تظهر عدة استطلاعات للرأي أجريت في ألمانيا أن شعبية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحزبها في تراجع، والسبب، كما هو واضح، سياستها تجاه مسألة اللاجئين، فميركل تصر على أن الاقتصاد الأوروبي قادر على الصمود أمام طوفان اللاجئين، بل واستيعاب عشرات الألاف ممن حملوا أكفانهم بين أيديهم هرباً من موت محقق في بلدان عصفت بها الصراعات ومزقت أواصرها الخلافات، في المقابل يعلو صوت اليمين تهديداً ووعيداً فيخرج أنصاره في مظاهرات حاشدة ويحرق أتباعه مراكز تأوى لاجئين لا ذنب لهم سوى الرغبة في الحياة، أما داخل الأروقة السياسية فتعلق الأحزاب المشانق للحكومة وتنتهز الفرصة تلو الأخرى لإحراجها والمزايدة عليها.
تراجع شعبية ميركل يوضح حجم الصراع المجتمعي في ألمانيا الاتحادية، ويظهر أبعاد المعضلة الأخلاقية القائمة في بلد شهد نزوح حوالى خمسة ملايين شخص إبان عهد الزعيم النازي هتلر لتصبح سياسة الأيدى الممدودة والأذرع المفتوحة للاجئين إحدى طرق التكفير عن ذنوب الحقبة النازية وخطوة على طريق الإصلاح السياسي والثقافي في الوقت نفسه، لكن وفقاً لآخر استطلاعات الرأي فإن ٤٨٪ تقريباً من الألمان، أي شخص من بين اثنين، يعتقدون أن قرار ميركل بفتح الحدود أمام أولئك الهاربين من الحرب والفقر كان قراراً خاطئاً، هذة النسبة الكبيرة تشير إلى أن الألمان يخشون مشكلات ثقافية مترتبة على ذوبان هؤلاء الغرباء في النسيج المجتمعي، وتقلقهم التوابع الاقتصادية لهذا الزلزال البشري القادم من بلدان مجاورة أكثر من إيمانهم بالقيم الإنسانية النبيلة.
من المتوقع أن تستقبل ألمانيا ما بين ٨٠٠ ألف إلى مليون طلب لجوء هذا العام، تضاف هذه الطلبات إلى حوالى ٥٠٠ ألف لاجئ موجود أصلاً في البلاد، والآن السؤال هو، هل وقوف ميركل في وجه معارضيها وانتقادها للدول الأوروبية التي تتهرب من استقبال اللاجئين واضعة شعبيتها ومستقبلها السياسي على المحك، ينبع من دوافع أخلاقية فحسب؟ الإجابة قطعاً بالنفي، فحسب البنك المركزي الألماني من المتوقع أن يصل النقص في الأيدي العاملة في ألمانيا إلى نحو ثمانية ملايين شخص بحلول عام ٢٠٢٠، ما يعني أن هولاء الذين ينظر إليهم باعتبارهم عبئاً وحملاً ثقيلاً قد يمثلون طوق نجاة ثمين للاقتصاد الألماني إذا ما تعلموا اللغة الألمانية وتم تأهيلهم بشكل مناسب وتلقوا تدريباً مهنياً مكثفاً.
سواء أكانت ميركل بموقفها الجريء تحاول انتشال السوريين من براثن قنابل الغاز وبطش المتطرفين، أو تسعى فقط لاستخدامهم لسد العجز في الأيدي العاملة في بلادها، فإن سياستها تجاه هذه المسألة تبقى الأكثر ذكاء ونفعاً وعدلاً في الوقت ذاته، وربما تكون هذه واحدة من المرات القليلة النادرة التي تلتقي فيها مصالح الساسة مع شعاراتهم ووعودهم الانتخابية.