للبدء أذكُرُ أن "جورج أوريل" ذاك الروائي العظيم، قال مرة: "إن الروايات العظيمة لا يكتبها أناسٌ خائفون"، وكذلك التاريخ، لا يكتبه الجبناء، قد يستفيد منه الجبناء، لكن أبدا لن يكتبوه، ولهذا ولذاك نجد أن أمتنا العربية وقد عاكسها حظ الإقدام والجرأة منذ بداية القرن الواحد والعشرين، تتعثر في دروب التاريخ وعلى أقل تقدير منذ جيل..
لِنَعُد قليلا إلى الوراء، لِنَعُد إلى ما بُعَيْد زمن استرجاع سيادة شعوبنا لأراضيها، بعد دفع الثمن الباهظ من الأنفس فاق الملايين، ومن الطاقات التي من شأنها بناء امبراطوريات عظيمة، حيث تقلّد مناصب الحكم رجال، رفعوا شعار القوة، والتزموا إلى حدٍّ ما برنامجَ ارتقاءٍ بشعوبنا، كمَا واجهوا كمًّا هائلا من التحديات الخارجية والداخلية على السواء، كل هذا لأنهم عايشوا فترات حالكة من تاريخ أمتنا، لم يكن حينها في مقدورهم التلاعب بمشاعرها ولو ظاهريا.
أكيد أننا نجد من يذكر محاسن حاكم من حكامنا (حكامنا من المحيط إلى الخليج) سنواتِ ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى غاية الثمانينيات من القرن العشرين، كما أن الأكيد وجود آخرين لا يروقهم نهج سياسة وقتها، أو ينتقدون قصور بعض النظريات في الحكم والحاكمية التي تم تطبيقها، كما نجد من يضرب بكل ما سبق من تجارب عرض الحائط ويتهم الجميع، جميع الحكام بالعمالة للمستعمر القديم الحديث، أكيد أننا نجد الكثير الكثير من الأحكام المسبقة والأحكام الجاهزة وكذا الأحكام التي يبدو أنها جاءت بعد دراسة وتمحيص وتحقيق.
هل سألنا أنفسنا يوما، أو وقفنا عند ناصية من نواصي الدروب التي كثيرا ما نقف عندها، لنتدبّرَ أمرنا، نراجع اختياراتنا؟، هل سألنا عن الفرق بين ذاك الزمان الذي كثيرا ما نُسمّيه بالزمن الجميل، وعن هذا الزمان الذي يبدو نشازا بغير ملامح؟، وهل سألنا عن تلك "الفنتازيا" التي كانت تَتَمَلَّكُنا من أكبر مسؤول إلى أصغر مواطن، عن تلك العنجهية التي كنا نقتات منها، رغم أنها لم توصلنا إلى أي نتيجة، ولم توصلنا إلى أي نصر مهما كان ضئيلا، لكنها كانت تَدخُل بنا عوالم جميلة من الخدَر اللذيذ، وتجعلنا نحيا نشوة عجيبة نشعر عندها وكأننا ملكنا العالم كل العالم.
في ذاك الزمن، كان لكثير من حكامنا صولات، كانوا يقررون، ورغم الهزيمة كان صوتهم مرتفعا، أما اليوم، نظلّ نستجدي موقفا ولو باهتا من أي حاكم عربي، نظلّ نستجدي ولو كلمة، قد يعمل لها المستعمر القديم الحديث حسابا، ولو حسابا في الفايسبوك، نظلّ ونظلّ، وقديما قيل "لا حياة لمن تنادي".
للبدء ذكرتُ أن "جورج أوريل" ذاك الروائي العظيم، قال مرة: "إن الروايات العظيمة لا يكتبها أناسٌ خائفون"، وللخاتمة أذكر أن الرئيس الجزائري الراحل "هواري بومدين"، قال للسفير الأمريكي بعد أيام من نكسة الخامس من يونيو سنة 1967م، السفير الذي جاء يلوم الرئيس بقوله: "لقد كلّفني الرئيس الأمريكي أن أنقل إليكم بأن حكومته لا تنظر بعين الارتياح إلى إرسال الجزائر لطائرات حربية لعبد الناصر". دون أن ننسى أن الولايات المتحدة الأمريكية أعظم دولة وأن الجزائر قدمت كل طائراتها الحربية السبعة والأربعين لمصر، غير أن الرئيس "بومدين" رد عليه قائلا: "أولا انتهى ذاك الزمن الذي كانت فيه أمريكا تأمر والبلدان الصغيرة تطيع، ثانيا انتهى وقت المقابلة".
بحسنات حكام ذاك الزمن وبمساوئهم، كنا نعيش اللحظة، أما اليوم فاللحظة هي التي تعيشنا..