) رفضت عدة دعوات للمشاركة في معارض فنية عربية ودولية، لعدم امتلاكها بطاقة شخصية (رقم قومي)، تمكنها من السفر خارج قطاع غزة.

وفي الخامس من يونيو/حزيران عام 1967، اندلعت حربًا بين إسرائيل وجيوش عربية، ترتب عليها نزوح 300 ألف شخص، من قطاع غزة والضفة الغربية، وفق إحصائيات فلسطينية، فتم سحب أسماء هؤلاء من السجل المدني الفلسطيني، من قبل السلطات الإسرائيلية.

وبسبب نزوح عائلتها من القطاع عام 1967، حُرم جميع أفراد الأسرة من الحصول على رقم قومي جديد، منذ ذلك الوقت، عقب سحب السلطات الإسرائيلية التي كانت تدير ملف الأحوال المدنية للقطاع، أسماءهم من السجل المدني، وأطلق عليهم لقب "نازحون بلا هوية".

وتقول شعشاعة  إن أفراد عائلتها جاءوا إلى قطاع غزة عام 1994، بتصريح زيارة مؤقت، عبر معبر بيت حانون (إيريز) الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، لكنهم مكثوا في القطاع حتى اليوم، في محاولة منهم لإصدار بطاقات شخصية.

ويقول مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، على موقعه الإلكتروني، إنه في إطار اتفاقية أوسلو التي وُقعت بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عام 1993، نُقلت إلى الأخيرة صلاحيات إدارة السجل السكاني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتقرر آنذاك، أن تسيطر السلطة على السجل السكاني وأن تديره، وأن تُنقل إليها صلاحيات إصدار بطاقات هوية، وتصاريح الزيارة، وتسجيل الأطفال الذين وُلدوا في الخارج حتى بلوغهم 16 عامًا، شريطة أن يكون أحد الوالدين مسجلاً كأحد سكان المناطق المحتلة.

ولكن، نصت الاتفاقيات أيضًاً، أنه على الجانب الفلسطيني إخبار إسرائيل بكل تغيير يجريه في السجل، كما عليه أيضًا، الحصول على تصديقها من أجل منح الإقامة لأزواج وأولاد السكان الفلسطينيين، في إطار إجراءات لمّ الشمل، بالإضافة لإصدار تصاريح زيارة للمناطق المحتلة.

وفي عام 2000، جمّدت إسرائيل عملية تسجيل المستجدات والتغييرات في نسخة السجل الذي لديها، ومن وقتها وهي لا تعترف بالتغييرات التي تجريها السلطة الفلسطينية، واليوم، تسمح السلطة بتسجيل الولادات والوفيات فقط، وباستبدال البطاقات البالية، ونتيجة لذلك، لا تملك السلطة في الضفة الغربية، أو حركة حماس في قطاع غزة، أية إمكانية لإصدار بطاقات هوية للسكان معدومي المكانة القانونية وتصديق طلبات لمّ الشمل.

وخلال السنوات الماضية، حصلت السلطة عبر وزارة الشؤون المدنية، على موافقة الجانب الإسرائيلي، على منح آلاف الأسر الفلسطينية البطاقة الشخصية "لم الشمل".

ويقف اسم نازحة، عقبة أمام أحلام الشابة ديما شعشاعة، التي تعمل فنانة تشكيلية، في عرض أعمالها في دول عربية وأجنبية، وتحقيق الشهرة التي تتمناها على المستوى الدولي، وفق تعبيرها.

"وتضيف: "عُرض عليّ قبل فترة قصيرة العمل في إحدى الدول، لكني لا أملك هوية حتى أتمكن من إصدار جواز سفر، وإن استطعت الخروج من غزة، بأية طريقة فهذا يعني عدم القدرة على الرجوع مطلقًا إلى القطاع".

وتواجه ديما صعوبة في الحصول على أموالها التي يرسلها لها زبائنها من خارج القطاع على البنوك، مقابل أعمال فنية نفذتها لهم، لعدم امتلاكها بطاقة "هوية".

وتمضي قائلة: "إننا هنا كالسجناء، ليس سهلاً أن يعيش الإنسان، بلا أوراق ثبوتية، كل ما أملكه بطاقة تعريف منحتني إياها وزارة الداخلية في غزة، للمساعدة في إجراء بعض المعاملات داخل حدود المدينة فقط".

وبعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، عام 2005، قدمت السلطة الفلسطينية تسهيلات للآلاف ممن لا يملكون بطاقات هوية، إلى حين إصدار أرقام وطنية لهم، من بينها، إصدار بطاقة لتسهيل مهامهم لدى مؤسسات السلطة.

وتتعاظم مأساة هؤلاء ليس فقط مع السفر، وإنما مع الزواج، والإنجاب، ولعل السيدة منار أبو خضرة (37 عاماً)، مثال لذلك، فهي التي تشعر "بغصة في قلبها" كلما تذكرت بأنها لا تستطيع إضافة أسماء أطفالها في بطاقتها الشخصية.

وتحمل أبو خضرة التي تزوجت عام 2000، بطاقة هوية إسرائيلية، موضحة: " عام 1989 قرر والدي أن نغادر القطاع، إلى مدينة بئر السبع (جنوب)، هناك حصلنا على بطاقات شخصية إسرائيلية".

وتضيف:" سوء الأوضاع المعيشية في غزة هو ما دفعنا للسفر، ولكن الأوضاع هناك لم تكن أفضل حالا، مما اضطرنا للعودة في عام 1994، مع قدوم السلطة الفلسطينية".

وأوضحت أنهم عندما عادوا إلى القطاع، وجدوا أسماءهم قد سُحبت من السجل المدني الفلسطيني، وعليهم أن يتنازلوا عن الهوية الإسرائيلية، لكي يحق لهم تقديم طلب بإصدار هوية فلسطينية.

واستدركت:" لم يشأ والدي رحمه الله أن يتنازل عن الهوية الإسرائيلية، لأننا بذلك سنفقد الأحقية في بعض الأملاك لنا في مدينة بئر السبع".

ولأنها لا تحمل بطاقة هوية، اضطرت للتنازل عن أبنائها في وزارة الداخلية، ولا يُعترف بها قانونياً، أنها والدتهم، ولا يحق لها المطالبة بإضافة أسمائهم"، واصفة ذلك بأنه "قاس جدًا".

ولأنها تحمل لقب نازحة، لم تستطع أبو خضرة، تسجيل قطعة أرض اشترتها باسمها، أو الحصول على رخصة قيادة، وحُرمت أيضاً من السفر، لقضاء عطلة عائلية في تركيا، كما تقول.

وبنبرة حزن استطردت حديثها:" كان يُفترض أن يكون يوم عقد قراني ذكرى سعيدة لي، كما كل الفتيات، لكنني في ذلك اليوم اضطررت لتقديم تنازل في المحكمة عن كافة حقوقي، حتى تتم إجراءات الزواج".

وفي عام 1971، اعتقلت القوات الإسرائيلية المسنة فاطمة الحلبي (64 عامًا)، عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها، وحكمت عليها 20 عامًا، تعرضت خلالها لأشكال عنيفة جدًا من التعذيب، كما تقول.

وفي حديثها ذكرت الحلبي أنها عندما عادت لقطاع غزة، عام 1995، تفاجأت بمحو اسمها من السجل المدني الفلسطيني، ورغم تقديم عائلتها لطلب "لم شملها" معهم عدة مرات، إلا أنها منذ ذلك الوقت لا تحمل بطاقة هوية.

"لقد كان شيئًا أقرب للخيال، كيف تم رفع اسمي من السجل المدني، لقد كانت دهشة وصدمة"، تتساءل الحلبي التي تعاني من "كسر في الرقبة، وإصابة بالغة في قدمها، تعيق من حركتها، وتؤلمها بشكل مستمر، جراء تعذيبها في السجون الإسرائيلية"، وفق قولها.

وتحتاج هذه المسنة التي تسير بواسطة عكاز طبي، إلى السفر لإجراء عمليات جراحية، قائلة:" عدم امتلاكي لرقم قومي يجعلني مكبلة وعاجزة، وكأنني سجينة".

من جهته، قال ناصر السراج، وكيل وزارة الشؤون المدينة في قطاع غزة، التابعة للسلطة الفلسطينية، إن عدد الأفراد المسجلين لدى الوزارة في القطاع للحصول على بطاقة شخصية برقم وطني، يبلغ ، 5 آلاف شخص.

وأشار إلى أنه لم يتم إحصاء جميع من لا يحمل بطاقات شخصية، في قطاع غزة والضفة الغربية، قائلاً: "ربما هناك أفراد آخرون، لم يقدموا طلبات لدينا".

ومنذ نحو عام ونصف العام لم توافق السطات الإسرائيلية على إصدار بطاقات شخصية لهؤلاء الأفراد، وفق السراج الذي أوضح أن وزارته تجري مباحثات مستمرة مع الجانب الإسرائيلي لإعادة تفعيل إصدار البطاقات الشخصية.

ولفت المسؤول نفسه إلى أن هذه الفئة من الفلسطينيين تواجه صعوبات عديدة، فمنهم المرضى الذين يحتاجون للسفر عاجلاً، ومنهم من يرغب في إكمال دراسته، وغير ذلك.

من جهته، قال ماهر أبو صبحة، الوكيل المساعد لقطاع الأحوال المدنية والجوازات والإقامات وشؤون الأجانب، في وزارة الداخلية بغزة (تديرها حركة حماس) إن:" السلطات الإسرائيلية هي المعيق الرئيسي في عدم حصول هؤلاء الفلسطينيون على رقم وطني".

وأضاف:" في عام 1967 نزح آلاف الفلسطينيين خارج قطاع غزة والضفة الغربية بسبب الحرب الإسرائيلية آنذاك وعلى الفور قامت إسرائيل بسحب رقمهم الوطني من السجل المدني، فهي من كانت تدير منظمة الأحوال والشؤون المدينة ".

وتابع: "في عام 1988 وعقب الانتفاضة الأولى، حدّثت السلطات الإسرائيلية السجل المدني والرقم الوطني، واعتبرت الخارجين من قطاع غزة والضفة الغربية، أنه لا يحق لهم امتلاك رقم وطني".

وأشار أبو صبحة إلى أن هؤلاء الفلسطينيين أُطلق عليهم فيما بعد لقب "نازحون" لعدم امتلاكهم بطاقة شخصية.

المصدر: وكالة الأناضول