بات الشرق الأوسط يرزخ تحت حالة دائمة ومستمرة من العنف والحرب والاحتلال خلال السنوات الــ 150 الماضية، وذلك بالرغم من تمتعه بقرون من السلام تحت حكم العثمانيين قبل ذلك، ولكننا الآن نرى مدناً كاملة تحترق، بينما نشاهد كيف يذبح الملايين من الأبرياء عن طريق العبوات الناسفة، لقد أصبح عشرات الملايين من البشر مشردين أو لاجئين أو أسرى حرب أو ضحايا في أرضهم وفي وطنهم.
فعلى سبيل المثال، يعاني ما يقارب ال1.7 مليون شخص في غزة فقط من ظروف معيشة صعبة جداً بحيث أنهم بالكاد يتمسكون ويستمرون في الحياة، ويقوم المراقبون التابعون للأمم المتحدة بتقديم التقرير تلو الآخر من أجل عرض تصور واضح عن الظروف المعيشية غير مؤاتية في القطاع، فقط لتقابل هذه التقارير المزيد من التجاهل. ووفقاً لتقرير شهر نوفمبر من عام 2013من جيمس رولي، منسق الشؤون الإنسانية لدى الأمم المتحدة، أكد التقرير على وجود أزمة إنسانية خطيرة في غزة تجعل من رفع الحصار بشكل فوري ضرورة ملحة، كما أكد على أن إغلاق معبر رفح يضع عبئاً إضافياً على غزة.
كما وتؤكد الأمم المتحدة على أن ما يقارب التسعة ملايين من البشر يواجهون الموت في حال لم يتلقوا المساعدة في أقرب فرصة ممكنة، حيث يعاني عدد كبير من سكان المخيمات، مثل مخيم اليرموك في دمشق، من المجاعات التي ما زالت مستمرة منذ أشهر. أما الاضطرابات في مصر فهي تنمو وتتزايد بشكل يومي، كما وتؤثر بكل تأكيد على الدول المجاورة بشكل سلبي.
ويمكننا التوسع في القائمة السابقة لتشمل كل من ميانمار وكشمير والعراق وأفغانستان وتركستان الشرقية وباكستان وعدد من الدول الأفريقية، حيث يقع العالم الإسلامي ككل في دوامة من العنف بينما لا يقترب العالم الغربي من الوصول إلى طرح سياسي قادر على وقف ما يحدث، بل إن الدول الغربية تقوم من حينٍ للآخر بطرح خيارات تؤدي إلى زيادة دائرة العنف والاضطرابات والاشتباكات في المنطقة. أما المسلمون، الذين يحثهم دينهم على العيش سوياً بسلام ومؤاخاة، قد وصلوا إلى حد الاستنزاف والضعف بسبب حالة التفرق القائمة بينهم.
ولكن من الممكن تخطي جميع هذه العقبات في حال تمكن المسلمون من التوحد من أجل المشاركة والمساهمة في إيجاد حل لهذه المشاكل. كما يجب علينا الأخذ بعين الإعتبار بأن حالة التفرقة التي يعيشها المسلمون تقوم كذلك بجذب انتباه عدد من المجموعات الخبيثة التي تترقب لاستغلال هذه الحالة من أجل الاستفادة من ثروات الشرق الأوسط.
ويستدعي الوضع الراهن طرح عدد من الأسئلة التي تحتاج إلى الإجابة عنها:
إلى أي حد تقوم مؤسسات مثل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والتي تم تأسيسها بغرض صنع وبناء السلام في العالم الإسلامي، بتحقيق أي نجاح مقارنة بأهدافها؟ ما هو الشيء القادر على وضع حد لسياسات الكراهية الناتجة عن الخلافات الطائفية والرغبة في الانتقام؟
فمن الواضح للجميع بأن مؤسسات مثل منظمة المؤتمر الإسلامي، وبالرغم من تمثيلها ل57 دولة إسلامية، إلا أنها تتصف ببنية غير فعالة وبيروقراطية محدودة بعدد كبير من الخطوط الحمراء؛ وقد يتوقع أي شخص مطلع رؤية أثر أكبر لهذه المؤسسات، حيث تمثل ما يقارب ال1.6 مليار مسلم كما وتحظى بقدر هائل من المصادر والموارد، إلا أنها بعيدة كل البعد عن تقديم أيّة حلول للمشاكل المتواجدة على الأرض.
العالم الإسلامي في حاجة ماسّة للإنقاذ، وإلى مخلص، وسيبدأ الحل عندما يتمنى الجميع في الشرق الأوسط ويطالبون بالوحدة الإسلامية، مع ضرورة تبني سياسات قائمة على المحبة والتسامح والتقبل، وبالأخص في فلسطين وسوريا ولبنان. وستقوم هذه السياسات بخلق أثر على مستوى عالمي ودفع الأطراف المؤثرة في سياسات الشرق الأوسط إلى التخلي عن سياساتها القائمة على العنف إلى سياسات أكثر اعتدالاً.
يقوم الحل الواضح في هذه المرحلة على اجتماع الدول الإسلامية وبنائها لنظام اتحاد كونفدرالي مشابه لنظام الإتحاد الأوروبي. المسلمون في حاجة إلى حضارة مدعومة بأعلى درجات العدل والفن والثقافة الثرية، كما أن الشرق الأوسط بحاجة إلى تحقيق ديمقراطية اجتماعية بحيث يكون على الأقل على قدم المساواة مع النظام القانوني المعترف به من قبل أوروبا ومعايير حقوق الإنسان العالمية.
ومن الجدير بالعلم بأن القرآن الكريم هو مصدر كل هذا الجمال والثراء، فمثلاً، تقوم جامعة هارفارد، والتي تعتبر من أفضل الجامعات في العالم، بتعليق نحت للآية رقم 135 من سورة النساء في القرآن الكريم على جدران مكتب قسم القانون في جامعة هارفارد. وقد أقرت هيئة التدرسي بأن هذه اللآية تمثل “... واحدة من أفضل التعريفات للعدالة عبر التاريخ “
ولهذا فإن المسلمون في حاجة ماسّة للتمسك بدينهم وإيمانهم والعودة إلى جوهره وروحه.
وسيتم الترحيب بهذا الاتحاد من جميع الأطراف، حيث إن بمقدوره تلبية رغبات وتوقعات جميع الأطراف، ليس فقط في الشرق بل كذلك في الغرب، وسيضمن قبول هذا الاتحاد حل جميع المشاكل بشكل سريع وسهل.
ويمكن النظر إلى تركيا كمثال عظيم للدول الإسلامية، حيث نجحت الديمقراطية التركية بالعمل كجسر للوصل ما بين الشرق والغرب، مع قدرتها على استخدام الثقافة كقوة توحيدية سوياً مع اقتصادها المستقر ونهجها المتعقل في التعامل مع المشاكل. وقد عملت تركيا على تقوية علاقتها مع الاتحاد الاوروبي وأعضاء منظمة شانجهاي للتعاون، مع استمرارها في الحفاظ على مصالح جميع الدول الإسلامية. وإيران الشيعية هي “بيتنا الثاني”، باستخدام كلمات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وبالشكل ذاته، فإن السعودية الوهابية هي بلدنا الشقيق كذلك، وباقي الدول السنية هي دول شقيقة وحليفة. تصر تركيا على التحالف مع جميع الدول الأسلامية بناءً على ما هو مشترك بينهم بغض النظر عن طبيعة الإيمان لديهم. وتأتي هذه الروح من صلب القرآن ويمكن لهذه الروح بأن تقود الطريق نحو الوحدة الإسلامية.
وندعو إلى الله بأن يتفضل علينا بفضله ونعمته وأن يجعل لهذه الروح وهذا المطلب مستقراً في قلب كل فرد، وندعو، بمشيئة الله، بأن تحتضن هذه الوحدة الجغرافية، التي تمثل العالم الإسلامي، عصرأ ذهبياً عن طريق الوحدة الإسلامية في أقرب وقت ممكن