الحدث - محمد مصطفى
رغم التقدم العلمي الهائل في مجال الزراعة، واختراع أدوية ومبيدات حشرية فتاكة، تستطيع التغلب على كافة أنواع الآفات والديدان الحقلية، إلا أن المزارعين لازالوا بحاجة ماسة للطيور الحقلية، التي تسمى محلياً "صديق الفلاح"، لقدرتها الكبيرة في تخليص أراضيهم من الآفات الضارة بالمزروعات، بطريقة صحية وآمنة، وفعالة، والأهم من ذلك مجانية.
فالطيور من آكلة الديدان ومعظمها غير مستوطن، تبدأ بالهجرة إلى سواحل شرق البحر المتوسط خريف كل عام، فتشاهد في الحقول الآلاف منها لاسيما "أبو فصادة"، و"هزاز الذيل"، و"الهدهد"، و"عواد"، وأنواع تكاد لا تحصى.
ويتزامن هجرة الطيور مع بدء تحضير المزارعين أراضيهم لموسم الزراعة الشتوية، ورشها بالأسمدة البلدية، ومن عيوب هذه الأسمدة اجتذابها لأنواع عددية من الديدان والحشرات، لذلك يسعد المزارعون حين يروا الطيور المهاجرة تنتشر في أراضيهم.
طيور مفيدة
ويقول المزارع أحمد مسعود، إن وجود الطيور المهاجرة في الحقل يعتبر أمر جيد بالنسبة للمزارع، ويضمن له القضاء على معظم أنواع الديدان الضارة، خاصة آكلة الورق.
وأكد مسعود أنه حتى ولو كان الحقل يعاني انتشار كبير للديدان، فإن وجود الطيور المذكورة، يضمن الحد من انتشارها بما لا يجعل أعدادها تصل لحد يهدد المزروعات، مضيفاً بأن وجود تلك الطيور يقلل من لجوء المزارع لرش أدوية ومبيدات زراعية، وهذا يقلل من كلفة الإنتاج.
وأوضح مسعود أن المبيد الحشري يعمل لفترة معينة، فمفعولة بعد الرش يستمر من ثلاثة إلى عشرة أيام كحد أقصى، بعدها ينتهي، وتعود الآفات للانتشار في الحقل من جديد، وهذا يحتم على الفلاح تكرار عملية الرش، ما يزيد من الأعباء المادية الملقاة على عاتقه، بعكس الطيور التي تعتبر مبيد حشري مستمر لا يتوقف عن العمل، وليس لها أي ضرر جانبي.
وبين أن هناك نوعين من الطيور آكلة الديدان، الأول يتمتع بنظر ثاقب، وهو يرى الحشرة أو الدودة لمسافة قد تزيد على 20 متر، وينقض عليها ليأكلها، وهذا النوع يتعمد الوقوف على تلال أو أعمدة خشبية مرتفعة، بينما ثمة نوع آخر مثل "أبو فصادة"، و "هزاز الذيل"، وهي طيور صغيرة تنتشر في الحقل بالعشرات، وتعتمد نظام تمشيط الأرض، فنظرها ليس بالحاد كسابقتها، لذلك فهي تسير على الأرض وتمشط الحقل شبر شبر، وتأكل كل ما تصدفه في طريقها من آفات.
مساعدة جزئية
أما المزارع محمد أبو عدوان، فأكد أن الطيور المذكورة تقدم خدمات مجانية تساعد الفلاح في القضاء على 30-40% من آفات الحقل، وهي تأكل الديدان والآفات المنظورة، بينما تنجو من براثنها تلك التي تتخفى بين الأوراق، إضافة إلى عدم مقدرتها على التقاط الآفات المجهرية الصغيرة، وهي أيضا عاجزة عن مساعدة الفلاح في التخلص من بعض الأمراض الفطرية وغيرها، لذلك تبقى الحاجة للمبيدات ضرورية.
ونوه أبو عدوان، إلى أن ثمة أنواع من المبيدات شديدة السمومية مثل "اللنت"، تؤثر على الطيور نفسها، وقد تتسبب في نفوقها، خاصة أذا ما التقطت الطيور بعض الحشرات التي قتلها المبيد، فسرعان ما تتسمم وتنفق، لذلك على المزارعين الحذر عند رش مبيداتهم، وانتقاء الأنواع التي لا تتسبب في أذى الطيور المفيدة.
وأكد أن المزارع بحاجة في كل شتاء وإلى جانب الطيور المذكورة، إلى هطول الأمطار بانتظام، وانخفاض درجات الحرارة، فالعاملين المذكورين يسهمان في القضاء على المبيدات، بينما انحباس الأمطار وارتفاع الحرارة وتكون الشبورة المائية في الفصل الماطر، تعتبر عوامل تساعد في تكاثر وزيادة عدد الآفات في الحقل.
محاذير هامة
من جانبها أكدت جمعية المزارعين الفلسطينيين ومقرها جنوب قطاع غزة، أنه في فصل الخريف من كل عام تأتي ملايين الطيور المهاجرة لتحل ضيف على فلسطين والمنطقة، بعد فرارها من البرد القارص في أوروبا وجزر البحر المتوسط، وتقضي عدة أشهر، قبل أن تعود وتهاجر مطلع فصل الربيع.
وأكد محمود الحشاش أمين سر الجمعية، أنه لقاء الخدمات الكبيرة والهامة التي تقدمها هذه الطيور للمزارعين، يتوجب عليهم حمايتها، وتوفير أجواء آمنة لها، عبر أمرين هامين، الأول تجنب صيدها، خاصة من قبل الصبية والأطفال، الذين يقصدون الحقول بهدف صيد تلك العصافير الصغيرة، التي لا تسمن ولا تغنى من جوع.
أما الأمر الثاني فيتمثل بتجنب استخدام المبيدات الحشرية الفتاكة، على الأقل خلال فترة وجود الطيور، التي قد تكون سبب في نفوق المئات منها، متمنياً للمزارعين موسم شتوي مميز، يحقق لهم إنتاج زراعي وفير.