خاص الحدث - غزة
عمد الاحتلال في عدوانه المتواصل على قطاع غزة الى ضرب المقومات الرئيسة لاقتصاد غزة من مصانع ومنشآت ذات تخصصات إنتاجية مختلفة مستهدفاً بذلك تقويض الوضع الاقتصادي وإفقار سكان القطاع عبر توسعة رقعة البطالة عبر تدمير ما تبقى من هذه المنشآت وتسريح العاملين فيها ودفع أصحابها باتجاه عدم التفكير بإعادة بناء مصانعهم المدمرة، سيما وأن معظمها تعرضت أكثر من مرة للقصف والتدمير.
وفي أحاديث منفصلة أجرتها الحدث مع عدد من أصحاب المنشآت التي دمرتها آلة حرب الاحتلال، أجمع المتضررون من العدوان من الصناعيين ومالكي المنشآت الإنتاجية المختلفة التي طالتها آلة حرب الاحتلال، على أن قصف هذه المنشآت جاء تنفيذاً لقرار صدر عن جهات عليا في حكومة الاحتلال بهدف فرض المزيد من الخنق الاقتصادي على قطاع غزة.
ويقول أحمد التلباني مالك مصنع العودة الذي يعد من أقدم مصانع الصناعات الغذائية في قطاع غزة، حيث أنشئ عام 1977: "كان مصنعي يشغل 600 عامل، ولكن بعد أن قامت دبابات الاحتلال بتدمير كل شيء في المصنع، فلم يعد هناك إمكانية لتشغيل عامل واحد في هذا المصنع الذي بنيته لبنة لبنة، وحافظت عليه ورعيته كأنه أحد أبنائي، فالاحتلال لم يدمر فقط الماكينات بداخل المصنع، بل دمر ذكريات عمرها أكثر من أربعين عاماً".
وأشار التلباني إلى أن مصنعه القائم على شارع صلاح الدين في منطقة وسط قطاع غزة، استهدف مرتان خلال هذه الحرب، الاستهداف الأول كان في الثاني والعشرين من الشهر الماضي بقذائف ضربت الجدران الخارجية، وفي السابع والعشرين من الشهر نفسه استهدف بشكل مباشر، ما يؤكد أن هناك نية مسبقة لضرب المصنع، حيث انفجرت القذائف بداخل المصنع ما أدى إلى احتراقه كلياً واشتعال كل محتوياته من مدخلات صناعة الأغذية ومنها 300 طن مرجرين "زبدة"، ومئات الأطنان من السكر والطحين حيث لم يتم السيطرة على النيران التي اشتعلت أيضاً في الصناديق البلاستيكية، وكامل المبني المكون من ثلاث طبقات على مساحة خمسة دونمات، ومثلها مساحة المخزن الأرضي للمصنع الذي احترق كلياً.
وبين التلباني أن خسارته تقدر بما يزيد عن 30 مليون دولار، إضافة إلى الحرائق التي اندلعت في شققه السكنية المجاورة للمصنع، منوهاً إلى إن المصنع كان ينتج يومياً 65 طناً من المنتجات المختلفة، منها البسكويت والويفر والأيس كريم والشيبس، متسائلاً بقوله: "من سيقوم بتعويض هذه الخسارة؟".
أما أحمد سليم، أحد مالكي شركة سليم للتجارة والصناعة، فأشار إلى أنه تم تدمير مصنع الإسفنج والفرشات التابع لشركته قرب مدخل بلدة بيت حانون بقذائف المدفعية التي استهدفته على ثلاث مراحل، إلى أن أتت على المصنع بأكمله وأحرقت كافة محتوياته من ماكينات ومنتجات إسفنجية أدت إلى اشتعال النيران بسرعة بالغة، وتعثر إطفائها من شدة النيران وكثافة الدخان المتصاعد الذي غطى منطقة شمال قطاع غزة بأكملها لعدة ساعات، إثر تواصل اشتعال النيران بداخله من الساعة الثالثة فجراً وحتى الخامسة مساءً.
وبين سليم أن خسارته تجاوزت 2.5 مليون دولار، وأن المصنع تعرض للقصف ثلاث مرات خلال الحربين السابقتين، معتبراً أن ذلك بمثابة دليل واضح على سياسة الاحتلال الهادفة لتدمير اقتصاد قطاع غزة، وضرب مقوماته وركائزه عبر ما شاهدناه خلال هذا العدوان من دمار متعمد وغير مسبوق في ضراوته بالمقارنة مع الحروب السابقة على قطاع غزة.
ولم يكن أسامة الخزندار الذي يمتلك مصنع المجد لإنتاج الكرتون والأكياس البلاستيكية "النايلون" في شارع صلاح الدين قرب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بأفضل حال من سابقه حيث تم قصف مصنعه بما فيه من مواد سريعة الاشتعال من بينها 700 طن من المواد البلاستيكية.
وقال: "ما تعرضت له العشرات من مصانع القطاع كان بمثابة حرب إبادة شنها الاحتلال على اقتصاد القطاع، فمصنعي القائم على ثلاثة دونمات ونصف الدونم دمر كلياً في ثاني أيام عيد الفطر، واستمرت ألسنة الدخان تتصاعد لعشرة أيام رغم أنه تم إطفاء الحرائق التي اندلعت داخل المصنع على مدار عدة ساعات".
وأشار إلى أن الخسارة الناجمة عن تدمير مصنعه الذي كان يشغل 50 عاملاً تقدر بما يزيد عن مليوني دولار، بما في ذلك المعرشات والمخازن التي طالها القصف وحولها إلى كومة ركام.
وبين أن مصنعه تعرض خلال حرب عام 2009 لأضرار بالغة، وتم خلال السنوات الماضية إعادة بناء وتأهيل المصنع لتقصفه قذائف الاحتلال خلال هذه الحرب وتدمره كلياً، متسائلاً: "ما علاقة المصانع كي يتم استهدافها؟ فهذه مصانع لا تنتج الأسلحة والقنابل، فلماذا يستهدفونها؟ هل لأنها تنتج الكرتون والنايلون والمواد الغذائية والملابس؟"
وحول توجهاته بشأن استئناف نشاطه في المرحلة المقبلة، قال: "حتى الآن لم نفق من هول الصدمة التي لحقت بنا، فلا أعرف إن كنت سأواصل إعادة بناء المصنع أم لا، وإن قمنا بإعادة بناء مصانعنا المدمرة هل سيكون هناك ضمانات لعدم استهدافها مرة أخرى؟"
من جهته اعتبر جمال أبو النجا، رئيس جمعية إنتاج وتسويق الخضار، أن العدوان على غزة أنهى صادرات القطاع الزراعي كلياً، حيث بات هذا القطاع بحاجة للبدء مجدداً من نقطة الصفر لاستعادة نشاطه التصديري بعد أن قصف الاحتلال العديد من الدفيئات الزراعية في مناطق المحررات جنوب القطاع، وكذلك تدمير العديد من الدفيئات القائمة في الأراضي الواقعة شرق المنطقة الوسطى للقطاع.
وبين أبو النجا أنه على مدار شهر من العدوان، لم يستطع مزارعو المحاصيل التصديرية الوصول إلى مزارعهم داخل الدفيئات، حتى التي نجت من القصف، لم تنج من العطش فجفت المزروعات كافة في الأسبوع الأول من العدوان.
ولفت أبو النجا إلى أن منتجات المحاصيل التصديرية، تعد المنتجات الزراعية الوحيدة التي كان يتم تصديرها إلى الأسواق الخارجية، وبالتإلى أتت هذه الحرب على تدمير ما تبقى من القطاع الزراعي.