تتضمن المجموعة القصصية كتّاب ينشروا انتاجهم لأول مرة، لذلك جاءت القصص متفاوتة بجمالها الفني، أو الأكتمال. ولكن يحسب لكتابة المجموعة وجود البذرة الصالحة التي إن سقيت وتم الاعتناء بها سيكون لها مردود مثمر وغزير.
تتنوع الموضوعات التي ناقشها الكتاب في قصصهم، وطغى القهر والظلم الاجتماعي على بقية الموضوات في المجموعة.
الشعور بالقهر والظلم الاجتماعي
تناقش بعض القصص الظلم الاجتماعي الذي يعاني منه سواد الشعب، ونرى ذلك في قصة ابزيري عبدالاله "موحى"، الذي يتناول قصة طفل يسكن الجبال ويعاني من رداءة الطقش البارد، ويحاول أن يغطي نفسه بغطاء ممزق لا يصد برد الشتاء، فالطفل لم يحقق مبتغاه بالحصول على الدفء، فقرر الخروج في محاولة لامتصاص أشعة الشمس التي ظهرت باستحياء من وراء القمم العالية " فقرر مطاردتها حتى ينعم بدفئها، أسرع الخطو وسط بياض الأرض وهو ينتعل صندله البلاستيكي المكشوف الأصابع تابع السير والتسلق إلى درجة أنه فقد الإحساس بأن لديه أصابعا.. ."، وأحس بالوهن لأنه لم يأكل منذ أسبوع، بينما الإذاعة الرسمية تعلن عبر المسؤول الكبير إن السكان في الجبال أوضاعهم جيدة، ولا ينقصهم شيء بعد أن اعتنت الحكومة بهم! وهذا نقد اجتماعي، يظهر عجز الحكومة عن القيام بواجبها اتجاه الشعب الذي يعاني، بينما الحكومة تقف بلا حراك، وتمارس الكذب عبر وسائل الإعلام للتغطية على تقصيرها.
ويذهب سعيد لفلاق أيضا إلى التطرق إلى الظلم الاجتماعي في قصة "وجبة تحت الطلب"
ويبين لنا الظروف الصعبة التي يعيش بها طلاب الجامعات من حيث سوء الخدمات المقدمة سواء في المأكل أو في المسكن. يقول: "بدت له السماء من خلف صف طويل كجسد ثعبان يتموج، ينتظر بنهم الغذاء أمام مطعم الحي الجامعي. بازدراء موحش نظر فيما حوله، وغمغم مع نفسه بكلمات تشعر بعدم الرضا وزفر طاردا الهواء بشكل مذل".
ويحدق في ملامح الطلبة المكدودة، والأجساد المتعبة المسلوبة القوى والنضارة." فأصبحت تتراءى كغصن شجرة مورق، قطع توا وألقي أرضا فتلقفته يد الضياع. حدق في هذا الطابور الذي لا يكاد ينتهي، يستحم برائحة عرقه الحقيرة، يتذكر أنه لم يغتسل منذ أسبوعين".
فهو لم يغتسل كون حمام الحي الجامعي تآلف ومغلق، وهو لا يملك المال للذهاب إلى حمام في البلد.
وينقل الكاتب الصعاب التي تواجه الناس في المغرب ليسقطها على كل الوطن العربي الذي يعاني جله من الحرمان والفقر والضياع، يقول: "الحياة في بلادنا العربية صف طويل".
بعض الطلاب لم يعجبهم الوضع وقرروا الثورة على إدارة المطعم، وتحقيق العدالة والمساواة، ولم يخشوا شيئا.
محمد العمراني في قصته "عربة سيزيف"، يدخل فيها إلى عالم العمال الذين يكدّون من أجل لقمة العيش، فالعجوز الذي يقود عربة لنقل الأشياء للناس، لا ينظر إلى سخرية البعض وازدرائهم، بل يؤدي عمله المتعب وكأنه شاب في العشرينيات، ويشبهه الراوي بسيزيف الذي عاقبته الآلهة بأن يصعد صخرة إلى أعلى الجبل، وما أن يرفعها حتى تدحرج من جديد.
يتصف العجوز بالشهامة وعزة النفس، ويرفض أن يساعده أحد في جر العربة، يقول الرواي عن العجوز والعربية: " كان يحاول دفعها لوحده، رأيت في وجهه رفضا للمساعدة،... مستقيم الظهر وعرق جبينه يسيل، غير آبه بنظرات الناس أو شزرهم" .
وللسخرية فأن ابن الراوي وصل وهو يلهث تعبا، بينما لا يبدو على العجوز الوهن وهو ينقل الحقائب إلى داخل البيت. ناوله بضعة دراهم، واستعد بطلنا كما يقول: " لسجني مع الثامنة صباحا" وكان به يقول أن ما يقوم به سيزيف أقوم به في عملي المضجر، وبالتالي فأننا كلنا سيزيف بطريقة أو بأخرى نقوم بأعمالنا دون هدف وكأنها شيء اتوماتيكي.
ومن الكتاب الذين يؤرقهم الموضوع الاجتماعي محمد ايدسان، ففي قصته التي بطلها رجل أعمى، يحدثنا عنه وعن حياته والتطورات في بلده، ومدى ضيق الحياة وصعوبتها، ولكن هذه الرجل الأعمى المثقف الذي يعرف نزار قباني وبورخيس ويحب سماع الموسيقى، لا يستكين، ويقول لنفسه: "الآنْ تجلسُ تحت الأركــان، تسمعُ حُزن النَاي فيَبْتَهِجُ عماكَ. وتقتنعُ أكثر في بَعيدكَ أَنَّ الْعمى يَخْضَوْضِرُ، و يَتَوَهَّجُ، وَيَمْتَدّ كَالْمَدَى، و يَصِلُ، و يَهّلُ، و يَجِئُ، وَيَنْكَسِرُ، و يَحْزنُ، وَيَشِيخُ".
وعندما يقرأ له احدهم قصة مديح العَمى التي يقدسها لخورخي لويس بورخيس، يقول: "بُورخيس هو نبي العُميان، يرى ما لم نَرى". فالعمى في النهاية ليس فقد حاسة البصر بل هو عدم استشراف الغد، لذا عليه أن يكون قويا ويصنع لنفسه مستقبلا عظيما ولا يتم ذلك دون القدرة على الاستبصار والفعل.
ويؤخذ على الكاتب استخدامه عنوانا للقصة باللغة الفرنسية، وكذلك وجود بعض الحوار أيضا، وكأن بالكاتب يفترض إن على القارىء أن يلم باللغات.
في قصة "صداقة ورقية" كان موضوع أحمد لحياني مختلفا، فقد ناقش موضوع الصداقة، وحب المال، وإن المال قادر على تخريب أعمق الصداقات وأقواها، وكأنه يقول إن جشع الإنسان لا ينتهي، وهو مستعد لفعل أي شيء لكسب المال. فالصديقان تعاركا على المال
"كقطبي مغنطيس من أقصى الكرسي لأقصاه اختلفا إلى حد القطيعة ".
في قصة "ثائِرُ البَيْـداء" لسفيان أشلـواو يتناول فيها قضية الثورة العشوائية بلا تفكير والتي تؤدي إلى التهلكة. فشخصية حمّو التي اختارها الكاتب، شخصية غير متعلمة رغم أنها شغوفه بالقراءة، لذا يتأثر في كتاب قواعد الثورة التي يقرأه ويقرر قطع النخلة التي تثمر كل سنة رغم كل شيء، وبعد سنوات يصيب الجفاف المنطقة، فيهرع الجميع صوب النخلة متناسين إن حمو قد قطعها من جذروها.
أما هاجر لحسني فتختار الحلم ليكون بطلا لقصتها " أأصبحت ملكتهم حقا ؟"
عبر الشخصية الرئيسية، التي تحلم بعالم آخر يرشحها أن تكون ملكة ولكن عليها قبل ذلك أن تهزم غريمتها. تنتهي القصة لنكتشف إننا بصدد حلم فتاة وقعت من شرفة منزلها وأصيبت بغيبوبة.
وكذلك لعوينة العربي في قصة "الحلم" حيث الشخصية الرئيسية تتعرض إلى القتل، وتتابع مراسم الدفن والعزاء، واحتفال الزوجة ببرائتها من تهمة التواطؤ لارتكاب جريمة.
وفي قصة من أجمل قصص المجموعة، وأكثرها اتقان في الحبكة، يتطرق نصر الدين شردال في قصة "بركة الولي الطالح" إلى حالة التخلف والجهل الذي يعاني منها الإنسان العربي، فهناك ملايين العرب ما زالوا يعتقدون بقدرة أضرحة قيل أنها لأولياء صالحين على الإتيان بالمعجزات وخاصة في الأرياف الأقل حظا بالتعليم، فالشيخ الكبير الذي لا ينجب ويتزوج فتاة صغيرة على أمل الإنجاب، وعندما لا يحدث الحمل، وتقلق الزوجة خديجة وتخاف من الطلاق، تستعين بجارتها التي تنصحها " بزيارة ضريح "سيدي عيسى المولودي" للتبرك ببركته، إنه ولي من أولياء الله الصالحين، كل من قصده لا يخيب ظنه". وعندها تذهب خديجة إلى الضريح وتنام عدة ليال تدعو، يأتيها الولي بملابسه البيضاء التي تشع نورا، يغمى عليها، ويجامعها الولي، وتكون النتيجة الحمل، الجارة الملعونة والتي انجبت أطفالها بنفس الطريقة، قالت لها: "عيونه جميلة كأنها قدتا من عيون التهامي" والتهامي هو حارس الضريح، يعلم زوج خديجة بالأمر و "مع غروب الشمس وجثوم الصمت على صدر القرية، سمعنا ذوي طلقتين ناريتين من بندقية العربي كانت كفيلة بوضع حد لسلالة الأولياء الطالحين اللقطاء!". وكانت نهاية ناجحة، وتثير التساؤل، ترى كم طفل في القرية ينتسب للتهامي.
في قصة إبراهيم البوزنديكي "صه... إنهم يغنون" يلعب الكاتب على عنصر التشويق في قصته، فبعد أن يعثر في خزن التبن على صور بدائي للعزف، يحاول معرفة سرة دون جدوى، غير أن العجوز تخبره إن لا أحد قادر على النفخ فيه إلا من كان أهلا لتحمل المصاعب.
ويقول له عمه المفكر: " ألق هذا الشيء بعيدا عن عنقك يا بني، هو شيء ملعون دخل قريتنا الآمنة فحولها إلى جحر للأفاعي".
وعندما يعين في الوكالة التعليمية كمساعد للمدير، يحاول أن يتعرف على مبنى فخم، والذي يتبين إنه لمجلس الإدارة، وتكون المفاجأة بظهور "كتابة كبيرة منقوشة أعلى القوس الذي سندخل منه وكانت:
" لا ينفخ فيه إلا من يقدر الغوص فيه"
وكان صوت الغناء ينطلق خارج المبنى "و سقط قلبي بين قدمي مما خلفته الكتابة من هلع في نفسي وتسمرت مكاني لحظات، وكأن دافعا يدفعني من الخلف. تماديت أقتفي أثر الأستاذ معتمدا على أذني وهي يأتيها صوت الغناء من بعيد..."
فماذا قصد الكاتب بالبوق، هل يخبرنا أنه القدر الأسود؟ أم إنه يريد أن يوصل رسالة مفادها أن مجلس إدارة الجامعات والكليات يقودها إلى الهاوية، وأنه يسير مع الموج دون قدرة على التغيير، الحقيقة إني وجدت صعوبة في الوصول إلى غاية الكاتب، رغم إني استمتعت بالقصة، وهذا يدل على هفوة الكاتب الذي التقط فكرة مبدعة ولكنه لم يستطع أن يوصلها إلى القارىء بشكل جلي ودون غموض.
واختار نور الدين الصغير موضوع الفقر وعدم القدرة على التعليم لقصته "عامل بناء في الجامعة" فالعامل القادم من أحد القرى ليعمل في إنشاءات الجامعة، يتذكر حياته السابقة عندما رأى زميل دراسته السابق يدرس في الجامعة رغم أنه أذكى منه، وكان متفوق عليه في الدراسة، إلا ان وفاة والده حرمته من الدراسة واتجه للعمل لإطعام أسرته. وهنا يأتي دول الدولة المغيب التي لا تفعل شيء للناس المعدومين ولا تقدم لهم أبسط مقومات الحياة. القصة مكتوبة بشكل بسيط، ويحتاج الكاتب إلى مزيد من القراءة والدربة ليرتقي بقصصه، فالقصة يغيب عنها الصراع، والحلم بالوصول إلى غاية، وتكتفي الشخصية بالعيش في الماضي دون قدرة على الفعل الإيجابي، وكأنها استكانة لوضعها البائس.
في قصة "رحمة" تدخل سهام مناي موضوع ما زال يعاني منه الكثير من مناطق الأرياف والمناطق البعيدة عن مركز المدن، ففي منطقة "الدوار" تعيش رحمة مع أبيها وزجته، فهي اتت إلى الدنيا في اللحظة التي فارقتها والدتها نتيجة عدم وجود تطبيب ولا مستوصف في الدوار. لذلك تجتهد وتدرس لتحقق حلمها بأن تكون طبيبة لتساعد أهل الدوار، غير أنها لا تحقق ذلك بسبب إجبارها على الزواج من شخص يكبرها، ورفض والدها وزوجته إكمال رحمة لتعليمها رغم تفوقها. لتتكرر الحادثة القديمة، ويحصل للبنت ما حصل لوادتها نتيجة الفقر في الخدمات الطبية. تقول الكاتبة: "كانت رحمة تسعى جاهدة لتحقيق حلمها الذهبي، فالدوار يحتاجها بقوة إذ هي أمل الجميع. لم تكن تريد أن يبقى الدوار بدون تطبيب ولا مستوصف".
تتزوج وتحبل، وتأتي القابلة لتوليدها، كانت رحمة تقاوم فهي لا تريد أن تموت وتترك ابنتها الوحيدة عرضة للعنف الذي ستمارسه زوجة أبيها المستقبلية" لكن مناعتها لم تكن قوية بما يكفي فجسمها لم يتحمل... حينها علمت "القابلة" أن إحداهن لن تنجو، وفي هذه اللحظة العصيبة ملأ صمت رهيب المكان لتكسره صرخة الطفلة، معلنة خروجها إلى الحياة، بينما كانت رحمة تلفظ أنفاسها الأخيرة ".
وهذه قصة من نماذج الواقعية النقدية، التي تطرح المشكلة ولا تقدم حلولا لها. الكاتبة لديها الموهبة غير إنها بحاجة لصقلها بالقراءة النهمة للإطلاع على نماذج قصصية ناجحة عربية وعالمية.
في قصة "رســــالة إلـــى المــطــر" ليوسف سعداوي تظهر موهبة الكاتب باستخدام اللغة وفي آن قلة خبرته في القص، فنرى الكاتب في سطور يحلق بنا في عالم الأدب كرسالة شخصيته إلى المطر: ""وأنك لن تنسى أبدا كم كنت أسير برفقتك والكل يهرب منك، يكتفون بمراقبتك تحت الأسقف وأنا أُحملق فيك، رافعا رأسي إليك، أحدثك ونبتسم لبعضنا البعض، نناقش الحب والسعادة والأخلاق، وكنت تُحدِّثني بنوع من الفخر والاعتزاز كيف أنك سقيت أرضا عَطِشة فأنبتت واخضَرَّت... وكيف أنك أسعدت فلاحين بسطاء بقدومك... وأنا متأكد سيدي المطر أنك لن تنسى أني لم أقتني في حياتي كلها مظلة لأحتمي بها منك".
ولكنه لم يستطع ان يرسم شخصيته الرئيسية التي تمثل البطولة في القصة بالشكل الملائم، ففي البداية تظهر الشخصية مزعجة ومنفرة، يقول:" كان شخيره يُوشك أن يوقظ الموتى... وأن يردي الأحياء أمواتا". ويجعله يحلم بالغنى والزواج من فتاة صغيرة، لأنه لم يعد يطيق زوجته. لينهض على صراخ زوجته تخبره بحدوث فياضانات وضياع ثروته، فيكتب رسالة جميلة إلى المطر، ويأتيه الرد منه، ليصل إلى نتيجة ضرورة شراء بندقية والثورة على الحكومة التي لا تفعل شيء لرعاية الناس وإنقاذهم من المصائب.
في قصة "خفافيش الظلام" لكوثر أوبديل، تتعمق الكاتبة في موضوع خطير وهو موضوع الدعارة، فتتناول الراوية قصة فتاة تكرهها، وتكن لها الاحتقار والإزدراء كونها تمارس الرذيلة فهي "أشبه بالخفافيش يعيشون في الليل فقط، يلتحفون المعاصي و يغوصون في وديان الرذيلة والفسق والمجون".
هذه الفتاة "زهرة" تستأجر لدى أهل الراوية وتلتقيها في الغرفة من أجل تحصيل الإيجار، ويدور بينهما حديث طويل عن الأسباب التي أدت إلى جنوح زهرة إلى هذا الطريق، تقول زهرة: " ماتت أمي وأنا في الخامسة من عمري، كان أبي سكير مهمل تزوج من امرأة أطفأت شمعة حياتي وقتلت ما بقي من ذكرياتي. جعلتني أشتغل في المنازل أتعب وأشقى وأتحمل أشياء كانت أكبر من سني، ماتت في الطفولة، كبرت أنا وتلك الطفلة اليتيمة لم تكبر. ذات يوم بينما أنا أشتغل في إحدى المنازل تحرش بي صاحب العمل ضربني عذبني وبعدها نهش لحمي ورمى عظمي واغتصب طفولتي. تركت المنزل والمدينة وجئت إلى هنا بحثت كثيرا عن عمل شريف لكن هذا المجتمع العاهر لم يعطيني أي فرصة، بل دفعني إلى أحضان الشوارع".
وهنا نرى أن الكاتبة تغير رأيها، وتحمل المجتمع العاجز مسؤولية هذه الزهرة التي سحقت، وما زال المجتمع يدوس عليها، ولا شك أن إطلاق اسم زهرة عليها كان بداعي تبيان المفارقة، وإظهار قسوة المجتمع على أزهاره.
غير إن الكاتبة وقعت في بعض الهنات، كذكر مسرحية "في انتظار غودو" على لسان زهرة التي يبدو من مجريات القصة إنها لم تدخل مدرسة قط، وفي النهاية تدخلت الكاتبة بشكل مباشر لتعبرعن نقمتها على المجتمع، فتقول: " أبى النوم أن يزورني ليلا، وكيف يغمض لي جفن والرأسماليون المتعفنون ينهشون أجساد القوارير و يطفؤون شمعة وجودهم دمعة، دمعة. إلى متى ستظل الخفافيش قابعة في بحر الظلام تلاطم جسدها أمواجا قاتمة السواد، وهل ستفرح يوما ببزوغ فجر الحرية وتعود هذه الخفافيش للعيش نهارا ؟ أم أن الحياة حكمت عليها حكما غير قابل للاستئناف". القصة جميلة وتنبأ بظهور قاصة صلبة ومتمكّنة من لغتها.
ومن الموضوعات الواقعية والخطيرة التي ناقشتها المجموعة القصصية، موضوع التشرد، إذ هناك الكثير من المشردين الذين لا يجدون مكانا للعيش فيعيشون في الشوارع والحدائق العامة ومحطات القطارات، ويمارسون التسول أو النشل، ففي قصة "المتشرد الفطن" يتناول يوسف كرماح حياة أحد المشردين الذي يحاولون العيش كيفما اتفق، والذي بذل جهده ليسرق بعض السياح الفرنسيين لولا تدخل راوي الحكاية لينقذهما، ويبعده عنهما، وقد اختاره الكاتب من الأطفال المدمنيين على الكحول ليزيد بذلك من درامية القصة، وينبه إلى المشكلة المستعصية التي تقف الحكومة عاجزة عن معالجتها.
أما ابتسام امهاني في قصتها "الفشل طريق النجاح" فهي تتطرق لموضوع الفشل والقدرة على تجاوزه، غير أن الكاتبة أهملت الحبكة، وصراع الشخصية في الحياة، فظهرت الشخصية تفشل في إكمال تعليمها بسبب المادة، ثم تنطلق في عالم الرياضة وتحقق النجاح الباهر، وتحوز على ثورة هائلة لدرجة إن بطلنا يعود ليبني جامعة في وطنه! أما كيف حقق هذا النجاح وما هي العقبات التي تجاوزها فقد أهملتها الكاتبة، لذا جاءت قصتها بسيطة، وينقصها التكنيك، واللغة القوية والمنسابة، لذا أنصحها إذا أرادت دخول عالم الكاتبة أن تجهد نفسها في تعلم فنيات القصة، وكما تقول لا أهمية للوقت، المهم النجاح في تحقيق المراد، والعمل المتقن.
ويتناول عبد الرحيم شراك في قصته "ثقيل الدم" موضوع غاية في الأهمية، وهو سوء الظن بالناس، وأخذ انطباع سيء عنهم دون معاشرتهم. يقول في قصته: "لا أصدق ما تراه عيناي! ثقيل الدم متواجد هنا أيضا وفي هذا اليوم بالذات! هذا ما كان ينقصني بعد أن تفاجأت بعدم إحضاري لمحفظة نقودي، لا أريد أن أتشاءم أكثر لكنّني أحسّ أنّ هذا اليوم لن يمرّ بسلام".
ويتساءل عن سبب اصرار ثقيل الدم على صداقته رغم صده، يقول: "أنا لا أفهم لماذا يصر على صداقتي ؟ رغم أنني لا أطيق البقاء معه أكثر من خمس دقائق ، فهو ثقيل الدم جدا!.
لنكتشف بالنهاية إن ثقيل الدم هو الوحيد الذي زار استاذ الفصل عندما دخل المستشفى من بين التلاميذ!، وأنه أقبل على راوي القصة واحتضنه وسأله عن أحواله، ثم أعطاه مبلغا من المال كان قد اقترضه منه.
الخلاصة
تعتبر المجموعة القصصية "إبداعات شبابية" جيدة في مقياس الكتابة لكتّاب ينشرون للمرة الأولى، وكانت قصص المجموعة متفاوتة من حيث الجمال والاكتمال الفني، ولا ننكر وجود بعض القصص التي تنبىء بولادة قصاصين لهم مستقبل في عالم الأدب.
ما زال الكتاب يحتاجون إلى القراءة، وممارسة فعل الكتابة بجد ونشاط ليرتقوا بموهبتهم ويصقلوها.