تفسير أحلام.
لست خبيراً في الإعلام، بل لستُ إعلامياً أصلاً. لكنني كمستمع وكمشاهد لوسائل إعلامنا المسموعة والمرئية، لدي تساؤلات ثلاثة، احتار دليلي في البحث عن إجابات منطقية لها ولم أجد.
التساؤل الأول: تعرض فضائية فلسطين الرسمية ما يمكن تسميته "فاصلاً ما" بين برامجها ونشراتها. هذا الفاصل عبارة عن صور غير حقيقية لحي سكني يشبه أحياء غزة، مشغولة على أحد برامج التصميم الرائجة، كبرنامج فلاش أو مايا. ومن ثم تتساقط فوق هذا الحي مجموعة من النقاط السوداء على شكل قنابل، والتي بدورها تنفجر محدثة غيمة من الدخان الأسود المتصاعد. وفي نهاية الفاصل تقفز على يسار الشاشة جملة "غزة العزة". تساؤلي هو: هل عجز القائمون على تلفزيوننا الرسمي عن إيجاد صور حقيقية لانفجارات حقيقية ودخان أسود حقيقي وغزة حقيقية، تحت نيران حرب حقيقية أكلت الأخضر واليابس وتم عرض همجيتها على كل شاشات العالم؟ هل عجزوا عن ذلك فلجأوا إلى الإستعانة بخبرات مصمم غرافيك؟ أم أن مصمم الغرافيك موجود في كل الأحوال ولا بد من إشغاله بشيء "يفيد الأمة" ويُضحك علينا بقية الأمم؟.
تساؤلي الثاني: لا أستمع لمحطات الراديو عادة إلا داخل السيارة أثناء قيادتي لمسافات طويلة. قبل الحرب كنت أنقل المؤشر بين عشرين محطة عربية وما يقارب هذا العدد من محطات عبرية. كنت أستمع إلى نشرات الأخبار على المحطات العربية وإلى الأغاني الروسية على بعض المحطات العبرية. أثناء الحرب انقلبت الآية تماماً. فالمحطات العبرية تجندت بشكل كامل لنقل أخبار الحرب ولاستضافة الخبراء والمحللين والمراسلين، الذين يقدمون لك المعلومة أولاً بأول، ويحاولون إقناع جمهورهم بعدالة حربهم. بينما أنت مضطر لسماع "طل سلاحي من جراحي" و "أظرب أظرب تل أبيب" ألف مرة في اليوم على المحطات العربية. تساؤلي هو: هل تنقصنا الأغاني لنصبح شعباً وطنياً؟ ألم يعرف القائمون على "برمجة" إحساسنا الوطني في هذه المحطات أن زمن عنترة وامرؤ القيس قد ولى؟ وأن بيت عمرو بن كلثوم "إذا بلغ الفطام لنا صبيٌ ** تخر له الجبابر ساجدينا" يصلح كمحفز لمعارك السيوف وليس لمعارك الطائرات والصواريخ؟ ألم يصلهم بعد أن المعلومة أهم من الشعر؟ وأن توجيه الناس تحت القصف أهم من الدندنة لهم؟
تساؤلي الثالث والذي يتعلق بمهنتي كطبيب: لقد أشبعت صفحات التواصل الإجتماعي بالجدل حول الجدوى من عرض صور الجثث والأشلاء والدم. البعض، وأنا منهم، يعتبر أن جثة الشهيد لا تثير التعاطف المطلوب. فلا أحد يتعاطف مع ميت، لأن الموت هو نهاية المطاف، والذي لا يمكننا بصدده فعل أي شيء سوى الترحم. وأن ما يثير التعاطف والتضامن والتحرك للنجدة هي صور المعرضين للموت بعد قليل. قصص أولئك الذين يواجهون الموت كل دقيقة. أما البعض الآخر فيرى أن لا بد من صدم المجتمع الدولي بهذه الصور، والتي بدورها تعري الإحتلال وتكشف نازيته وإجرامه. بين هذين الرأيين منطقة لا ينتبه لها أحد. وهي عرض صور الجرحى داخل المستشفيات. الأعراف الطبية المتفق عليها عالمياً تحرّم على الطبيب عرض صور مرضاه. والجريح في كل المفاهيم الطبية هو مريض شئنا أم أبينا. بالتالي هل يحق للطبيب تصوير أو السماح للصحافة بتصوير هؤلاء المرضى. الجواب: نعم يحق، ولكن في حالة واحدة وهي موافقة المريض الخطية على ذلك.
تساؤلي هو: كم طبيباً أو صحفياً كلف نفسه عناء سؤال هؤلاء الجرحى وأخذ موافقاتهم قبل تصويرهم ونشر صورهم للعالم؟ كم طبيباً أو صحفياً انتبه أن هذا الجريح له خصوصية قد لا يريد نشرها من أجل الوطن والقضية؟. ألا يستحق من دفع حصته وواجبه من دمه أن يتم احترام حقه القانوني بالسؤال قبل تصويره؟ أرجو ألا يفهم من كلامي أنني ضد نشر هذه الصور. أنا ضد ألا تؤخذ موافقة أصحابها. وأرجو ألا يقول لي أحد أن من ناضل وجرح لن يرفض تصويره. أعرف أن الغالبية لن تبخل بصورة، لكن البعض لا يريد ذلك. ولو كان هذا البعض عبارة عن شخص واحد فيجب احترام رأيه وكرامته، لا أن نتصرف باسمه حتى وإن لم يكن على دراية بحقه القانوني.
هذه تساؤلات ثلاثة لم أجد لها إجابات مقنعة حتى اللحظة، وأظنني لن أجد.