#الحدث - القدس
كتب يوسي بيلين، والذي كان وزيرا في ثلاث حكومات إسرائيلية عن حزب العمل وبعدها ميرتس، وكان واحدا من رواد اتفاقات أوسلو، ومبادرة جنيف، مقالا دعا فيه نتنياهو لأن يفهم أن المصلحة الإسرائيلية تقتضي عدم إذلال الرئيس عباس.
وقال ببيلين في مقاله إن الخطيئة الأصلية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هو الإضعاف المتواصل للسلطة الفلسطينية. ويقول بيلين، إن الرئيس عباس، والذي يتعرض لانتقادات دائمة من الداخل الفلسطيني بسبب استعداده للتنسيق الأمني مع إسرائيل، ضعيف بسبب الانقسام مع حركة حماس وهزيمة حركة فتح في غزة عام .2007
وإلى نص المقال:
موجة العنف الحالية تذكرنا الى حد كبير بالانتفاضة الأولى التي اندلعت في كانون الأول/ ديسمبر 1987. كذلك في الانتفاضة الأولى كان هناك استخدام محدود جدا للأسلحة النارية، وفيها أيضا لم تكن لدى إسرائيل عنوانا للحوار معه، ومحاولة وضع حد للثوران بواسطة اتفاقيات رسمية أو غير رسمية. في الانتفاضة الثانية كان هناك جسما فلسطينيا - عنوانا واضحا يمكن الحديث معه. لم يكن هذا الجسم ملزما بما يكفي، وفي مرحلة ما صعد ركب العنف، ولكن كانت هناك لقاءات بين الأطراف وكانت لهذه اللقاءات علاقة بانتهاء أعمال العنف في 2004-2005.
ما حدث في العقد الأخير هو إضعاف متواصل للسلطة الفلسطينية من قبل الحكومات الإسرائيلية. "الخطيئة الأصلية" كانت رفض رئيس الوزراء في حينه، أريئيل شارون، الحوار مع الرئيس الجديد، محمود عباس، حول الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، والقيام بذلك وسط تنسيق، كجزء من عملية شاملة، مقابل فلسطيني أو عربي ما. أُعطيت قطاع غزة تقريبا كهدية ودون مقابل لقادة حماس، ويمكنني أن أشهد من محادثة مع شارون أنه لم يخشَ هذا الاحتمال، لأنه بنظره كانت كافة الحركات الفلسطينية مشابهة، ولم يكن مستعدا لأن يرى الفروقات أيا كانت بين حماس وفتح.
بدأ شارون بالسياسة وسار خلفاؤه على خطاه. دخول الجنود الإسرائيليين الى عمق الأراضي التي بحوزة السلطة الفلسطينية بحثا عن مشتبهين باتت عملية شبه يومية، وتشكل عمليا خلافا واضحا للاتفاق المؤقت من العام 1995. لم يفكر شارون أبدا بمواصلة المفاوضات التي أوقفت في طابا عشية الانتخابات. كرئيس وزراء لم يلتقِ مع عرفات ولا مع عباس، وفقط في لحظات كريمة وافق على إرسال نجله للمحادثات العاقرة مع الرئيس الفلسطيني...
عقب قطيعة قصيرة وجزئية في حكومة أولمرت، عاد بنيامين نتنياهو كرئيس وزراء، الى سياسة شارون، لقاءاته مع أبو مازن باتت أمرا نادرا جدا وبدت مكرهة، عُرض الرئيس الفلسطيني كشخص لا يفِ بوعوده، ولا يستطيع الموافقة على أي اقتراح أو عرض، بينما يصر جزء من وزراء نتنياهو على عرض عباس كإرهابي رغم معارضته المستديمة والثابتة للعنف.
إنها سياسة نجحت بدرجة ليست بالقليلة. يحظى عبّاس بانتقادات دائمة وصارمة من الداخل لأجل استعداده على التنسيق الأمني مع إسرائيل، ويؤكد للزعماء العرب أن بنظره التنسيق الأمني مع إسرائيل هو أمر "مقدس"! يدفع عباس ثمن الانتقاد الإسرائيلي تجاهه، لأن ادعاء معارضيه داخليا هو أن استعداده للتنسيق الأمني مع اسرائيل مفهوم ضمنا، وأن الفلسطينيين لا يستفيدون بتاتا من هذه السياسة الثابتة.
عبّاس، ليس عصيّا على الخطأ، وكنت قد كتبت عن إدارته للحكم في هذا الإطار أيضا، ولكن لا تملك إسرائيل عنوانا أفضل منه. ينبع ضعفه الى درجة كبيرة من الانقسام مع حركة حماس وهزيمة حركة فتح في غزة عام 2007، ولكن لا يمكننا تبرئة ساحتنا من عملية إضعافه. النتيجة هي أنه لا يمكن اليوم إجراء مفاوضات مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لأنها بنظر المراهقين الفلسطينيين، الخارجين للشوارع مع سكين، ويحاولون قتل اليهود، لا تمثل أحدا.
الآن، إسرائيل بحاجة لعنوان فلسطيني أكثر من أي وقت مضى، مع تعاظم الإشاعات حول مفاوضات غير مباشرة مع حماس في غزة، فإن ثمار سياسة إضعاف الشريك آخذة بالنضج. لا يزال أبو مازن مؤاتيا، لا يزال مقبولا في العالم، ويستطيع التوقيع على اتفاقية سلام مع إسرائيل، وحتى لو لم يكن بالإمكان تطبيقها حاليا في قطاع غزة، قد تصبح واقعا في الضفة الغربية، ومستقبلا - يمكننا أن نأمل - أيضا في غزة. يرجح الاعتقاد أن اتفاقا سياسيا كهذا من شأنه أن يخفف الاهتياج ولهيب العنف.
سيضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يفهم أن المصلحة الإسرائيلية الحقيقية ليست إذلال عباس وإضعافه، بل تعزيز مكانته بقدر الإمكان، وإجراء حوار حقيقي معه. في لحظات الأزمة كالتي نعيشها اليوم، يسهل فهم أهمية عنوان فلسطيني ذو سيادة لنا.