لك أن تقرأ الهبة الشعبية كيف تشاء، وأن تحلل الأحداث وأن تضع الملاحظات وأن تشكك وأن تؤيد وأن تقول فيها ما قاله الأعشى بهريرة وأن تنتقدها وتقول فيها ما قال مالك في الخمر، لكنك لن تستطيع وأنت تتابع الأحداث بعين المواطن العادي أو بعين المراقب إلا أن تبدي إعجابك بهؤلاء الشبان الصغار الذين لم يشهدوا الانتفاضة الثانية، ورغم ذلك صنعوا بحجارتهم انتفاضة جديدة وكأن الثورة لدى هذا الشعب تلتصق بجيناته.
الهبة الجماهيرية الحالية قد لا تصل إلى درجة انتفاضه، لكنها تؤسس لانطلاق الانتفاضة الثالثة في أي لحظة، وبات الجيل الذي نعول عليه جاهزاً لإطلاق شرارتها، لا سيما وأنه قام بتدريب عملي في الميدان، ولا شك أن هذا الجيل ليس لديه حساباتنا الخاصة ولا يفهم لغة المصالح السياسية والذاتية، وعليه فانطلاقه يأتي من مبدأ المقاومة لهذا المحتل الذي يراه ينتهك الحرمات ويسلب الحقوق دون أي رادع إقليمي أو دولي.
هذا الجيل هو اللاعب الجديد في المعركة المستمرة منذ أكثر من ستين عاماً، وكلنا نتابع لعبه بكثير من الافتخار ونتمنى لو عاد بنا الزمان إلى الوراء كي نكون معه في هذه المعركة في الميدان، لا مشجعين ومناصرين فقط.
من أين استقى جيل الفيس بوك والتويتر هذه الروح القتالية التي جعلته يخوض معركة ويقودها دوننا وكأنه يقول لنا ظلوا أنتم في بيوتكم فلدي الخبرة القتالية والروح المعنوية التي تجلعني أنتصر وأحقق ما فشلتم أنتم بتحقيقه.
قبل عام فقط كان هذا الجيل مع مشهد انتصار ساطع في قطاع غزة. الشبان الذين يشتبكون مع الاحتلال في جبال الضفة الغربية وينتشون كلما رشقوا الجنود بالحجارة ويبتسمون فخراً كلما أفشلوا عملية اقتحام للجيش المدجج بالعدة والعتاد، لديهم أنموذج ليس بعيداً عنهم، وإن كان هؤلاء يحتاجون لدروس في فنون القتال والانتصار، فقد حصلوا عليها على مدار أربعة وخمسين يوماً هي عمر الحرب على القطاع في العام الماضي.
حين كنت أتابع مواقع التواصل الاجتماعي في العام الماضي وأثناء الحرب، وعندما كانت صواريخ المقاومة تدك الكيان الإسرائيلي، كنت على قناعة تامة بأن جيلاً في الضفة الغربية يستعد للانتصار، ويرى أنه يملك من المقومات ما يملكه أقرانه في القطاع.
إن ردود الأفعال من هذا الجيل على ما كان يدور في قطاع غزة كانت مؤشراً واضحاً على أن هذ الجيل ينتظر بفارغ الصبر انطلاق الشرارة كي يصنع نصراً ذاتياً يحققه بعيداً عن السياسيين الذين اعتزلوا الميدان، أطلقوا العنان لألسنتهم كي تصنع من الهزيمة انتصاراً ومن الخضوع شموخاً. لم يعد الجيل الجديد قادراً على تزوير الحقائق وقلب المفاهيم. لم يعد اللاعب الجديد يقتنع بالخطط القديمة وبقراءات المدرب المندثر للملعب. هذا اللاعب شاهد الخطط الجديدة وتابع اللاعبين الجدد في ملعب آخر فأصبح مبهوراً بهم، وعليه، قرر أن يترك المدرب الذي أكل عليه الدهر وشرب، وأن يستفيد من التطور في اللعبة. هذا اللاعب لن يعود إلى بيته قبل أن يحقق أهدافه ويقذف الكرة في المرمى ويعود حاملاً لقباً جديداً. من أراد أن يؤازر هذا الجيل سيشاركه النصر، ومن أراد أن يواجهه سيداس بأقدامه وأقدام الجماهير التي تهلل للاعبها الجديد القادر على جلب الألقاب.