الحدث - غزة
فَنَّدَ مؤرخون وباحثون فلسطينيون، اتهامات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، زعم فيها وقوف مفتي القدس الراحل، أمين الحسيني، وراء "المحرقة اليهودية" أو ما يُعرف بـ"الهولوكوست"، واصفينها بأنها "تزييف لحقائق التاريخ ووقائعه".
وأثارت تصريحات نتنياهو ، الثلاثاء الماضي، التي ادعى فيها أن الزعيم الألماني، أدولف هتلر، "لم يكن يرغب في إبادة اليهود، بل أراد طردهم فقط، وأن مفتي القدس (آنذاك)، الحاج أمين الحسيني، أقنعه بالتخلص منهم"، ردود فعل فلسطينية وعربية ودولية غاضبة.
فبينما اعتبرتها الأمم المتحدة أنها "لا تساعد" في خفض التوتر الحاصل بالأراضي الفلسطينية، وصفتها جامعة الدول العربية، بأنها "سخيفة، ومثار للسخرية، وإهانة لضحايا النازية"، في حين نظرت إليها واشنطن على أنها "لا تتفق مع الدلائل التاريخية"، وفلسطينياً، وصفها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بـ"الحقيرة والدنيئة".
من جهتها قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "من وجهة نظري نحن نعرف جميعاً أنَّ النازيين هم المسؤولون عن هذه الفاجعة بارتكابهم التطهير العرقي ضد اليهود، ونحن نعتقد بأننا مجبرون على أن نورث أبناءنا هذه الحادثة، ولا يوجد سبب لأن نغير هذه الصورة في تاريخنا".
وبعد الانتقادات وردود الفعل، قال نتنياهو في تصريحات وزعها مكتبه على وسائل الإعلام: " لم أكن أنوي أبداً تبرئة هتلر من مسؤوليته الشيطانية عن إبادة يهود أوروبا".
وأضاف :" هتلر كان مسؤولاً عن الحل النهائي المتمثل بإبادة ستة ملايين، هو من اتخذ القرار، لكن من غير المعقول أيضاً، تجاهل الدور الذي لعبه المفتي (الحسيني) الذي شجع هتلر على إبادة اليهود في أوروبا".
المؤرخة الفلسطينية المعروفة، بيان الحوت، والتي تقطن في لبنان، قالت في حديث هاتفي مع الأناضول إن "مزاعم نتنياهو الأخيرة ضد الزعيم الفلسطيني التاريخي الحاج أمين الحسيني، لا تحتاج إلى أي رد؛ ذلك لأن الحقائق التاريخية بشأن العلاقة بين الحسيني وهتلر لا ملفات سرية فيها".
وأشارت الحوت إلى أن "العلاقة بين الرجلين منشورة في المصادر التاريخية من موسوعات، ومؤلفات لكبار المؤرخين من ألمان، وأوروبيين، وعالميين، وعرب".
وتؤكد المؤرخة الفلسطينية أن "مسؤولية الألمان النازيين الذين قاموا بالمحرقة تعترف بها ألمانيا على الصعيد الرسمي"، "كما يندد بها زعماء الصهاينة، ومؤرخو الهولوكوست بتواصل لم ينقطع حتى يومنا هذا".
و"يبدو أن نتنياهو قد بدأ يفقد ذاكرته"، كما تقول الحوت، مضيفة أن "المقابلة الأولى بين الحاج الحسيني وهتلر تمت في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1941، وأما تصريح هتلر بعزمه على إبادة اليهود فكان في خطابه الشهير أمام الرايخستاغ (البرلمان الألماني) في 30 يناير/كانون ثانٍ 1939"، متسائلة في هذا الصدد "هل فقد نتنياهو القدرة على إجراء عملية حسابية بسيطة كي يعلم أن قرار هتلر قد سبق لقاءه بالزعيم الفلسطيني بنحو ثلاث سنوات؟".
واستطردت: "نتنياهو فقد ذاكرته إلى حد نسيّ معه أنّ الاضطهاد الفعلي لليهود باشره النازيون قبل ذلك الخطاب (أمام الرايخستاغ)، وخصوصاً يوم التظاهرات الصاخبة في ألمانيا ضدهم في 9 نوفمبر/تشرين ثاني 1938".
وترى الحوت أنّ ما لا يُغتفر لرئيس الوزراء الإسرائيلي، هو "نسيانه للملايين من ضحايا هتلر من أوروبيين مسيحيين ومن عقائديين، لم يقفوا إلى جانب النازية، ولذلك قام النازيون بإفنائهم أيضاً".
من جانبه، قال الباحث الفلسطيني وأستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية بغزة، زكريا السنوار، إن رواية نتنياهو لا تستند إلى أي "تأصيل تاريخي"، وأنها احتوت على معلومات تاريخية "غير دقيقة".
وأوضح السنوار في حديث مع الأناضول أن "الصعود النازي، بدأ عام 1933، وفي تلك الفترة حُكمت ألمانيا من قبل حزب العمال الاشتراكي القومي، بقيادة أدولف هتلر الذي ناصب آنذاك العداء لليهود، وحاربهم في المناطق الخاضعة لسيطرته".
وبعيداً عن أعداد اليهود الذين قتلوا في "المحرقة"، يشير السنوار، إلى أن الوثائق والروايات التاريخية، تؤكد أن "قتل هتلر لليهود واضطهادهم، ازدادت وتيرته مع بدء الحرب العالمية الثانية (1939)".
ويقول اليهود إن "النظام النازي في ألمانيا، أحرق 6 ملايين يهودي في فترة ثلاثينيات ومطلع أربعينيات القرن الماضي في أوروبا".
وأشار السنوار، إلى أنه مساء 9 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1938 اجتاحت ألمانيا مظاهرات غاضبة ضد اليهود عُرفت بـ"ليلة الزجاج المُهشم"، تم خلالها الاعتداء على محال اليهود ومنازلهم واعتقال الآلاف منهم.
وفي هذا السياق، لفت المؤرخ الفلسطيني إلى أن "هذه الأحداث تؤكد أكاذيب نتنياهو، وادعاءاته، فاللقاء بين هلتر والحسيني تم بعد سنوات من إحراق وقتل اليهود".
ووفق السنوار، فقد "كتب الحاج الحسيني، في مذكراته، أنه لا يريد من اليهود سوى أن يعودوا إلى بلادهم"، وأكد فيها على أن "سلوك الثوار والمجاهدين الفلسطينيين ضد أي قوات معادية لهم تتم وفق (مبادئ) الحرب الشريفة".
وأردف قائلاً: "الحسيني التقى هتلر في تلك المرحلة بوصفه الزعيم الفلسطيني والعربي الأبرز، بل وصفه بـ "الشخصية السياسية الأهم" في العالم الإسلامي، وكان الأول قد فرّ سراً إلى العراق، وقام بدعم ثورة رشيد الكيلاني هناك، عام 1941، ضد القوات الإنجليزية، وبعدها غادر إلى عدة عواصم أوروبية بينها برلين، وهناك التقى القيادة الألمانية بزعامة هتلر".
ولأن السياسة في التاريخ تعني أن عدو عدوي، صديقي، رأى السنوار أن الحاج الحسيني، التقى بهتلر وقادة ألمانيا، العدو الأول والأقوى لإنجلترا في ذلك الوقت.
وتابع بقوله: "كان هتلر قد تعهد للحسيني، أنه في حال انتصرت دول المحور (بقيادة ألمانيا)، على دول الحلفاء ( بقيادة إنجلترا وفرنسا) في الحرب العالمية الثانية، أنه سيعمل على إقامة دولة فلسطينية، وهذا كل ما كان يطلبه مفتي القدس آنذاك".
بدوره يقول مصطفى كبها، باحث من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨، وأستاذ التاريخ والعلوم اليهودية، في جامعة تل أبيب المفتوحة، بإسرائيل، إنّ مؤرخين يهود يقومون باختلاق الروايات التي تزعم أن الحاج الحسيني، طلب من هتلر التخلص منهم.
وأضاف كبها في حديث مع الأناضول أن "التاريخ وثّق لقاء هتلر بالحسيني، بعد أعوام من تعذيب وقتل النازيين للآلاف من اليهود"، متسائلاً هنا: "هل يريد نتنياهو منا أن نصدق أن مفتي القدس لديه التأثير على ألمانيا التي عرفت بقوتها السيادية في ذلك الوقت".
ويؤكد الباحث نفسه أنه ما من وثيقة تاريخية تشير إلى أن اللقاء الذي جمع بين الرجلين، قد تناول حديث التخلص من اليهود، مستطرداً:" ولم يكن له أي دور في الاعتراض على تهجير مئات آلاف اليهود من هنغاريا إلى فلسطين كما تزعم الحركة الصهيونية، إنما قام بتوجيه رسالة إلى وزير خارجية هنغاريا يخبره فيها أن السماح لليهود بالذهاب إلى فلسطين لن يحل المشكلة اليهودية".
ووفق كبها، فإن اللقاء بين هتلر والحسيني، كان "قصيراً جداً"، واقتصر عمل المفتي في ألمانيا (قرابة 4 أعوام) على تأسيس جيش من مسلمي البوسنة، يتولى حماية البوسنيين في بلادهم ضد "المذابح" التي تعرضوا لها من العصابات الصربية.
ويرى الباحث نفسه أن نتنياهو "يريد الآن أن يحرض على الفلسطينيين، ويزوّر التاريخ، إلى جانب تحريضه على الشخصيات التاريخية".
وشغل الشيخ أمين الحسيني، منصب مُفتي القدس عام 1921م، وكان أحد أبرز الشخصيات الفلسطينية في ذلك الوقت، وتوفي في القاهرة عام 1974.
المصدر : الأناضول