دخلت المواجهات الفلسطينية- الاسرائيلية، مرحلة جديدة، مفتوحة، جعلت الكثيرين يتساءلون: هل بدأت الانتفاضة الثالثة؟ ربما نكون امام نوع جديد من الانتفاضة، انتفاضة مختلفة عن اخواتها السابقات، انتفاضة تتسم بالهجمات الفردية العنيفة، المترافقة مع تحرك شعبي في مواجهة أي عملية أمنية اسرائيلية في المدن والبلدات المخيمات.
انتفاضة ردة الفعل، بحيث يكون عنفها بحجم عنف الفعل الاسرائيلي، من انتهاك للمسجد الاقصى الى غض الطرف عن اعتداءات المستوطنين وجرائمهم البشعة مثل حرق عائلة دوابشة وغيرها.. تتسم الانتفاضة الشعبية بالتنظيم والعمق الشعبي، وهو امر غير متوفر في الانتفاضة الفردية الحالية التي لا قيادة موحدة لها، لا قيادة تنظمها وتوجهها عبر بيانات تحدد فعاليتها.. اعتقد ان الفلسطينيين لن يقدموا على انتفاضة شعبية منظمة وعميقة، كسابقاتها، في هذه المرحلة، لأسباب عديدة منها:
- لا يوجد أي أمل عند الفلسطينيين بان انتفاضة جديدة ستنجح في طرد الاحتلال وكنس الاستيطان وتحقيق الاستقلال، وذلك استنادا الى تجربة الانتفاضة السابقة التي ما زالت احداثها ماثلة أمامنا.
- الفلسطينيون يراقبون مشاهد الدماء والدمار والدموع والتشريد الجماعي الجاري في دول المنطقة مثل سوريا ولبيا والعراق، ولا يريدون ان يروا هذا الكابوس يحدث لهم، خاصة اللجوء وانتشار الجماعات المسلحة وعودة الفوضى والانفلات.
- لا يوجد جهات منظمة قادرة على تحريك وقيادة الانتفاضة، إما لأن القوى الراغبة مثل "حماس" مستنزفة، او لأن القوى القادرة، مثل "فتح"، غير راغبة.
- الفلسطينيون يعيشون اليوم فترة انتقالية ما بين حل الدولتين الذي ابتلعته المستوطنات اليهودية، والبديل الذي سيظهر في المستقبل، لذلك يفضلون انتظار ميلاد البديل وعدم المغامرة في خطوة تسفر عن انهيار الاقتصاد وتدمير البنى التحية دون تحقيق اي حد من الاهداف.
- لم يعد هدف الدولة براقا وجذابا للكثير من الفلسطينيين بحيث يستحق ان يراق الى جانبه الدم، والسبب في ذلك هو فشل النظام السياسي الفلسطيني في تحقيق الحد الأدنى من تطلعات الجمهور.
الجمهور في غزة يقول بان العيش في دولة مستقلة بدون كهرباء لا قيمة له، والجمهور في الضفة يرى ان استقلالا مع سلطة تنتفع منها طبقة حاكمة صغيرة تحرم الجمهور من الانتخابات والبرلمان والرقابة والقضاء المستقل، لا تستحق التضحية بالأرواح والممتلكات من أجلها. لكن هذا لا يمنع الاحتجاج الذي حدث ويحدث وسيظل يحدث بكل الاشكال والصيغ، خاصة الاشكال التي شهدناها في اليومين الماضيين.
- في غياب الأمل، اي امل، فان الفلسطيني يصب اهتمامه في هذه المرحلة على تدبر اموره بنفسه بعد ان فقد الثقة في قدرة النظام الساسي على حل مشكلاته سواء في غزة او في الضفة.
وكما قال فولتير: عندما تنهار الاحلام الكبيرة يتجه الانسان للانشغال في ترتيب حديقة بيته.
الفلسطينيون يحتجون وسيواصلون الاحتجاج على الممارسات الاسرائيلية، كل بطريقته، العنيفة منها وغير العنيفة، لكنهم لا يظهرون اي اهتمام بإطلاق انتفاضة شعبية في هذه المرحلة، لذلك سنظل نرى الكثير من الاحداث الفردية التي ربما يطلق عليها التاريخ اسم "الانتفاضة الفردية" الفلسطينية.