الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رسالة واضحة إلى مجتمع متردد نحن وإياكم في الزاوية، هل من مخرج؟ بقلم: أحمد زكارنة

2015-10-22 11:09:17 AM
رسالة واضحة إلى مجتمع متردد
نحن وإياكم في الزاوية، هل من مخرج؟ بقلم: أحمد زكارنة
احمد زكارنة

 لم يأت جون كيري ومن قبله بان كي مون، إلى المنطقة نصرة للحق الفلسطيني أو لحماية شعب فلسطين من الإعدامات الميدانية التي يتعرض لها، ولكن لإنقاذ الكيان الإسرائيلي من ورطته التي دفعه إليها نتنياهو "المطلوب فحص قواه العقلية"، وأعضاء حكومته التي ذهبت بعيداً في الغباء والاستغباء، حد تبرئة هتلر من رواية المحرقة.

 

جاؤوا ليضغطوا على القيادة الفلسطينية فرض التهدئة على الشارع الثائر لكرامته وحقه في الحرية والاستقلال، ليفاجأوا باصطفاف القيادة وراء شعبها، ليس لأنها خططت لذلك، وإنما لأن شباب هذا الشعب الحي قد نفذ صبره، فما كان من أحد رجال الإطفاء "كيري - بان كي مون" إلا أن يقلق على ما وصلت إليه عملية السلام المغتالة بفعل فاعل، دون الإشارة إلى هذا المحتل الاستعماري المتطرف لصالح اختطاف الصراع لجهة تحويله إلى صراع ديني.

 

وبالرغم مما ذكر، جدير بنا القول: إننا وإياكم أي "المجتمع الدولي"، لا يصحُ ولا يستقيم أن نقفزَ فوق الواقع المرير الذي يجر الحالة من مربع سيء إلى آخر أسوأ، ولا يمكننا الرضوخ لمنطق المواجهة لمجرد المواجهة، فما من مواجهة دون أفق سياسي، يبحث عن طرق لأبواب جديدة للسلام المتصدع ، ولذا لا نجد حرجاً في إبداء النصح لهذا المجتمع الدولي وساسته، قائلين:

 

"إننا ومع إيماننا الراسخ الذي لا يتزعزع بأن فلسطين التي نستحق، هي كل فلسطين من البحر إلى النهر، وليست تلك التي ارتضينا بها في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس على أقل من 20% من مساحة فلسطين التاريخية، إلا أننا وإياكم في حاجة ملحة اليوم قبل الغد إلى إيجاد أرضية خصبة لتحركٍ مقنعٍ ذاتَ مصداقية، يطرح رؤية واضحة لإيجاد حل عادل ودائم ينهي هذا الصراع الطويل إن أرادوا وارتضينا".

 

وعليه، فإن أول خطوة في علاج أي مشكلة، هي أن نحدد ماهية هذه المشكلة بعيداً عن أزمة هذا الكيان الفاشي الذي تعرفون بين وظيفته الاستعمارية ومحاولة تثبيت هويته الدينية، وسط بيئة اجتماعية عربية متحركة على المستويين السياسي والديموغرافي. وماهية هذه المشكلة تتمحور في انحياز صناع قرارهم السياسي إلى الأصولية الدينية التي لا تعترف إلا بشروطها واشتراطاتها عدم الاعتراف بالآخر وحقيقة وجوده قبل مجيئهم وحقه في الحياة.

 

الأمر الذي يتم الاشتغال على توظيفه داخلياً وخارجياً، عبر العديد من الممارسات العنصرية ضدنا، نحن أهل الأرض الأصليين، من اعتداءات مستمرة طالت وما زالت كل مناحي الحياة الفلسطينية، سواء تعلق الأمر بسياسة الاعتقال، أو الاغتيال، أو الحصار، أو ذهب بعيداً في فرض سياسة التمييز والأبرتهايد.

 

والدلائل والمؤشرات التي تعرفونها ونعيشها وكي لا نتوقف طويلاً أمامها بهذه البساطة أو السذاجة، ربما تحتاج منا لأكثر من رسالة في مقال، إن لم نقل في كتاب أو مجلد، حيث أن الأمر لا يمكن فصله عن جذوره التاريخية أو السياسية.

 

إن تجاهل هذه الحقائق، عبر الادعاء غير الواعي لِمَا يقول: "إن لدى الفلسطينيين شهوة للثأر أو الانتقام المدمر للذات قبل الآخر، كما ادعى أحدهم، إنما سيفضي إلى كل عناصر التحريض المحتملة لديهم ولدينا. مما سيؤدي، شئنا أم أبيتم، إلى اتساع رقعة المواجهة، وربما تغيير قوانيين اللعبة الدولية التي فرضت علينا المعادلة التي عبر عنها، في بادئ الأمر، الرئيس المصري الراحل أنور السادات في خطابه الشهير في الكنيست حين قال: "إنَّ دعوة السلام الدائم العادل المَبْني على احترام قرارات الأمم المتحدة، أصبحت اليوم دعوة العالم كله، وأصبحت تعبيراً واضحاً عن إرادة المجتمع الدولي، سواء في العواصم الرسمية التي تصنع السياسة والقرار، أو على مستوى الرأي العام العالمي الشعبي"".

 

نعم، هذه المعادلة قد تتغير إن لم نستدعِ معاً كل طقوس السلام العادل والشامل والقائم على احترام قرارات الأمم المتحدة، فها هي القدس التي وضعوا فيها عشرات الحواجز الأمنية، لم تنجح حواجزهم في تحقيق الأمن.. هذه القدس التي تعلمون جيداً مدى قدسيتها في وعي كل فلسطيني وعربي وحر، عليكم القول لهم: "اخرجوا منها طواعية، قبل أن تضطروا إلى الخروج منها قسراً". فلا معنى لأي حديث عن سلام أو محاولات تهدئة دون القدس وعيش أهلها في سلام.. ولا جدوى من أي حديث عن تهدئة دون وقف الاستيطان وهدم جدار العزل العنصري.

 

لن تجدوا من يلجم طموح شباب فلسطين الثائر لكرامته وحقه في الحرية والحياة، وإن خفت فعلهم حيناً، وتصاعد أحياناً، إن لم يلمس نتائج تضحياته، وتضحيات آبائه، ليس فقط في الجولة الحالية، وإنما منذ خُلق وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

 

 انتبهوا جيداً إلى أن ثقافة الموت في الوعي الفلسطيني والعربي، لا تعني الانتحار كما ادعى أحدهم مرة أخرى، ولكنها بشكل واضح وصريح تعني الحياة.. حياة الابن، والابنة، والزوجة، حياة الأخ، والأب، والأم، والأهم أنها تعني الغد بكل طموحه في الحرية والاستقلال، فلا يغرنّكم ما قيل زوراً وبهتاناً.

 

عليكم أن تراكموا المعلومات والحقائق التي تفتح أمامكم جميعاً، غرباً وإسرائيليين، أفق الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في الحق الفلسطيني.. انصحوا شعبهم بإعادة قراءة المتحول في المنطقة وفي السياسة الدولية أيضاً بما فيها الإدارة الأمريكية التي تقول تقارير مراكزها ودراسات معاهدها، إنها لن تستطيع السير طويلاً بعكس التاريخ وتستمر في دعمها للتمييز العنصري في إسرائيل.. ادفعوا بهم نحو رفض ثقافة القتل والتمييز والعنصرية.. حاولوا إفهامَهم أن أمنهم لن يتحقق في ظل احتلال أرض الغير.. تعلموا وإياهم من دروس الماضي والحاضر أن شعب فلسطين لم ولن يتنازل عن حقه، طال الزمن أم قصر.. عودوا وإياهم إلى أسباب فشل محاولاتهم المستميتة طيلة نصف القرن المنصرم لتطويع فلسطينيي الداخل ليرضى ويرتضي العيش في ظل الاحتلال.. لا تسمحوا للمتطرفين بإطلاق رصاصة الرحمة على ما تبقى من فرص السلام المتاح.

 

نعم كبيرة، نحن اليوم أبعد ما نكون عن السلام، وأقرب من أي وقت مضى من الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات، فاختاروا بين الحق في العيش بسلام لهم ولنا، وبين مواجهة تنقلنا معاً من مربع سقوط الضحايا من كلا الطرفين إلى مزيد من الضحايا من كلا الطرفين، مع الفارق أن شهداءنا ضحوا بأنفسهم من أجل الحياة بكل ما تعني الكلمة من بحث عن غد أفضل، وقتلاهم ذهبت دماؤهم لا من أجل شيء سوى التطرف العنصري الأعمى لصالح روايات مشكوك في صحتها.

اعلموا أيها السادة أننا وإياكم في الزاوية، والمخرج ليس بأيدينا ولا بأيديكم، وإنما بيد هذا الجيل الثائر.