نزار الوحيدي: لا نُمانع حق مصر في التصرف بحدودها ولكن تمنينا أن تضخ البرك بالمياه العذبة
زياد أبو هين: المشروع المصري قتلٌ عمد للحياة البشرية والنباتية لأهالي القطاع
غزة- محاسن أُصرف
في الثامن عشر من سبتمبر/أيلول الماضي اتخذ الجيش المصري خطوته الأولى في عملية إغراق الأنفاق مع قطاع غزة والتي دُمر معظمها في عمليات سابقة للجيش المصري منذ عزل مرسي وترأس عبد الفتّاح السيسي لمصر، فيما بقي القليل جداً لإدخال المواد الغذائية والأدوية ومواد البناء التي حرم الاحتلال منها سكان القطاع بإغلاقه المستمر للمعابر.
وما لبثت أن بدأت الأنابيب العملاقة التي مددها الجيش المصري في وقتٍ سابق على طول الحدود بين مصر وقطاع، غزة بالفيضان، مُحدثة برك مياهٍ، وتشققات في الأرض، ما دعا مختصين أمنيين وبيئيين إلى الحديث عن مخاطرها على البيئة بشكلٍ عام، خاصة فيما يتعلق بتهديد المزروعات والخزان المائي الجوفي المُرتفعة ملوحته أصلاً، والمهدد بنضوبه سلفاً.
طبيعة المشروع
قبل الحديث عن المخاطر التي سيُلحقها المشروع المصري بإغراق الحدود مع قطاع غزة، كان لا بد من التعرف على طبيعته وآليات العمل فيه، وفي هذا السياق يُحدثنا د. صبحي رضوان، رئيس بلدية رفح، مؤكداً أن المشروع عبارة عن ممر مائي أنشأه الجيش المصري على بعد (100 متر) فقط من الشريط الحدودي، ويبلغ قطره قرابة (24 إنشاً) ولفت رضوان، رئيس البلدية، أن الممر يُغذى بواسطة برك ملاصقة له من الجهة الشمالية الغربية باتجاه الحدود مع غزة بطول وعرض يتراوح بين (5-10) متر وبذات العمق، وتحتوي على آبار حقن لترشيح المياه بعمق يصل إلى 20 متر أسفل الأرض.
رفض للمشروع
وعبّرت الجهات الرسمية في قطاع غزة عن رفضها للمشروع، مؤكدة أنه تهديد للأمن المائي والبيئي والأمني في القطاع.
وقال مازن البنا، نائب رئيس سلطة المياه في غزة: "المشروع يمس بالحقوق المشتركة للشعبين" وله تداعيات خطيرة جداً على الأمن المائي والغذائي والاقتصادي للشعبين المصري والفلسطيني، ونقلت "الحدث" عن البنا دعوته بوقف المشروع فوراً خاصة وأن غالبية الأنفاق التي يزعم الجيش المصري أنه يُنشئ هذا الممر للقضاء عليها، قد دُمرت عبر العمليات المتوالية التي قام بها منذ عزل مرسي.
فيما أوضح إياد البُزم الناطق باسم وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة، أن المشروع لن يؤتي أُكله للجانب المصري على الصعيد الأمني ويُمثل تهديداً خطيراً للحالة الأمنية في قطاع غزة، وقال في بيانٍ صحافي وصل "الحدث" نُسخًة عنه: "لا يوجد مُبرر لتنفيذ المشروع" في إشارة منه إلى الذريعة التي يتخذها الجيش المصري لبدء إغراق الحدود وهي تدمير الأنفاق مؤكداً أن جميع الأنفاق قد أُغلقت منذ قرابة العامين نتيجة لعمليات الردم التي قام بها الجيش والتي تزامنت أيضاً مع إقامة المنطقة العازلة على الشريط الحدودي مع مصر.
ووجه البُزم نداءه لجامعة الدول العربية بضرورة العمل على وقف المشروع لما له من تبعات كارثية على الواقع الإنساني والمعيشي في القطاع، ناهيك عن التأثير البالغ على إمكانية تأمين الحدود خاصة بعد انهيارات التربة وتضرر عدد من مواقع الأمن الوطني في محافظة رفح وقال: "استمرار تنفيذ الممر المائي يُهدد استقرار الحدود الجنوبية للقطاع ويجعل من الصعوبة بمكان ضبطها".
هجرة بيئية
الخبير البيئي نزار الوحيدي، عبّر عن خشيته من الآثار الخطيرة لعمليات الجيش المصري على طول الحدود مع قطاع غزة مؤكداً أنها ستؤذي البيئة الفلسطينية على المدى البعيد، وشدد في تصريحات لـ"الحدث": "أنه لا يُخالف حق مصر كدولة لها سيادة على حدودها أن تفعل ما تراه مناسباً داخل أراضيها"، وتساءل :"لماذا لم يتم التشاور معنا خاصة وأن الحدود ليست مصرية بحتة؟
وقال: "اعتراضنا الوحيد على نوعية المياه التي سُكبت في تلك القنوات المائية على طول الحدود" مؤكداً أنها مياه مالحة من شأنها أن تزيد حدة المشاكل المائية التي يُعانيها القطاع.
وفي سياقٍ متصل تمنى الخبير البيئي، لو تم ضخ مياه عذبة من النيل إلى الشريط الحدودي مؤكداً أن ذلك كان سيُحقق المنفعة المتبادلة للمصريين بالحفاظ على حدودهم آمنة وسيُسهم بشكل أو بآخر بحل مشاكل المياه في قطاع غزة وسيؤطر إلى علاقات سياسية وأمنية واقتصادية جديدة قائمة على المصالح المتبادلة.
خطورة المياه المالحة
وفيما يتعلق بخطورة ضخ المياه المالحة في القنوات الرأسية قال الوحيدي إنها تكمن في تسرب المياه بمسارين لا ثالث لهما، مُخبراً "الحدث" بأولهما وهو الانتشار الطبيعي وانسياب المياه باتجاه طبيعة الميل من مصر لغزة، لافتاً أن هذا المسار الأقل ضرراً على التربة، وعقّب :"مصر اختارت المسار الأكثر خطورة والأسرع انتشاراً وعمدت إلى سكب المياه في القنوات المفتوحة "الأنفاق" باتجاه غزة، منبّها أن الخطورة تكمن في إمكانية النفاذ الأسرع للتربة وجرفها باتجاه غزة ما يؤدي إلى إغلاق آبار المياه في رفح.
وهو ما أكد عليه رضوان الذي أوضح لـ"الحدث" أن خطورة المشروع في أنه يعمل على تسريع وصول مياه البحر إلى الخزان الجوفي في رفح والذي يُعاني أصلاً من التلوث، وتابع قائلاً: "لا نُمانع الحق المصري في التصرف بحدودها كدولة ولكن عليها ألا تضرنا"، داعياً مصر والخبراء البيئيون فيها إلى دراسة مخاطر المشروع على البيئة الفلسطينية والتواصل مع الهيئات الرسمية في القطاع لإيجاد الحلول اللازمة والمناسبة.
وبالعودة إلى الوحيدي فقد توقع في حال استمرار ضخ المياه المالحة عبر المسار الثاني، إغلاق أكثر من 2000 بئر في رفح بالإضافة إلى تدمير الخزان الجوفي نهائياً، الأمر الذي يُسهم في إعدام الحياة البشرية والنباتية في تلك المناطق مُحذراً من نزوح جماعي للسكان إلى المناطق الأكثر أمناً مائياً وبيئياً.
وبحسب مؤسسات دولية فإن قطاع غزة يُعاني من مشكلة أساسية في المياه ونضوب للخزان الجوفي وتلوث ما يزيد عن 95% منه، يؤكد انعدام الأمن البيئي في حال استمر المشروع المصري بإغراق الحدود بالمياه المالحة.
قتلٌ عمد
وبتفصيل أكبر تحدث الخبير المائي زياد أبو هين عن المخاطر التي سيتركها المشروع المصري على واقع المياه المأزوم أصلاً في القطاع حيث يُعاني الخزان الجوفي من التلوث بنسبة (95%)، وبيَّن أبو هين في مقابلة مع "الحدث" أن وصول المياه المالحة عبر الأنابيب على الشريط الحدودي إلى الخزان الجوفي ستؤدي إلى تدميره كلياً على المدى البعيد، وكشف أبو هين لـ"الحدث" أن درجة الملوحة التي كانت تتراوح في المنطقة بين (1000-2000) ارتفعت وفق معاينته الميدانيه إلى 22 ألف جزء من المليون، مشدداً على مخاطر تلك الأرقام على الحياة النباتية والإنشائية في مناطق السكب.
وبحسب المعاينة الميدانية التي أجرها أبو هين قبل أيام ونقل تفاصيلها لـ"الحدث" فإن منطقة السكب شهدت مؤخراً انهيارات للتربة في بعض المناطق، لافتاً أن التأثير الأخطر سيكون بسقوط المنازل والبيوت هناك وفقاً لطبيعة المنطقة الجيولوجية المكونة من الطين والذي يسهل انتفاخه مع المياه وانزلاقه ما يؤدي إلى سقوط بعض البيوت أو إحداث تشققات في التربة وانهيارها.
ورأى الخبير المائي أن المشروع بمثابة رخصة بالقتل العمد للشعب الفلسطيني كونه يؤثر على أهم مقومات الحياة (التربة والمياه)، خاصة الخزان الجوفي الذي لا تملك غزة مصدراً سواه للمياه باعتبارها تخلو من مصادر المياه السطحية كالينابيع والعيون، داعياً إلى ضرورة وقفه كونه يهدد بالدرجة الأولى حياة الفرد في غزة ويخترق القوانين الدولية التي تمنع وتُجرم الأذى بين مناطق الجوار.
كما وشدد على خطورة المشروع على منظومة تجميع وتصريف مياه الأمطار في حي تل السلطان القريب من الحدود مع مصر، معرباً عن خشيته من انهيارها في حال بدء ضخ مياه البحر عبر الممر المائي على طول الحدود.
وذكرت مصادر إعلامية مصرية أن ما جرى خلال الأسبوع الماضي خطوة تجريبية عبر بعض الأنابيب لفترة قصيرة مُحذراً من كوارث خطيرة على المستوى البيئي والمائي والزراعي.
ويُطالب المسؤولون الذين التقتهم "الحدث" المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة بالتدخل الفوري وتحمل مسؤولياتهم للضغط على الحكومة المصرية لوقف المشروع الكارثي والخطير على كل مكونات البيئة الفلسطينية.