الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أطفال في غزة يداوون آثار الحرب بإيقاعات موسيقية

2015-10-07 11:07:39 AM
أطفال في غزة يداوون آثار الحرب بإيقاعات موسيقية
صورة ارشيفية


#الحدث- علا عطا الله

يُحرك الطفل رسلان عاشور، شفتيه بسهولة وهو يعزف مقطوعة موسيقية كلاسيكية، على آلة "الترومبيت"(البوق)، داخل إحدى غرف مدرسة الموسيقى الوحيدة في قطاع غزة.

وأمام "النوتة الموسيقية" المكتوبة، يصنع عاشور (13 عاماً) أنغاماً لأوركسترا عالمية، يتزامن لحنها مع تحليق مألوف لطائرات إسرائيلية حربية، في سماء غزة.

يرفع عاشور صوت آلته كي تغطي على الأصوات التي تُذكره بالحرب، والموت.

داخل معهد "إدوارد سعيد" الوطني للموسيقى، وسط مدينة غزة، ينصت رسلان باهتمام بالغ لتعليمات مدربته الروسية، نتاليا أبو عبيد، التي تشعر بفخر كبير، لأن تلميذها قدم مؤخراً، برفقة "أوركسترا فلسطين للشباب"(إحدى فرق المعهد الموسيقية)، عروضاً في باريس.

ولأول مرة تم اختيار طالبين اثنين من فرع المعهد في غزة، وهما (رسلان عاشور، وريما الحداد)، اللذين يعزفان على آلة الترومبيت، لتقديم عروض موسيقية في عدة مدن فرنسية، برعاية المعاهد الموسيقية هناك.

وقدّم الطالبان، برفقة "أوركسترا فلسطين للشباب"، في 26 أغسطس/آب الماضي، ولمدة أربعة أيام، عرضاً في باريس، بقيادة المايسترو الفرنسي نيكولاس سيمون، و85 عازفاً وعازفة من مختلف بلدان العالم.

كان الأمر أشبه بالمعجزة كما يروي عاشور، مضيفاً: "عزفنا مقطوعات موسيقية غربية كلاسيكية، عزفنا لغوسيبي فيردي، وهتكور برليوز، وتشايكوفسكي، كان صوتنا رسالة غزة إلى الخارج، أننا نريد أن نعيش".

ويُعتبر سفر طالبين من المعهد في غزة لأول مرة إلى فرنسا، وعزف مقطوعات عالمية، "انتصاراً للموسيقى والحياة" كما يقول إبراهيم النجار، مدير معهد "إدوارد سعيد"، والمشرف على تعليم مجموعة من الأطفال العزف على العود، والكمان.

ويضيف النجار: "مشاركة طالبين من غزة، والقيام بجولات الأوركسترا في الخارج، رسالة بأنه في هذه المدينة المحاصرة، المثقلة بجراح ثلاث حروب، ما يستحق الحياة".

ووفق النجار، فإن أعداد المنتسبين للمعهد ازدادت بعد الحرب التي شنتها إسرائيل صيف العام الماضي، مستطرداً بالقول: "الموسيقى لغة الشعوب، وبالنسبة لأطفال غزة فهي تشكل متنفساً لهم للتخفيف من الضغط النفسي، والتوتر المحيط بهم جراء الحصار الإسرائيلي الخانق، والحروب المتكررة".

ووصل عدد الطلبة المنتسبين للمعهد إلى 210، يتعلمون الموسيقى بشكل نظري، كتاريخ الموسيقى الشرقية والغربية، والمقامات والنوتات، فيما الجانب العملي يتمثل في اختيار كل طفل لآلته الموسيقية، والتعلم عليها، بحسب مدير المعهد.

ويحظى الطلبة بشهادات تؤهلهم للالتحاق في معاهد الموسيقى العالمية.

ويستقبل المعهد، الأطفال من سن 6 وحتى 14 عاماً، بحسب النجار الذي لفت إلى أن نسبة الإقبال على المعهد تزداد يوماً بعد آخر، "لكن ضيق المكان وقلة عدد المدرسين، تحول دون استيعابهم".

وفي المعهد 12 مدرساً، بينهم مدربون روس،  ورومانيون، يعلمون الأطفال العزف على الآلات الموسيقية المختلفة ما بين شرقية كالعود، والقانون، وغربية مثل الجيتار، والكمان، التشيلو، البيانو، الترومبيه، والإيقاع.

ومعهد "إدوارد سعيد" الوطني للموسيقى، هو مؤسسة فلسطينية تتخذ من مدينة القدس مقراً لها، وتسعى كما تقول، لتنشئة جيل فلسطيني موسيقي جديد قادر على إحداث تغيير نوعي في الواقع الثقافي الفلسطيني بشكل عام.

وفي داخل إحدى غرف المعهد، يتدرب مجموعة من الأطفال على عزف مقاطع موسيقية باستخدام آلة "العود" باتباع تعليمات معلمهم، محمد الهباش.

ويقول الهباش إن إقبال الأطفال الراغبين في تعليم الموسيقى، ازداد بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة.

ومضى بقوله: "هناك ضغط نفسي، وتوتر يعيشه أطفال غزة، والموسيقى تجعلهم أفضل حالاً، كما أن لديهم مواهب رائعة ومميزة، في الموسيقى تؤهلهم لتمثيل فلسطين في الخارج".

والعام الماضي، شارك 5 أطفال من المعهد يعزفون على آلات موسيقية مختلفة في برنامج المواهب العربي الشهير "آراب غوت تالنت" الذي بثته شاشة قناة  "MBC4" السعودية الخاصة.

وتفاعل الجمهور الفلسطيني والعربي على مواقع التواصل الاجتماعي مع فرقتهم التي تحمل اسم "التخت الشرقي".

وعلى الرغم من أن العود يفوق حجمه، إلا أن الطفل عمر الوحيدي، (7 أعوام) أمسك بآلته الموسيقية، وبدأ في الانتقال من وترٍ إلى ثانٍ، كونت ألحاناً موسيقية، قال مدربه محمد ظاهر إنها تحتاج إلى تدريب وإتقان.

ويبدو الوحيدي صاحب الشعر الكثيف سعيداً، لأنه سيحظى بعود يتناسب مع حجمه الصغير، ويقول للأناضول:" أنا هان (هنا)، بدي (أريد) أتعلم موسيقى".

كارول الصايغ، 9 أعوام، لا تفارق البسمة وجهها، وهي تنفذ تعليمات مدرستها يوليا أبو ناموس، لتعلم العزف على إحدى الآلات الموسيقية.

وبعد دقائق من التدريب، تتمكن الصايغ من عزف مقطوعة موسيقية، تشعر وهي ترددها بأنها تطير، كما تقول.

والحال نفسه مع زميلتها آنا ترزي (8 أعوام)، التي قالت:" هان (هنا)، بنحسش (لا نشعر) بالخوف، وإنو (أنه)، فيه قصف وموت، كتير (كثيرا) بنكون (نكون) مبسوطين زي العصافير".

ويتفق المدربون في المعهد مع المقولة الشهيرة لـ"رولان بارت" الفيلسوف والأديب الفرنسي عن الموسيقى، بأنها "تجعلنا تعساء بشكل أفضل"، فكل الألحان المنبعثة من المعهد لا يمكن أن تفصل أطفال غزة عن واقعهم، لكنها كما يؤكدون أنها تجعلهم "أفضل ولو قليلاً".

وعلى آلة الكمان تتدرب الطفلة ياسمين شعت (8 سنوات) على العزف، وتتلقى بلطف تعليماتها من مدربتها ألينا رضوان، وهي مدرسة روسية تعلم الأطفال في المعهد العزف على آلتي "الكمان" و"البيانو".

وتقول رضوان إن شعت وغيرها من الطلبة الذين يتدربون على العزف من خلال الكمان(نحو 25 طالبا)، يحلمون بأن يصبحوا عازفين مشاهير.

وتمرر شعت أصابعها على مفاتيح البيانو، وتقوم بإصدار أصوات موسيقية تنال إعجاب مدربتها رضوان التي أوضحت أن "العزف على البيانو يساعد أطفال غزة على العلاج النفسي".

وأظهر تقرير نشرته منظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children ) (بريطانية غير حكومية) بعنوان (كابوس حي: غزة بعد الحرب)، مؤخراً، أن ثلاثة أرباع أطفال غزة يعانون التبول اللاإرادي بشكل منتظم، فيما يفيد 89% من الآباء أن أطفالهم لديهم متاعب من مشاعر الخوف المستمر، وأن 70% من الأطفال يخشون حرباً أخرى، وأن 7 من 10 أطفال تمت مقابلتهم يعانون كوابيس بشكل منتظم.

وقالت المنظمة إن "الشعور العميق بالموت واليأس في غزة، يتضاعف في غزة حيث الوعود بإعادة الإعمار بالكاد تمضي، وأن التوقعات أكثر قتامة مما كانت عليه في أي وقت آخر".  

المصدر: وكالة الانااضول