غزة- محاسن أُصرف
ألقى الرئيس محمود عباس قنبلته التي أعلن عن تفجيرها في الأمم المُتحدة مؤخراً، لكنها لم تُحدثُ إرباكاً حقيقياً للاحتلال الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بالتلويح بالانفكاك من الالتزام بالاتفاقيات الموقعة الأمنية والسياسية والاقتصادية.
واستبعد خبراء اقتصاديون لـ"الحدث" أن يتطور ذلك التلويح إلى قرار على الأرض لصعوبة بل واستحالة تطبيقه من منطلق قراءتهم للواقع السياسي والأمني الذي يُحدد الخارطة الاقتصادية وطبيعة العلاقات فيها، وأشاروا أن الرئيس أراد أن يبعث رسالة للعالم أجمع بشكل دبلوماسي أن الاحتلال هو من ينقض الاتفاقات ولا يكترث لتطبيقها أو نكثها في ظال حالة التيه والتجاهل العربي والدولي للقضية الفلسطينية.
مُجرد تلويح
وقال نصر عبد الكريم لـ"الحدث": "لا يُمكن للسلطة أن تُلغي أو تُجمد أي اتفاق دون أن تملك قوة تنفيذية على الأرض"، لافتاً أن ما حدث في أروقة الأمم المتحدة لن يخرج عن إطار التلويح ولن يتطور إلى الفعل في ظل انعدام القرار الأمني والسياسي وارتهانه بالمسار التفاوضي واستمرار وجود الاحتلال، ناهيك عن عدم امتلاكها بدائل عملية واقعية على الأرض لأخذ خطوات أُحادية الجانب على الصعيد الاقتصادي.
وتساءل، هل يُمكن أن تتحمل السلطة تبعات الضرائب الجمركية إذا جمدت علاقاتها الاقتصادية؟ وتابع بالقول: "السلطة لا تملك قراراً، وعلاقاتها المتداخلة مع الاحتلال تُقيد أي تحرك لها"، مؤكداً أن انعدام سيادتها على المعابر يجعلها عاجزة عن الفعل، وجزم عبد الكريم أن تنفيذ التلويح عملياً هو بمثابة انتحار ليس للسلطة وإنما للمواطن مؤكداً أن الأخير سيُعاني ويلات أزمات مالية خانقة ومعدلات بطالة تفوق الخيال خاصة وأن السوق الإسرائيلي أكبر مُشغل للشباب الفلسطيني في الضفة الغربية والأراضي المحتلة.
عجز تهيئة الاقتصاد
ووافقه الرأي د. عادل سمارة الخبير في الاقتصاد السياسي، وأضاف لـ "الحدث" أن السلطة لن تفعل أي خطوة على الأرض، لافتقادها البيئة اللازمة للانسلاخ من الاتفاقيات وخاصة الاقتصادية منها، منتقداً نداءات السلطة المتكررة بالفكاك دون أن تقوم بتهيئة الاقتصاد الفلسطيني ليكون قادراً على اتخاذ خطوة القطيعة مع الاحتلال.
وعلى الرغم من قناعة الخبير سمارة، بعدم إقدام السلطة على القطيعة إلا أنه يؤكد أنها إذا ما حدثت ستكون تداعياتها خطيرة على معدلات الإنتاج والبطالة والسيولة المالية، مؤكداً أن مواقع الإنتاج في الوطن الفلسطيني سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة لا تعمل بما يُمكن أن يُساهم في تحقيق المتطلبات الاقتصادية للمجتمع.
ويتوقع سمارة، إحداث حالة عامة من الفقر معها لا يتمكن المواطن من توفير قوت يومه، كون أوسلو كبلت الفلسطينيين ووضعتهم في القفص ولن تسمح لهم بالتحليق في سماء النمو الاقتصادي، ونبّه إلى أن: "تلويح أبو مازن بإلغاء الاتفاقات يأتي في إطار الرجاء أكثر مما هو في إطار التهديد والفرض"، حسب قوله.
حلول غير ممكنة
وفيما يتعلق بإمكانية إيجاد حلول سريعة للخروج من بوتقة الاقتصاد الإسرائيلي إذا ما أقدمت السلطة على التحلل من اتفاقياتها مع الاحتلال، كشف سمارة أن الحلول الاقتصادية على وجه الخصوص لا يُمكن الحصول عليها في أيام أو حتى أشهر، وأكد لـ"الحدث" أنها تحتاج إلى وقت طويل وتحضير وخلق ركائز اقتصادية كبيرة في كافة المجالات الصناعية والزراعية والإنشائية والتجارية.
وكشف سمارة أن: "الحل الوحيد السريع يكمن في اعتماد فلسطين حينها على بعض التعويضات من الدول العربية مثلاً"، لكنه استدرك أن ذلك "غير ممكناً" والأسباب كما يُوضحها لنا أن أحداً من الدول العربي خاصة التي تمتلك موارد مالية وقدرة على الدعم، لن تجرؤ على تقديم مساعدات حقيقة للفلسطينيين خارج إطار الموافقة من أمريكا وإسرائيل، وتابع بالقول: "أعتقد أن ذلك ليس وارداً لأن الدول العربية ذات المال هي عملياً على صداقة عميقة مع أمريكيا وإسرائيل والاعتماد عليهم غير وراد".
إنهاء الانقسام
من جانبه رأى رائد حلس، الكاتب في الشأن الاقتصادي أن الخطوة التي أعلنها الرئيس تحتاج بداية إلى حالة وحدوية من شأنها إنهاء الانقسام وتحقيق مصالحة حقيقية على الأرض بعيداً عن الشعارات التي تُطلق بين الحين والآخر ولا تُنفذ بل تزيد رقعة الشقاق، ويتفق الكاتب حلس مع سابقه سمارة في ضرورة إيجاد حالة من الإنعاش العربي ليقوم بدوره في إسناد السلطة أمام الإجراءات التعسفية التي يُحتمل أن ترد بها إسرائيل، خاصة في ظل امتلاكها أدوات ضغط تستطيع من خلالها التأثير على الاقتصاد الفلسطيني كالمقاصة التي تبلغ قرابة 70% من الإيرادات الفلسطينية وتستخدمها إسرائيل ورقة ضغط رابحة في عدم إيفاء السلطة بدفع فاتورة رواتب موظفيها.
وفي إطار الحلول كشف حلس عن إمكانية أن تُعيد السلطة تفعيل الاتفاقات التجارية التي أبرمتها مع دول الجوار كـ الأردن ومصر وغيرها من الدول العربية، مؤكداً أنها خطوة تُخلصها من التبعية الاقتصادية وتفتح الاقتصاد الفلسطيني على العلاقات العربية، ناهيك عن استثمارها والاستفادة بما يُحقق زيادة في الصادرات بنسب كبيرة.
خطوات سياسية
أما على صعيد السياسي فقد اعتبر محمد شتيه، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، خطاب الرئيس مُلهماً ولا يحمل تهديداً، وإنما قرار جدي وممكن التطبيق، وقال أن القيادات الفلسطينية ستبحث في وضع خطة لتنفيذ ما جاء فيه، مشيراً إلى وجود لجنة مُكلفة بإعادة صياغة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الاحتلال الإسرائيلي ومن المتوقع أن تُقدم قريباً توصياتها للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير للخطي بفاعلية نحو الانفكاك من العلاقة المُعقدة والمتداخلة مع الاحتلال والذي يفرضه الإطار السياسي والأمني بداياً ويُرسمه في الإطار الاقتصادي تالياً.
فيما ألمح د. صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين إلى أن الخطوة الأولى التي ستتخذها السلطة للانفكاك من الاحتلال الإسلائيلي الذي طالما تنصل للاتفاقات التي وقعها معها، ستكون في تحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية كرزمة واحدة لا يُمكن المساومة عليها، وأضاف في تصريحاته لـ"موقع دنيا الوطن" والتي نقلتها "الحدث" أن تنكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو لكافة الاتفاقات مع السلطة هو من دعا الأخيرة إلى التقدم إلى الأمم المتحدة والتلويح بإلغاء الاتفاقات بالكامل.