عندما كتبت قبل عام ونصف، مقالاً بعنوان "مبروك فوز إسرائيل بالناصرة" لم أكن على يقين تام أن النتيجة كانت فعلاً لا قولاً لصالح المحتل الإسرائيلي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فمن يتابع وما زال تصرفات رئيس بلدية الناصرة الجديد "علي سلام" ومنذ اعتراضه الأول على الحراك الفلسطيني الجماهيري ضد مخطط "برافر" واليوم ضد مجابهة التوغل الإسرائيلي في الدم الفلسطيني، وتعديه لكل الخطوط الحمراء تجاه أقصانا، سيلحظ، بلا أي عناء يذكر، أن الرجل وكأنه جاء لخدمة الكيان المسمى زوراً وبهتاناً "دولة إسرائيل" لا لخدمة أهل مدينته الناصرة الفلسطينية العربية.
وما اعتداؤه الأخير أول أمس على النائب العربي "أيمن عودة" رئيس القائمة العربية الموحدة، إلا خير دليل لا يقبل الشك أو التورية، فالرجل، وكما صرح، يقول ضمن صراخه الهمجي في الجملة المصورة، إنه لا يريد أي تظاهرة عربية في مدينته الناصرة! ويا للهول، هل حقاً هذا هو رئيس بلدية أكبر تجمع عربي في الداخل؟ لا يريد لأهله وشعبه أن يعترضا على إجرام المحتل وتعديه على أقصانا، ما هذا؟ وماذا يمكن أن يسمى؟ وتحت أي تعريف يمكن أن يوضع؟
المدعو "علي سلام" وفي تهجمه على النائب "عودة" قال كلاماً لا أظن أن هناك فلسطينياً وطنياً واحداً، يمكن أن يبرره، أو يفسره على غير ما جاءت به جملته الصادمة وهو يُهذي قائلاً: "بكفي، حرقتوا البلد". مضيفاً: "اذهبوا للتظاهر في حيفا، فالزوار اليهود تركوا الناصرة ولم يصلوا إليها يوم السبت الأخير. بسببكم البلدية تخسر، بسبب حبكم للظهور أمام الكاميرات والتصوير".
لسنا بحاجة هنا للتذكير، أن أهلنا في الداخل هم ظهير أصيل لنا، ونحن في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس امتداد طبيعي لهم، وأن كافة المحاولات الصهيونية، لم تفلح يوماً في قطع الروابط الوثيقة بين المرء وظهيره، ولن تقطعها مثل هذه التصرفات الحمقاء.
نعم كبيرة، إن المدعو "علي سلام" ليس وجه الناصرة وأهلها، هذه البقعة التي لا تكاد تظهر على خارطة فلسطين إلا برجالها المناضلين ومواقفها الوطنية، كانت وما زالت منذ النكبة شوكة في حلق هذا المحتل العنصري.
هذه الناصرة التي لم تنس يوماً أنها فلسطينية عربية الهوى والهوية.
هذه الناصرة التي تعاقب عليها الفرس والإغريق والرومان والبيزنطيون والصليبيون والمغول والعثمانيون والبريطانيون وبقيت صامدة شامخة.
هذه الناصرة حارسة مرج بن عامر التي سميت قديماً "عين الحياة" ناصرة مريم التي ربت عيسى عليه السلام، لتُخرج "توفيق زياد" عليه الرحمة، فتصدح عالياً بأصوات دلال وسلام أبو آمنة.
إن عار ما تفوه به رئيس بلدية الناصرة لن يتلبّس أهلنا في الناصرة المناضلة سواء ممن انتخب هذا الـ "علي" أو ممن عارض انتخابه، وإنما سيبقى يلاحقه أبد الدهر، مهما حاول التبرير أو الاعتذار، فالإساءة لم تكن لشخص النائب المحترم أيمن عودة، وإنما لهذه الدماء المراقة التي تسيل على امتداد الوطن، هي إساءة لشعب فلسطين، كل فلسطين من الماء إلى الماء، وعليه أعتقد أن أهلنا في الناصرة هم من سيرد على رئيس بلديتهم، لا ليكنسوه خارجها فقط، وإنما ليقولوا له ولغيره من مدّعي الوطنية إن الزمن الحالي، وقت فرز، فرز أن تكون فلسطينياً وطنياً، أو أن تكون أي شيء آخر غير أن تكون منتمياً لفلسطين.