الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

القدس تئنّ بين حظر التجول وضرورة البقاء

2015-10-18 03:59:40 PM
 القدس تئنّ بين حظر التجول وضرورة البقاء
صورة ارشيفية

الحدث - آيات يغمور

جميلة كانت شوارعها العتيقة، تعج بأصوات المنادين جذباً للمشترين هنا وهناك، مدرجاتها مغطاة بشباب اعتادو الجلوس في استدارة تجمعهم إطلالة القبة الذهبية.. لكن ها هي رصاصات جبانة متفرقة تقد مضجعهم، وتفرغ مقاعدهم، لتصبح القدس مدينة أشباح تفوح منها رائحة الموت.

 هناك في القدس حيث تتواجد الأحياء العربية وحيدة، قلة سكانها وكثيرة قواتهم، تنتشر شرطة الاحتلال في كل رقعة، تحيط بهم من كل جانب، محاذيرُ عديدة نشأت مع بداية أكتوبر، تناولها أبناء القدس بحس فكاهي، ووجدها آباؤهم كابوساً حقيقياً يتهدد أرواحهم في أية لحظة.

ومع استمرار المزاعم الإسرائيلية برواية حوادث طعن مختلف على صحتها، ما زال أهل القدس يستيقظون فيخرجون إلى أعمالهم كل صباح بنفسٍ لم يكن يوماً أقل قوة.

هو نفس المقدسي، الطويل الصامد يرعبهم، أطفال المدارس يسيرون بأقدامهم متوجهين حيث تقع المدرسة على الشارع المحاذي لتلك المستوطنة المشؤومة "بسجات زئيف" والتي بات اسمها مرتبط بالطفل "أحمد مناصرة"، ابن الثلاثة عشر عاماً، الذي عاش لحظات الموت وسكناته، على قضبان تلك السكة الحديدية، التي تمنى المستوطنون في تعليقاتهم على المواقع العبرية أن تحتويه ليسير القطار بخفة فوق جسده النحيل.

تقول إحدى المعلمات العاملات في مدرسة "الجيل الجديد" التي كان يرتادها أحمد، لاحظت وجود حالة من الحزن والرعب في عيون الطلبة عامة وأصدقاء أحمد خاصة، فانتشار الفيديو الذي يكشف جريمة  ضرب أحمد خلقت مشاعراً من الغضب لدى زملائه، وحتى بعد مرور أسبوع على الجريمة، ما زال ياسر ابن عمة الشهيد حسن مناصرة الذي ارتقى في الثاني عشر من الشهر الحالي، يعيش حالة من الصدمة نتيجة الأحداث الأخيرة، يتألم على فراق حسن حيناً وعلى ما آل إليه حال أحمد الذي يتعالج أسيراً حيناً آخر.

ويشرح وليد والد أحد الطلبة، الطريقة المتبعة لحظة مغادرة الأطفال مدارسهم: "يداً بيد، مجموعة لا تقل عن ثلاثة أفراد، أحدهم عليه أن يكون في الثانوية، وأما من توصلهم أمهاتهم فتصطحب معها ما تتسع مقاعد مركبتها لهم، وهو يؤصل تضامناً اجتماعياً لم تشهد له القدس مثيل".

فها هو يزن الذي خرج من مدرسته ليصطحب شقيقته الصغيرة من مدرستها التي تقبع في الضاحية، أوقفه جندي إسرائيلي أبرحه ضرباً من دون أي مبرر يذكر، خرج وحيداً وعاد لوالده مذعوراً حسب ما روى يزن ابن الصف التاسع.

ورغم تكامل اللوحة الحياتية نهاراً، إلا أن أهالي القدس لم يتأقلمو على التغيرات اليومية التي صاحبت هبة أكتوبر، فتقول هيام التي تسكن في كفر عقب وتعمل مدرسة في القدس: "منذ بداية الشهر الحالي وأنا أتغيب عن إعطاء الحصة الأولى من الدوام المدرسي نتيجة تأزم حادّ  على حاجز قلنديا العسكري والذي ازداد سوءً وخطورة".

حالة من الذعر والهلع، تملكت أهالي البلدات العربية القريبة المحيطة بالقدس، بيت حنينا، شعفاط، والطور، سلوان وغيرها والتي بات سكانها يعتاشون نهارا ويسكنون بيوتهم ليلاً، تقول لبنى إحدى الأمهات اللواتي قابلتهم "الحدث" : أضواء الشوارع تسودها العتمة، وإشاراتها الضوئية باتت معلقة خوفاً من أن تعيق حركة قطارهم السريع المليئ بالحرس المخصص لراحتهم، لا حياة بعد الثامنة هكذا باتت قاعدة البقاء".

بينما تعيش سلمى تخوفات من إغلاق حاجز قلنديا بصورة يومية، فهي تخشى أن لا تستطيع يوماً أن تصطحب أطفالها من حضانتهم لتعود إلى منزلها دون التعرض لرائحة الغاز المؤذية.

والبلدة القديمة خطٌّ أحمر على الأطفال الذين يمنعهم ذووهم من الخروج من المنزل بعد انتهاء ساعات الدوام المدرسية، فتتوقف الحياة قبل أن يصل الليل أبوابهم، فهم المستهدفون والمستضعفون، فيقول محمد وهو أبٌ لخمسة أولاد: نحن نقطن بجانب المستوطنة التي ينتشر سكانها اليهود ليلاً لتصيّد أطفالنا ولا أستطيع السماح لشيء كهذا بالحدوث.

ويضيف محمد "هناك بقالة مناصرة ومحال الخضرة، مغلقة منذ سبعة أيام، لا يعلم  أحد هل إغلاقها حدادٌ على فقيدهم حسن؟ أم تخوفٌ من هجمات وانتقام المستوطنين الذين زاد تماديهم وصولاً للبحث عن منازل المتهمين بتنفيذ عمليات الطعن".

وصلة الرحم ممنوعة هي الأخرى التي اصبحت مقيدة ومحكومة بحاجز قلنديا أو حزما أو تلك الطيارة في أرجاء القدس، فتحكي لنا "حياة" عن حرمانها منذ خمسة عشر يوماً من زيارة أهلها القاطنين في التلة الفرنسية التي تشهد معاناة يومية واقتحامات ليلية.

ولا تتوقف المعاناة هنا، فالمقدسي ومنذ بداية الاحتلال، تحيط به الضائقة الاقتصادية من كل جانب، ويستطيع المار من أسواق البلدة القديمة إن تمكن من الوصول بسلام، أن يلحظ ما تبقى من دكاكين فتحت أبوابها، فالغالبية العظمى أقفلتها حذراً أو نتيجة ضغوط تمارسها سلطات الاحتلال عليهم.

 وأما عن البقية، الذين يخرجون لتحصيل شهاداتهم الجامعية، لا يعلمون متى موعد العودة، يحملون معهم ملابسهم ليتخذو من منازل اقربائهم وأصدقائهم ملجأً يسعفهم في حال إغلاق الحواجز أو اشتداد المواجهات عليها، وتقول سارة التي تكمل الماجستير في جامعة أبو ديس: على الرغم من كوني امرأة متزوجة ولدي عائلة في اتظاري، إلا أني آسفة لاضطراري المبيت لدى أقربائي عند اشتداد المواجهات وإغلاق الحواجز.

حظر تجول فرضه الاحتلال بطريقة أو بأخرى، فهم يشرعون بإفلات قطعان المستوطنين على الأحياء العربية ليلاً تماماً كالجبناء،  لتستيقظ القدس على صرخات والدة شهيد كان يوماً يجلس على مدرجات باب العامود الذي شهد عمليات إعدام ستظل دماء شهدائه الطاهرة تفوح مسكاً معطرة المكان

.