أسوأ الأموال هي تلك المستخدمة للابتزاز السياسي، لشراء المواقف، ولتحديد الأجندات. وليس الأمر بحاجة إلى ذكاء المحللين السياسيين وفطنة الخبراء الاقتصاديين لنبرهن على أن التهديد بوقف مساعدات الكونغرس للسلطة الفلسطينية أو تخفيضها قبيل لقاء الرئيس محمود عباس بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري هو أسلوب من أساليب الضغط والابتزاز السياسي.
ويحمل الأمر في طياته على الأقل أربع ملاحظات أساسية:
الأولى: غاب عن ذهن عضوتي الكونغرس اللتين طالبتا الرئيس عباس بالعودة إلى المفاوضات ووقف التحريض في الإذاعات وشاشات التلفاز والفيسبوك، ومنع الشبان من الوصول إلى نقاط التماس مع إسرائيل، أن أولئك الشباب غير مرتهنين إلا لإرادتهم العفوية التي ملّت الإملاءات والاشتراطات، وتسييس أموال المانحين، لفرض سيناريو المفاوضات كخيار وحيد وأوحد لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فخرجوا بمحض إرادتهم ليعلنوا رفضهم لما يزيد عن عشرين عاماً من المفاوضات، ولـ 27 مليار دولار منحت للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها حتى يومنا هذا ثمنا لكل تلك السنين العجاف من المفاوضات التي لم تثمر شيئاً.
الثانية: إنه لو توفرت الإدارة المالية الناجعة لمكافحة التهرب الضريبي، فإن بإمكان السلطة الفلسطينية سنويا جمع المبلغ الذي يهددنا به الكونغرس، والبالغ 370 مليون دولار، فقط من عوائد تلك الأموال.
الثالثة: إن الرد الفلسطيني، على وقف مساعدات الكونغرس ينبغي أن يرتكز على التلويح برفض تلك المساعدات، لأن الحلول المقترحة المرتبطة بها هي حلول ترقيعية مشوهة، فيما الحلول المستدامة مرتبطة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإنهاء سيطرته على مقدراتنا، ومواردنا ومصادرنا الطبيعية، فنحن شعبٌ يريد الحرية أولاً، ولا يقايضها بالمال. ويكفي أن نشير هنا إلى التقرير الصادر عن البنك الدولي في أواخر عام 2013، الذي يوضح أننا نخسر حوالي 3.4 مليار دولار سنوياً بسبب عدم سيطرتنا على المناطق المسماة (ج) الغنية بالموارد الطبيعية ومنعنا من الاستثمار فيها، وهي تشكل نحو 40% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني.
الرابعة: إننا بحاجة ماسة إلى مقاربة جديدة تنهي تفرد الإدارة الأمريكية بإدارة ملف القضية الفلسطينية بعد ما يزيد عن 20 سنة من إنحيازها الأعمى لدولة الاحتلال، وبعد الفشل الذريع لسياساتها وتسببها بالخراب والدمار الهائل في المنطقة، بحيث تكون تلك المقاربة قائمة على الرعاية الكاملة للملف الفلسطيني من قبل الأمم المتحدة، وعلى قاعدة إنهاء الاحتلال عن أرضنا وفق جدول زمني محدد وآليات تنفيذية واضحة تكفل ممارسة حقوقنا المشروعة غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حقنا الكامل في تقرير المصير.
على أية حال، أصدقاء لي في دول الخليج، دائما ما يستخدمون عبارة "كيري ميري"، وحين سألت عن معناها، قيل لي، هي سياسة "اللف والدوران". ونحن ندور وندور في نفس الحلقة إلى ما لا نهاية، فقد حان موعد أن نقول لـ كيري، كف عن سياسة "كيري ميري" وإنهوا الاحتلال.