الناصرة- محمد وتد
تعيش قرية جسر الزرقاء الواقعة في منطقة الكرمل الكثير من التحديات وتخوض معركة البقاء والصمود كونها القرية الفلسطينية الوحيدة المتبقية على ساحل شاطئ البحر منذ النكبة، ويسكن البلدة قرابة 14 ألف نسمة على بقعة أرض لا تعدى مساحتها 700 دونم ممتدة عليها نحو 2500 وحدة سكنية، إذ بلغ مسطح القرية قبيل النكبة قرابة 12 ألف دونم صودرت للاستيطان والتهويد والمشاريع الزراعية والصناعية اليهودية والحدائق الوطنية والمحميات الطبيعية.
وتحاصر لجان التنظيم والبناء الاحتياط الأخير من الأراضي فهناك 500 دونم مصنفة محمية طبيعية، رغم أنها بملكية خاصة للسكان، لتضاف أيضا إلى 400 دونم بملكيه خاصة حيث تحظر سلطات التنظيم والبناء الإسرائيلية على أصحابها استعمالها لقربها من الشاطئ، كما أنها تماطل في المصادقة والدعم وتوفير الميزانيات لمشروع القرية السياحية في المكان الذي بادر إليه المجلس المحلي منذ سنوات ضمن مخططه لتطوير وتوسيع الميناء وقرية الصيادين البدائية بسبب إهمال وتهميش السلطات الإسرائيلية.
وتغرق عائلات القرية بالفقر المدقع وتعاني انتشار البطالة إذ أن %80 من العائلات تعيش تحت خط الفقر بينما معدلات البطالة تصل إلى نحو %40 وذلك في ظل انعدام مرافق صناعية وتجارية وسياحية، حتى قرية الصيادين مهددة بالزوال لانعدام التطوير وتكريس الإهمال، فعائلات القرية التي عملت في صيد الأسماك تشكو إهمال الشاطئ ومنطقة الميناء، مما حدا بعشرات العائلات التي كانت تعيش من الصيد لهجر الميناء بحثا عن العيش الكريم، في حين أن وعود الحكومات المتعاقبة بتطوير المنطقة وإقامة قرية سياحية ما هي إلا ذر للرماد بالعيون.
مراد عماش: «يعكس واقع القرية التي تسرد تاريخ فلسطين وتحكي مسلسل التشريد واللجوء مشاهد النكبة وجوهر الصراع مع إسرائيل المتمثل بالقضية الفلسطينية»
وصف رئيس المجلس المحلي بالقرية مراد عماش واقع القرية بالمأسوي وشبهها بمخيمات اللاجئين، حيث يجزم بأن القرية التي لديها أوجه شبه وقواسم مشتركة للقضية الفلسطينية بجوهرها وتداعياتها، ما زالت تعيش فصول النكبة، حيث يعكس واقع القرية التي تسرد تاريخ فلسطين وتحكي مسلسل التشريد واللجوء مشاهد النكبة وجوهر الصراع مع إسرائيل المتمثل بالقضية الفلسطينية.
وبين رئيس المجلس، بأن سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ونهج التمييز العنصري ضد القرية بعزلها عن محيطها العربي وسلخها عن أراضيها وحرمانها من الميزانيات ومشاريع التطوير، خلق ظروف معيشة وكارثة إنسانية متواصلة بحجب القرية بجدار ترابي عن بلدة قيساريا التي يقطنها حكام دولة إسرائيل ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ويرفض الجيران اليهود بقول مراد عماش: “الاستماع لنداءات الأهالي أو الاستجابة إلى احتياجات القرية والأهالي بالأرض والمسكن والخدمات الاجتماعية والاقتصادية والظروف المعيشية الخدماتية. وبسبب انعدام أماكن البناء، اضطرت مئات الأزواج الشابة إلى هجرة القرية التي هي بحاجة فورية لـ800 دونم للسكن، كونها تعاني كثافة سكانية هي العليا بالداخل الفلسطيني”.
وأوضح عماش بأن عقوداً من الإهمال خلقت مشاكل اجتماعية واقتصادية تمثلت بانعدام فرص العمل والحرمان من إقامة مشاريع سياحية وتجارية، ليؤدي ذلك إلى انتشار البطالة والفقر المدقع في صفوف الغالبية العظمى من عائلات القرية، وهذا الواقع نتج عنه مشكلات اجتماعية تمثلت بالجنوح والعنف والتسرب من المدارس، إذ أن الظروف الاجتماعية الاقتصادية المتدنية انعكست سلبا على مختلف مناحي الحياة وباتت تهدد مستقبل النشء وأبناء الشبيبة الذين يحرمون من الأطر الاجتماعية والثقافية والتربوية والتعليمية.
خليل جربان: «الحياة في القرية ما زالت بدائية ولم تتطور بسبب عنصرية إسرائيل التي ترى في السكان خطرا إستراتيجيا وتتطلع لاجتثاثهم وترحيلهم عن المكان»
ويسرد الحاج خليل جربان رئيس قرية الصيادين تاريخ القرية ومعاناتها وفصول النكبة المتواصلة، حيث كان في مقتبل العمر في عامه الخامس عشر حين شرد الشعب الفلسطيني ودمرت قراه ومدنه في العام 1948، ويجزم جربان بان حكاية القرية التي بقيت صامدة على ساحل البحر تلخص لب القضية الفلسطينية بمختلف تعقيداتها وتداعياتها، حيث ما زال يتذكر مشاهد النكبة واللجوء بل يعاني من الشتات ويتوق إلى لم الشمل، فأبناء عمومته ممن التحقوا بركب الثورة والمقاومة شردوا وهم يقطنون في مخيمات اللجوء بلبنان والأردن.
ومنذ النكبة فإن معاناة الحاج جربان أسوة بالقرية وسكانها ما زالت متواصلة، ويسعى مع زوجته وأولاده الـ 11 للصمود والبقاء رغم الضيق وانعدام ظروف الحياة، اذ يسكن مع خمسة من أولاده المتزوجين في خمس شقق سكنية لا تتعدى مساحة الشقة الواحدة منها مائة متر مربع، وذلك جراء سياسة التمييز العنصري التي يعاني منها الأهالي جراء اعتماد دولة إسرائيل سياسة التفرقة والتهميش تجاههم، ويعمل جاهدا على إقناع جيرانه اليهود بضرورة تسوية النزاع وإنهاء معاناة سكان القرية المتواصلة منذ النكبة.
وتروي قرية الصيادين قصتها على لسان رئيسها، حيث بقيت صامدة رغم النكبة ومعاناة السكان بمجمل التناقضات والتحديات، فأكواخ الصفيح زادت وانتشرت على الشاطئ بدل أن تتحول لقرية سياحية وميناء أسوة بالمناطق الساحلية المتاخمة للبلدات اليهودية. يقول جربان “الحياة بالقرية ما زالت بدائية ولم تتطور بسبب عنصرية إسرائيل التي ترى في السكان خطرا استراتيجيا وتتطلع لاجتثاثهم وترحيلهم عن المكان، لكن صمودهم أفشل هذه المخططات التي تسعى لسلب الأراضي وتحويلها لمحمية طبيعية”.
الدكتور محمد حمدان: «حصار القرية وخنقها ترك ترسبات سلبية وتداعيات خطيرة على القرية الأشبه بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار»
وتعيش الأزواج الشابة في القرية هواجس الطرد والتشريد وذلك في ظل انعدام مسطحات الأرض للبناء وغياب الخدمات وفقدان مقومات الحياة الأساسية، حيث يعاني الدكتور محمد حمدان وهو متزوج وأب لطفلتين كغيره من الأزواج في القرية من الاكتظاظ السكاني وضيق الحال، ليجد نفسه مضطرا للسكن في منزل مع والدية وأشقائه الأربعة، لافتا إلى أنه أصر على البقاء بمسقط رأسه ورفض الهجرة الطوعية وما زال يعيش على الحلم وأمل تحسن الأحوال.
ويعتقد حمدان أن معاناة الأهالي المتفاقمة وما يرافقها من فقر وبطالة وتسرب من المدارس وجنوح في أوساط أبناء الشبيبة، تأتي بسبب تضييق الحيز على القرية ومحاصرتها بظل التهميش والعزل ومصادرة غالبية أراضي القرية والتضييق على أهلها، إذ وجدت المئات من العائلات والأزواج الشابة نفسها مضطرة لهجر القرية التي هي بحاجة لحوالي ثمانمائة دونم للبناء لتلبية الاحتياجات الفورية للعائلات بالمسكن.
وعزا حمدان هذه السياسات لتطلع المؤسسة الإسرائيلية لاقتلاع سكان القرية وإرغامهم على الهجرة القسرية، مؤكدا أن حصار القرية وخنقها ترك ترسبات سلبية وتداعيات خطيرة على القرية الأشبه بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار، ومنعا لذلك منحت إسرائيل السكان فتات الخدمات والحقوق، لافتا إلى أن منح الخدمات الحكومية لا يرتقي لإحداث ثورة تطويرية وعمرانية، فواقع القرية أشبه بمخيم لاجئين بينما في البلدة المجاورة قيساريا مسقط رأس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مجال للمقارنة وإن تم الفصل بين البلدين بجدار.
وفي سياق مخططات التهويد والاستيطان ومصادرة الأرض، ناشدت اللجنة الشعبية وفرع التجمع الوطني بالقرية، الأهالي وأصحاب الأراضي والسلطة المحلية، بالإسراع في تقديم الاعتراضات على مخطط تحويل المحمية الطبيعية «وادي التماسيح» الواقعة شمال القرية، إلى «حديقة وطنية»، وذلك في أعقاب الإعلان عن إيداع خارطة تفصيلية في اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في حيفا، واللجنة المحلية للتخطيط والبناء في شاطئ الكرمل- شومرون، حول تحويل المحمية الطبيعية إلى»حديقة وطنية».
سامي العلي: «المؤسسة الإسرائيلية ترى الإبقاء على قرية فلسطينية على شاطئ البحر خطأ تاريخيا»
وقال عضو المجلس المحلي عن التجمع ورئيس اللجنة الشعبية سامي العلي إن: “الحديث يدور عن مخطط تفصيلي يهدف إلى تغيير غاية الأرض من محمية طبيعية إلى حديقة وطنية، وذلك ليتسنى لسلطة الطبيعة والحدائق المسؤولة عن المحمية، تسوية وتنظيم المدخل الرئيسي وما يشمل من مبان وموقف سيارات، واستصدار ترخيص قانوني، لاسيما وأن مبان المحمية الطبيعية والموقف، تعمل بدون تراخيص منذ إقامتها”.
ونوه العلي أن تحويل المحمية الطبيعية والإعلان عنها “حديقة وطنية” يعني مصادرة الأراضي العامة والخاصة لسكان القرية، المحاذية للمحمية، مشيرًا أن مبان وموقف المحمية القائمة اليوم تقع على أراض عامة وخاصة بملكية القرية والمواطنين، وقانون المحميات الطبيعية يحُد من إصدار تراخيص لمبان ومنشآت، وفقط يمكن فعل ذلك في حال تم تغيير الوضعية من محمية لحديقة وطنية والإعلان عن ذلك، وهنا تكمن المخاطر، المتمثلة في مصادرة مئات الدونمات وزيادة خطوط الارتداد والحد من توسع القرية شمالا.
وشدد العلي على أن المؤسسة الإسرائيلية ترى في الإبقاء على قرية فلسطينية على شاطئ البحر خطأ تاريخيا، وعليه تهدف منذ النكبة ومن خلال ممارساتها التضييقية على القرية وسلخ أراضيها ومصادرتها للمشاريع التهويدية وإحاطتها بالجدران الترابية للحد من توسعها، إلى إرغام السكان وتحديدا الأزواج الشابة على الهجرة الطوعية بحثا عن المسكن، ناهيك عن سياسة الإقصاء والإهمال والتهميش والحرمان من الميزانيات ومشاريع التطوير لتوفر بذلك بيئة طاردة.
بسام عماش: “المخطط يهدف بالأساس إلى التضييق على جسر الزرقاء أكثر، ومصادرة ما تبقى من الأراضي الخاصة وتحريشها”
من جانبه، أوضح بسام عماش، عضو اللجنة الشعبية، أن سلطة الطبيعة والحدائق، تدير المحمية الطبيعية «وادي التماسيح» منذ أكثر من 10 سنوات، بعد إجراء أعمال ترميم وتحسين وكشف المعالم الأثرية فيها وبناء مسار على طول وادي التماسيح، حيث صادرت مئات الدونمات من أراضي المواطنين الخاصة ومساحات عامة لبناء موقف سيارات ومكاتب ومخازن ومنشآت دون ترخيص حتى اليوم.