“الطيور التي تولد في قفص تعتقد أن الطيران جريمة” يقول الكاتب وصانع الأفلام التشيلي “اليخاندرو خودوروسكي”، هذا الاعتقاد يبدو سائداً لدى العديد من السياسيين العرب والفلسطينين معا، وإن حاول كل منهما أن يخطو خطوة باتجاه التحرر أولاً من عقدة الفكرة المسيطرة بأننا لا يمكن أن نكون صناع التاريخ، بل مدونيه فقط، إلا أنهم يعودون ليعيشوا مرحلة مخاض عسير مع أول عسرة تبدو شاخصة في طريقهم، ليرددوا سويا لن يكون أفضل مما كان، وكأنهم يؤكدون بأنه ليس هناك أجمل من القفص.
هذه الفكرة تجعلنا ألعوبة في يد الأعداء والخصوم معا عن سابق إصرار وترصد، خاصة ونحن نرى العالم بأم أعيننا يتحرك أمامنا ونحن مكانك سر، كيف لا وهنا إسرائيل تصنع طائرة جديدة بدون طيار قدراتها تفوق سرباً كاملاً من الطيران العربي، فيما نتناحر نحن في حروب “داحس والغبراء” بين يمن الجنوب ويمن الشمال، كيف لا ونحن نتابع عن كثب إطلاق إيران صاروخاً جديداً يفوق ما سبقه من صواريخ من حيث القدرات التفجيرية واتساع المدى، بينما نحن غارقين في سوريا بين داعش حمقاء ونصرة لا نصرة من ورائها، بأي اللغات نرفع شارة الرفض، فيما يرفع برلماني أمريكي من الحزب الجمهوري دعوة قضائية ضد القابع في البيت الأبيض الرئيس باراك أوباما على خلفية فضيحة التنصت من قبل وكالة الأمن القومي، لنجد في أم الدنيا مصر العروبة منْ يُصر على خلق فرعون جديد لربما هو نفسه لم يفكر لحظة أن يكونه، بأي اللغات سنقول لا ومراكز تكنولوجيا الغرب تعلن عن إمكانية إطلاق جيل جديد من الألواح لمزيد من الطاقة الشمسية نحو توظيفها للتخفيض من الطاقة المستهلكة، لنتابع أبحاث بعض فضائياتنا الغراء في إمكانية صناعة طبق من الـ “ تشيبس بنكهة الثوم” وآخر من “السلطة الصديقة للقلب”، بأي عين سنقول الـ “ لا “ والصداقة بحسب الانجليز ومنهم الشاعر لورد بايرون: حب دون أجنحة، وبحسب العرب طعن وتنكر من الأقربين. بأي عين نقول الـ “ لا “ وسكان مثلثنا الطيب يعيشون لحظات ذعر وقلق من مجرد طرح فكرة ترحيلهم ليكونوا جزءاً لا يتجزء من شعبهم الفلسطيني تحت قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، التي لم تعد تعرف أهي مستمرة في المفاوضات أم أنها ذاهبة نحو مواجهة حتمية أم أنها لخصت كافة السبل فيما يسمى بالمقاومة الشعبية، مع عدم اعتراضنا على هذه الأخيرة التي لا يمكن أن تنتج وحدها فكرة التحرر أولا من كذبة السلام.
لا أدري تماما ماهية الحلول، والأكيد أنها ليست مهنتي، ولكن الكل الوطني اليوم وأمام مثل هذه التحديات في كل المحيط العربي والتي وصلت حد تدخل الغرب في كل تفاصيل حياتنا، مطالبٌ بأن يكون له كلمة فيما نتجرعه من خيبات لن تكسرنا وحدنا، ولن يكون عائدها السلبي فلسطيني صرف، وإنما عربي أشمل سيطول الكل العربي من أعلى الهرم إلى أسفله إن لم نعثر في داخلنا على ما يحررنا من ذاك القفص وجماله الخادع.