خبراء: على السلطة فرض أمر واقع في القدس وألا تتذرع باتفاقات أوسلو
دعم السكن والتعليم والصحة أساسي لصمود المقدسيين
الحدث- محمد غفري
أدت سياسات الاحتلال الإسرائيلي، وانتهاكته المتصاعدة يوماً بعد يوم بحق مدينة القدس المحتلة وساكنيها، واقتحامات المستوطنين شبه اليومية للمسجد الأقصى المبارك، بحراسة قوات الاحتلال وتدنيسهم لساحته، وما تبعها من مشاهد الاعتداء على المرابطين والمرابطات، إلى ما هو متوقع من انفجار هبة جماهرية فلسطينية غاضبة في وجه الاحتلال، تمت ترجمتها من خلال عشرات عمليات الطعن والدهس وإطلاق الرصاص، إلى جانب المواجهات اليومية المتكررة على نقاط التماس مع جنود الاحتلال.
ولأن هذه الهبة الجماهرية التي أطلق عليها "انتفاضة القدس"، جاءت عفوية وبرد فعل غاضب من قبل الشباب، دون أي تدخل جدي وملموس من قبل الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير والسلطة، سرعان ما أخذت بالانحسار، كا يرى الخبراء والمحلوون.
هذه الانتفاضة الشبابية حققت العديد من النتائح الهامة لسنا بصدد الإشارة إليها هنا، إلا أنها لن تقود حتى اللحظة إلى حل جذري يوقف ممارسات الاحتلال ومستوطنيه في القدس، لذلك بات لزاما علينا أن نفكر جدياً في خطوات عملية ملموسة، تضمن الحفاظ على مدينة القدس وحمايتها.
الأهم هو تقديم الدعم الاقتصادي ومشاريع الإسكان والصحة والتعليم
يقول الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، إن أهم نقطة من أجل مساعدة المقدسيين على الصمود، هو تقديم الدعم المادي لهم، وذلك لما يعانيه المقدسي اليوم من تضييق من قبل سلطات الاحتلال وفرض غرامات مالية باهضة عليه من أجل إجباره على الرحيل من القدس.
ويرى عيسى، أنه لابد من توفير دعم لقطاع الإسكان، لأن السكن يعتبر من أبرز معاناة المقدسيين في أرضهم، في ظل ما تفرضه حكومة الاحتلال من قوانين صارمة تمنع المقدسيين من ترميم منازلهم أو البناء على أراضيهم، بالإضافة إلى مصادرة الأراضي وهدم المنازل، حيث بات المقدسيون يعيشون في بيوت قديمة مهترئة.
وأضاف عيسى، أنه يجب الاهتمام أكثر بقطاعات الصحة والتعليم، لأن القدس تعاني من نقص في المشافي والعيادات الصحية، إضافة إلى نقص حاد في المدارس والمرافق التعليمية، حيث بات الآلاف من الأطفال دون مقاعد دراسية، والعديد من المرضى دون علاج.
وأكد عيسى على أهمية إعداد خطة توعوية وإعلامية لإطلاع الرأي العام العربي والدولي على ما يدور في مدينة القدس من تهويد وتهجير للسكان وسرقة للتراث الاسلامي، وهذا الأمر يكون من خلال نشر الخرائط التي تخص مدينة القدس من خلال خرائط الإسكان وخرائط التراث وخرائط الحفريات وغيرها، وكذلك نشر مقاطع الفيديو والدراسات والتقارير التي توثق ما يدور في القدس وتحت المسجد الأقصى المبارك، ولا بد توثيق لأسماء المناطق والأحياء العربية في القدس من أجل الحيلولة دون تهويدها.
وقال عيسى هذا جميعه يقع على عاتق مسؤول ملف القدس في منظمة التحرير، لأن منظمة التحرير هي المسؤول المباشر عن ملفات القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والمياه، دون أن يستبعد أهمية الدور الذي من الممكن أن تلعبه الحكومة الفلسطينية، من خلال إنشاء صندوق في الحكومة لتمويل كل ما يلزم مدينة القدس بشكل عام.
يجب على السلطة أن تفرض أمر واقع في القدس ولا تتذرع بأوسلو
يؤكد مسؤول ملف القدس في حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح حاتم عبد القادر، أن الشعب قدم ما عليه من خلال الهبة الشعبية التي بدأت في القدس وامتدت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا كان رد فعل شعبي وطبيعي، دون وجود أي قرار لا من قبل السلطة الفلسطينية ولا من جانب الفصائل الفلسطينية.
لذلك يرى عبد القادر أن المطلوب من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية، أن تحتوي هذه الهبة الشعبية وتساهم في تطويرها حتى تحقق أهدافها، لأن هناك تقصيرا واضحاً من جانب السلطة والمنظمة فيما يتعلق بدعم صمود مدينة القدس، ودعم صمود المواطنين فيها، ودعم صمود المؤسسات المقدسية، التي أصبحت تعاني وضعا صعبا نظراً لاستمرار الانتهاكات واستمرار المحاولات الإسرائيلية لخلق بيئة طاردة للمقدسيين.
وأضاف عبد القادر، أنه لابد من السلطة أن تحاول فرض أمر واقع داخل المدينة المقدسة كما تحاول إسرائيل فرضه، وأن لا تتذرع باتفاقات أوسلو التي تمنع السلطة الفلسطينية من أخذ زمام المبادرة في مدينة القدس، لأن إسرائيل سبق وأن تخلت وداست على اتفاقية أوسلو، لذلك نحن لا نريد تحت ذريعة اتفاق أوسلو أن نمنع أي نشاط فلسطيني داخل مدينة القدس.
وأردف عبد القادر، "يجب أن يكون هناك تفعيل للنشاط الفلسطيني الرسمي داخل مدينة القدس، ويجب رصد ميزانية دعم كافية لصمود المقدسيين، ويجب وضع القدس على رأس الأولوية السياسية والإعلامية في اتصالات السلطة ومنظمة التحرير مع كل الدول الفاعلة في الخارج".
وأشار عبد القادر، إلى أن هناك واجب عربي وإسلامي تجاه القدس، والمفروض على الدول العربية والإسلامية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه القدس وتجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء، وأن لا تقف في موقف المتفرج، وأن تستمر في هذا الصمت المعيب إزاء ما يجري في مدينة القدس كأنها على كوكب أخر، على حد تعبيره.
تطبيق القانون الفلسطيني يدعم صمود القدس
يشير الخبير القانوني عصام عابدين، إلى أن تفعيل الخطوات المذكورة، يكمن من خلال تطبيق القانون الفلسطيني؛ وهو قانون العاصمة رقم (٤) لسنة ٢٠٠٢، الذي ينص صراحة في المادة الثالثة منه على ما يلي:
"تُخصص حصة خاصة سنوياً من الموازنة العامة إلى مدينة القدس الشريف وتوضع البرامج والخطط لتشجيع الاستثمار العام والخاص فيها وتظل منطقة تطوير (أ) ذات أولوية خاصة".
وبالتالي كما يرى المحاضر في جامعة بيرزيت، أننا لا نتحدث فقط عن استحقاق ومسؤولية وطنية عامة، وإنما استحقاق ومسؤولية قانونية أيضاً مستندة إلى مبدأ سيادة القانون على الجميع.
يجب إسقاط النظرية "الصهيونية" حول أحقية اليهود في القدس
يقول الخبير في علم التاريخ والأثار شفيق شبانة، أن النظرية "الصهيونية" قائمة في الأساس على نشر اعتقاد أن هيكل سليمان كان موجودا مكان المسجد الاقصى، وبالتالي يجب المواجهة بنفس هذا الأسلوب، وإسقاط هذه النظرية الكاذبة حول أحقية اليهود التاريخية في القدس، ونشرها إعلاميا لتصل إلى كافة أرجاء العالم وإظهار وإبراز أحقية المسلمين في المسجد الاقصى.
لذلك بحسب شبانة، ما يجب علينا نشره من أجل مواجهة النظرية الصهيونية، هو الدلائل الأثرية والدينية، التي تثبت أن اليهود ليسوا سوى غزاة لفلسطين، ولم يكن لهم أحقية في فلسطين على مدار التاريخ، وأن اليهود عاشوا في كنف الدولة الاسلامية بأمن وأمان.
وأضاف شبانة، يجب كذلك نشر أن الحركة الصهيونية هي أداة وشكل من أشكال الاستعمار الحديث نشأت من أجل مصالح الدول الاستعمارية الامبريالية، وقد أوجدت كذبة كبيرة إسمها إسرائيل وشعب الله المختار وأحقيتهم في فلسطين والقدس، وأن المسجد الأقصى قد بني على ركام هيكل سليمان بعدما تم بناؤه ونقله إلى القدس، وهو ما نفته لجان تحقيق دولية عندما أقرت بأحقية المسلمين في المسجد الأقصى والقدس، والجانب الاثري يدعم ذلك.