بشكل يومي ولافت، تقف عشرات الفتيات الملثمات بالكوفية الفلسطينية، على نقاط التماس مع قوات الاحتلال الإسرائيلية، وهنّ يشاركن الفتية والشبان في رشق الحجارة، والزجاجات الحارقة تجاه تلك القوات، دعماً لـ"هبّة الضفة والقدس".
ويعيد هذا المشهد إلى الأذهان، مشاركة المرأة وبقوة في مراحل النضال الفلسطيني، ومقاومة "الانتهاكات" الإسرائيلية الممارسة بحق أبناء شعبهن.
وتعتبر المناضلة الفلسطينية ليلى خالد، عضو في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"،(تقيم في الأردن بصفتها عضو في المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية)، رمزاً للمرأة المقاومة.
وشاركت خالد عام 1967؛ في خطف طائرات تابعة لشركة "العال" الإسرائيلية؛ بهدف إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين، وشغلت آنذاك الرأي العام العالمي، ولُقبت بـ"خاطفة الطائرات".
ويبرز اسم "شادية أبو غزالة" التي كانت تقود مجموعة عسكرية تابعة للجبهة نفسها، في الضفة الغربية، وقُتلت عام 1968 أثناء إعدادها عبوة ناسفة.
وتزخر الذاكرة الفلسطينية، بأسماء لنساء ساهمنّ في العمل العسكري خلال العقود الماضية، أمثال "دلال المغربي" التي قادت مجموعة مسلحة من مقاتلي حركة فتح إلى شواطئ تل أبيب، مستخدمة زورقًا حربيًّا عام 1987، لتنفذ عملية مسلحة أسفرت عن مقتل أكثر من 50 إسرائيليًّا(بحسب أرقام فلسطينية وإسرائيلية).
وفي 8 ديسمبر/كانون أول 1987، وعندما اندلعت الانتفاضة الأولى أو "انتفاضة الحجارة" كما يسميها الفلسطينيون، في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، ثمّ انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين، شاركت المرأة في المواجهات، ضد القوات الإسرائيلية.
وشهدت تلك الانتفاضة، عدداً من العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية، كما عرفت ظاهرة حرب "السكاكين"، إذ كان الفلسطينيون يهاجمون الجنود والمستوطنين، بالطعن، بحسب مصادر فلسطينية.
وظهر إقبال النساء بشكل كبير على المشاركة البعيدة عن الطابع "السلمي والسياسي"، في انتفاضة الأقصى، التي اندلعت يوم 28 سبتمبر/ أيلول 2000، عقب اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل، أرئيل شارون، ساحات المسجد الأقصى.
ونفذت 12 امرأة بينهن فتيات (9 من الضفة، و3 من قطاع غزة) عمليات ضد إسرائيل، أسفرت عن استشهادهن، ومقتل عدد من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين.
وكانت وفاء إدريس، من أشهر وأول الفلسطينيات اللاتي قمن بهذه العمليات؛ حيث فجرت نفسها نهاية يناير/ كانون ثاني 2002، في مجموعة من الإسرائيليين، غرب مدينة القدس.
وعقب ذلك، نفذت أخريات عمليات مماثلة، بينهن: دارين أبو عيشة -آيات الأخرس -عندليب طقاطقة -هبة دراغمة -هنادي جرادات -نورا شلهوب -إلهام الدسوقي -ريم الرياشي-سناء قديح-زينب أبو سالم، فاطمة النجار( 57 عاما) (أول وأكبر فلسطينية تنفذ عملية تفجيرية).
كما واعتقل الجيش الإسرائيلي عشرات النساء خلال انتفاضة الأقصى، بتهمة المشاركة في "المقاومة المسلحة"، أو محاولة طعن جنود إسرائيليين.
ومن أبرز تلك الأسيرات، أحلام التميمي(تنتمي لحركة حماس)، التي اعتقلت عام 2001، وحكم عليها بالسجن 16 مؤبداً، بتهمة المشاركة في تنفيذ عمليات في القدس، وذلك قبل أن يُفرج عنها في إطار صفقة تبادل الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط عام 2011.
كما واستطاعت آمنة منى، عام 2001 (ناشطة في حركة الشبيبة الذراع الطلابي لحركة فتح)، أن تستدرج فتى إسرائيلياً، يدعي "أوفير راحوم"، من تل أبيب بواسطة المراسلة عبر الإنترنت إلى القدس، ثم إلى مدينة رام الله، ليتم قتله من قبل مجموعة مسلحة تابعة للحركة.
وتمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من اعتقال منى، وأدانتها المحكمة العسكرية الإسرائيلية، باختطاف وقتل "أوفير"، وحكمت عليها بالسجن "مدى الحياة"، غير أن منى تمكنت من الخروج من المعتقل في إطار صفقة "شاليط"، وتم إبعادها إلى تركيا.
واشتهرت المرأة في فلسطين بتقديم الدعم الكامل لأزواجهنّ وأبنائهنّ في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
ومن بين الأسماء اللواتي يُعتبرن من رموز المقاومة الفلسطينية "مريم فرحات"، النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس (توفيت عام 2013 بعد صراع مع المرض).
واكتسبت فرحات المكناة بـ"أم نضال" شهرة واسعة في الأراضي الفلسطينية والمنطقة العربية، عقب تنفيذ نجلها "محمد" عملية "تفجيرية"، أسفرت عن مقتل 9 جنود إسرائيليين في مارس/آذار 2002.
ودُهش الفلسطينيون والعرب، وقتها من نشر مقاطع فيديو تظهر فرحات تودع ابنها –الذي لم يتجاوز حينها الـ17 عاما من العمر- قبل تنفيذه العملية، وتحثّه على قتال إسرائيل، والموت "شهيدا في سبيل الله".
وتقول مريم أبو دقة، عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن "المرأة الفلسطينية شاركت الرجل، في كافة مراحل تاريخ النضال".
وأضافت: "النساء يشاركنّ اليوم في رشق الحجارة، وعلاج المصابين، والتصدي للمستوطنين، هنّ دوما في قلب المعركة (...)، منذ النكبة (1948) وحتى اليوم".
وترى أبو دقة، أن "المرأة استطاعت أن تشكل علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني".
وتابعت: "المرأة هي الشهيدة، والأسيرة، وهي من تناضل وتقاوم، وما دام الاحتلال الإسرائيلي، والانتهاكات مستمرة، لن يتوقف عطاؤها سياسياً، وميدانياً، وستبقى جنباً إلى جنب مع الرجل في رحلة الكفاح والنضال".